حقوق الإنسان في عامها السبعين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣١/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٠٠ ص

جوردن براون

بعد مرور سبعة عقود على تبنيه، يظل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منارة أمل للعالم تبعث برسالة صريحة وقاطعة مفادها أن أي ظلم يقع بأي مكان يمثل تهديدا للعدل في كل مكان، وأن أي انتهاك لحقوق الإنسان لا يمكن السماح باستمراره دون مقاومته وصده.

ورغم تنامي نزعتيّ معاداة الليبرالية والاستبداد، فمن المهم أن نتذكر أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ــ وكذلك المواثيق والاتفاقيات التي استُلهمت منه ــ تناصر حق كل إنسان في الحياة والحرية والأمن، إذ ينص الإعلان، الذي تبنته دساتير دول كثيرة، على أنه ينبغي ألا يُعرض أي شخص للتعذيب أو التوقيف أو الاعتقال التعسفي. فهو يقدس الحق في المحاكمة العادلة، والخصوصية، وحرية التعبير والانتماء للجماعات، وحرية الفكر في ما يتصل بالدين أو الضمير والوجدان، فضلا عن تأكيده على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية المهمة مثل الحق في العمل وتشكيل اتحادات عمالية.

غير أن واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ــ الذي صيغ في أجواء تهيمن عليها سياسات الحرب الباردة في أربعينيات القرن الماضي ــ تمكنوا من الاتفاق فقط على الحقوق الواجبة للأشخاص، دون بيان الأسباب التي تجعل هذه الحقوق أساسية، ناهيك عن كيفية ضمانها أو بيان الجهات المنوطة بحمايتها. في البداية، لم تكن هناك معاهدات للتطبيق والإنفاذ، أو آليات مناسبة للاستئناف، بل لم تكن هناك مواثيق أساسية يمكن للدول التوقيع عليها حتى بعد هذا الوقت بفترة طويلة. ونظرا للوقت الذي صيغ فيه الإعلان، نجد أنه لا يتحدث عن حقوق المرأة، وذوي الاحتياجات الخاصة، وأصحاب الميول الجنسية غير النمطية، والأطفال إلا قليلا. وبالتالي، تتواصل انتهاكات حقوق الإنسان بمعدل مفزع وبحصانة فعلية من العقاب، رغم الطفرات الكبرى التي حدثت في العقود السبعة الأخيرة كإنشاء المحكمة الجنائية الدولية وتبني الأمم المتحدة مبدأ المسؤولية عن الحماية.
وبهدف الخروج بتوصيات ذات صلة بالمراجعة التي تمت للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ذكراه السبعين، احتضنت جامعة نيويورك اجتماعا للجنة المواطنة العالمية (التي توليت رئاستها) تحت رعاية جون سِكستون وبول بوغوسيان. وقد استرشدنا في مداولاتنا بفريق من الفلاسفة على رأسهم الفيلسوف اللامع جيريمي وولدرن.
وقد ذهبت اللجنة إلى ما بعد إحصاء الحقوق تفصيلا بأن طالبت بنوع جديد من الوضوح والشفافية بشأن من ينبغي له تنفيذ الواجبات المتعلقة بتلك الحقوق وكيفية تنفيذها. وقد حدث مرارا وتكرارا أن تسبب استخدام حق النقض أو التهديد باستخدامه من قبل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في منع أي تحرك في هذا الاتجاه. وسهل الشلل الناجم عن هذا الموقف إهدارا هائلا للحياة البشرية، كما قوض مصداقية الأمن الجماعي، الأمر الذي ساعد على تزايد الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان. ولمعالجة هذا الموقف، أوصى تقرير اللجنة بأن يعلق الأعضاء الدائمون بمجلس الأمن طوعا حقهم في النقض في المواقف التي تتضمن فظائع جماعية، وبالتالي إتاحة مجال أكبر للمحكمة الجنائية الدولية. ولم يكتف التقرير بالتوصية بتحديد مسؤوليات أكثر تفصيلا للحكومات والمؤسسات الدولية، فأوصى بضرورة ابتكار آليات جديدة لضمان امتثال الشركات لمبادئ حقوق الإنسان.
