مهمة غير مُنجزة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠١/يناير/٢٠١٩ ٠٤:١٢ ص

ماثيو ليفيت
هارون ي. زيلين

دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القرار المتهوّر الذي أعلن عنه الأسبوع الفائت بسحب القوات الأمريكية من سوريا من خلال ادعائه بأن تنظيم «داعش» قد هُزم في سوريا. غير أن مستشاريه لا يوافقونه الرأي. ويبدو أن الرئيس الأمريكي لم يفهم هذه الرسالة، أو أنه ربما فهمها - نظراً إلى أنه ناقض نفسه لاحقاً، مدعياً أن تنظيم «داعش» أصبح الآن مشكلة دول أخرى - واختار ببساطة تجاهلها. وفي كلا الحالتين، سيترتب على سحب القوات الأمريكية المتسرّع من سوريا العديد من التداعيات السلبية على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في المنطقة.

أولاً وقبل كل شيء، إن الهروب من سوريا سيبث حياة جديدة في تنظيم «داعش »، وقد يفيد عمليات تنظيم «القاعدة» في المنطقة أيضاً. فقد مارست القوات الأمريكية ضغوطاً مباشرة على المسلحين من كلتا الجماعتين، كما لعبت دوراً حاسماً في دعم الجهات الفاعلة الأخرى على أرض المعركة التي تقاتل ضدهما. بالإضافة إلى ذلك، فمن دون الدعم اللوجستي للجيش الأمريكي، ستواجه وكالات الاستخبارات الأمريكية صعوبات أكبر في جمع المعلومات الاستخباراتية على الأرض في سوريا. وذلك سيجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة ولحلفائها الغربيين فيما يتعلق بكشف العمليات الخارجية التي يخطط لها تنظيما «داعش» أو «القاعدة». كما أن التخلي عن «قوات سوريا الديمقراطية»، الشريك الرئيسي للولايات المتحدة على أرض المعركة، سيُضعف التحالف الذي يساعد في محاربة تنظيم «داعش»، ويُمْكِن أن يؤدي إلى قيام أعضاء التحالف بتقليص جهودهم في هذا المجال أو إنهائها بالكامل. ثانياً، إن الانسحاب من سوريا بهذه الطريقة المفاجئة سيشجع حلفاء سوريا. فقد كان تواجد القوات الأمريكية بمثابة مراقبة لأنشطتهما، ومن المرجح إلى حدّ كبير أن يؤدي خروج القوات الأمريكية إلى إحداث فراغ يرافقه قيام منافسة أكبر على الأراضي التي تسيطر عليها حالياً «قوات سوريا الديمقراطية» التي تدعمها الولايات المتحدة. وسيستفيد أصحاب النفوذ الإقليميون، من خلال ملء هذا الفراغ.