ويرجع الفضل لواضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في وجود إعلان واحد يجمع بين تقديس الحقوق المدنية والسياسية وتكريس الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، بعكس الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. لكن التصريح بأهمية مثل هذه الحقوق لا يعد كافيا في حد ذاته. ففي جنوب أفريقيا مثلا، يشتمل الدستور الحديث على تعهدات واضحة بتعزيز الحقوق الاجتماعية، لكن الدولة لم تجد وسائل مرضية لتنفيذها.
وقد اعترفت اتفاقيات جديدة تم التوصل إليها في ديسمبر من هذا العام بالمحنة البائسة لنحو 70 مليون شخص مشرد في العالم وأكثر من 20 مليون لاجئ. وفي هذا الصدد، يؤكد التقرير بشكل قاطع على ضرورة تقوية نظام حماية اللاجئين في العالم، مركزا بشكل خاص على ضرورة التوصل لإجماع فعال بشأن التوازن بين حق الانتقال وسلطات الدول في تقييده ــ بالتوازي مع الهدف طويل الأجل المتعلق بالتوصل لاتفاقية دولية جديدة تدعم الهدف الفرعي السابع من الهدف العاشر من أهداف التنمية المستدامة الذي يلزم الدول «بتسهيل الهجرة الآمنة المنظمة المنتظمة المسؤولة».
وتتعلق إحدى مجموعات التوصيات الأكثر إلحاحا للجنة بمعاملة الأطفال المعرضين الآن للخطر في ظل الحروب الدائرة في العالم، والتي يتجاوز عددها أربعين. كذلك يطالب تقرير انبثق هذا العام عن عمل اللجنة حررته مستشارة الملكة شهيد فاطمة، بعنوان حماية الأطفال في مناطق النزاع المسلح، بتغييرات جذرية خاصة بالمدارس الموجودة في مناطق النزاع كي تحظى بنفس الحماية الفعالة التي تتمتع بها المستشفيات، وبالنسبة للدول حتى يتسنى لها اتخاذ إجراءات نشطة لمنع العنف الجنسي ضد الأطفال، ومنع عمليات خطف الأطفال وتهريبهم. كما يطالب التقرير بإعلان واضح ينص على أن منع وصول الإغاثة الإنسانية للمناطق التي يكون فيها المدنيون معرضين للمجاعة يعد عملا غير قانوني على الدوام. أما على المدى البعيد، توصي فاطمة بأن ينظر المجتمع الدولي في مسألة تبني أداة قانونية شاملة وآلية مدنية للمساءلة من أجل حماية الأطفال في مناطق النزاع المسلح. وقد صرحت إليانور روزفلت، امراة أمريكا الأولى السابقة والقوة الدافعة خلف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بأن حقوق الإنسان تبدأ «في أماكن صغيرة قريبة من الوطن، أماكن قريبة وصغيرة للغاية حتى أنها لا تُرى على أي خريطة للعالم. وإذا لم يكن لهذه الحقوق معنى هناك، فسيتضاءل معناها في أي مكان». وبالفعل يشير كتاب الفضائل العادية للسياسي الكندي السابق مايكل إيجناتييف، وهو كتاب يقوم على دراسة لمجلس كارنيجي للأخلاقيات في الشؤون الدولية، إلى تمتع الأفراد بإحساس قوي بحقوقهم، حتى في أكثر أركان العالم عزلة وفوضوية، فضلا عن إدراكهم، ولو بدرجة أقل، لأهمية معاملة الأقربين إليهم بأسلوب مهذب ولائق.
لكن حتى مع اتجاه العالم نحو تكامل أعمق، يفتقد الملايين الإحساس القوي بضرورة تعزيز حقوق الإنسان ودعمها كحقوق شاملة للجميع. ولهذا تقدم اللجنة توصيات، مستشهدة في ذلك بأبحاث فونا فورمان المديرة المؤسسة لمركز العدالة العالمية في جامعة كاليفورنيا بسان دييجو، توضح للحكومات كيف يمكن تشجيع ودعم تعليم حقوق الإنسان بشكل نشط وفعال ــ وهو شيء لا تفعله إلا قلة قليلة من الدول حاليا.
على أية حال، وكما قالت إليانور روزفلت، فإن الوثائق المعبرة عن أفكار مثالية «لا وزن لها ما لم يعرفها الناس ويفهموها ويطالبوا بتجسيدها وإحيائها». يجب أن تكون هذه الحقيقة البسيطة أساسا لأجندة عالمية لمناصرة حقوق الإنسان الآن ومستقبلا.

رئيس وزراء بريطانيا الأسبق