ولا يشارك كبار مستشاري ترامب لمكافحة الإرهاب ثقته المفرطة. فقد شهد ضابط البحرية نائب الأدميرال جوزيف ماغواير، الذي تمت المصادقة أخيراً على تعيينه في منصب المدير الجديد لـ «المركز الوطني لمكافحة الإرهاب»، في وقت فائت من هذا العام قائلاً أنه، على الرغم من خسارة تنظيم «داعش» لمعظم الأراضي التي كان يسيطر عليها، «إلّا أنه لم يتمّ بعد تقليص قدرته على إطلاق تمرّد في سوريا والعراق والحفاظ على شبكة عالمية بالشكل الكافي، وأن الوتيرة الثابتة للأنشطة الإرهابية الموجّهة والمستوحاة من تنظيم «داعش» هي بمثابة تذكير لانتشار الجماعة المستمر على الصعيد العالمي». ولم تغيّر الوكالات الحكومية الأمريكية تقييمها منذ شهادة الأدميرال ماغواير. وقبل أسبوع من إعلان ترامب عن الانسحاب المتسرّع، قال المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، بريت ماكغورك إن «أحداً لم يعلن إنجاز المهمة». ومنذ ذلك الحين، استقال ماكغورك احتجاجاً على قرار الرئيس الأمريكي. وقبل يوم من تغريدة ترامب التي أشار بموجبها إلى انتهاء المهمة العسكرية في سوريا، كرّر المستشار الخاص لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون سوريا، السفير جيم جيفري على ضرورة الحفاظ على وجود عسكري أمريكي في سوريا من أجل ضمان الهزيمة الدائمة للتنظيم والإسهام بتوفير الظروف المناسبة لحلّ سياسي للحرب الأهلية من أجل المساعدة على إرساء الاستقرار في المنطقة.
وسيؤثر الانسحاب أيضاً على شركاء الولايات المتحدة الذين يحاربون تنظيم «داعش». ففي غضون ساعات من تغريدة ترامب، ظهرت تقارير مفادها أن «قوات سوريا الديمقراطية» الحليفة للولايات المتحدة، والتي يهيمن عليها الأكراد - قد يتم التخلي عنها في شمال شرق سوريا عند انسحاب القوات الأمريكية - تنظر في إطلاق سراح ما يصل إلى 3200 سجين من تنظيم «داعش» الذين تحتجزهم. ومعظم هؤلاء الأفراد هم من المقاتلين الأجانب. وقد يشكّل إطلاق سراحهم تهديدات مباشرة وفورية على الدول الأوروبية وغيرها، وربما تشمل الولايات المتحدة. وعلى غرار الملاحظة التي أبدتها «إستراتيجية الأمن القومي» للرئيس ترامب، «من المرجح أن يعود العديد من هؤلاء الإرهابيين في العراق وسوريا إلى بلدانهم الأصلية، حيث يمكنهم مواصلة التخطيط لمؤامرات وشن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائنا».
وفي ظل هذه الخلفية، بالإضافة إلى التقارير التي تفيد بأن الانسحاب الأمريكي قد يتضمن نهاية للضربات الجوية الأمريكية أيضاً، أصدر حلفاء رئيسيون، من بينهم فرنسا والمملكة المتحدة بيانات تبيّن تقييماتهم بأنه رغم خسارة تنظيم «داعش» لأراضي شاسعة، إلّا أنه لم يُهزم ولا يزال يشكل تهديداً. ومع ذلك، فمن المشكوك فيه إلى حد كبير ما إذا كان أي من هذه البلدان سيظل منخرطاً في المنطقة بنفس الدرجة إذا ما انسحبت الولايات المتحدة. ولن يشكّل انسحابهم ضربة أخرى للحملة المناهضة للتنظيم وللاستقرار الإقليمي فحسب، بل للجهد الأمريكي الأوسع لتعزيز تقاسم الأعباء أيضاً.
أما خارج العراق وسوريا، فيواصل تنظيم «داعش» إلهام الأفراد للقتل باسمه. ففي الأسبوع الثالث من ديسمبر، قام أربعة رجال كانوا قد بايعوا أبو بكر البغدادي بقطع رأس سائحتين في المغرب أثناء قيامهما برحلات للتنزه والتخييم. وفي شريط فيديو مسجل بشكل مسبق، ربطوا الهجوم بالأحداث في سوريا، قائلين، «هذا انتقام لإخواننا في هجين». وإذا كان داعش قادراً على استعادة سيطرته على الأراضي، فسيكون لديه موارد وأصول أكثر بكثير بدون ضغوط لتخطيط هجمات أكثر تطوراً على غرار أشهر هجماته في باريس في نوفمبر 2015. وبعبارة أخرى، يشكل تنظيم «الدولة الإسلامية» تهديداً متعدد المستويات يتخطى حدود أي منطقة محدودة يعمل فيها في العراق وسوريا، ويظل تهديداً إرهابياً باستطاعته القيام بأعمال تمرد في المنطقة وخارجها، تشمل فروعه النائية في دول مثل أفغانستان ومصر والصومال والفلبين. ولن يساهم سحب القوات ووقف الحملة الجوية ضدّ التنظيم سوى في زيادة جرأته وتهيئة الساحة لعودة أخرى على الصعيدين المحلي والدولي.
إن السياسات الجيدة لا تتُخذ من خلال تغريدة عرضية في أعقاب مكالمة هاتفية مع زعيم أجنبي، بل هي نتاج عملية متينة مشتركة بين الوكالات الحكومية يتم من خلالها توفير الحقائق والبيانات إلى عملية صنع سياسة مستنيرة ومدروسة لـ»مجلس الأمن القومي». ومن الواضح أن الرئيس الأمريكي يريد إعادة النظر في سياسة أمريكا إزاء سوريا، وهو أمر يندرج ضمن صلاحياته. عليه أن يطلب من مستشاره للأمن القومي أن يطرح الموضوع للجدال والنقاش، ومن ثم اتخاذ قرار مستنير بشأنه.

ماثيو ليفيت: زميل «فرومر- ويكسلر» ومدير برنامج «ستاين» للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن.

هارون ي. زيلين:و زميل «ريتشارد بورو» في «برنامج رينهارد» في المعهد.