القوى العاملة ليست وحدها..

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣١/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٣:٠٦ ص
القوى العاملة ليست وحدها..

علي بن راشد المطاعني

في ظل التباينات التي يشهدها سوق العمل في البلاد وكيفية التعاطي معها، والتناقضات الواضحة بين الوحدات الحكومية الداعية إلى توظيف المواطنين وبين عدم تعاونها مع الأجهزة المختصة بإدارة ملف التعمين كمسؤولية وطنيّة يفترض أن يشترك فيها الجميع، ومع استمرار الاختلاف بين أفراد المجتمع حول طلب توفير فرص عمل لأبنائهم، والرفض لأي مساس بمصالح الفئات المنتفعة من العمال الوافدين، وآخرين من المنتفعين من التجارة المستترة ويتسترون على العمال الوافدين ويسجلون أنفسهم أو أبناءهم كباحثين عن عمل، إلى غير ذلك من الإشكاليات تضفي تعقيدات متضاربة لسوق العمل في البلاد.
في خضم كل هذه التناقضات فإن الكرة رُميت في ملعب وزارة القوى العاملة فقط لتواجه هذه المتغيّرات والتحديات في إدارة ملف الباحثين عن عمل بتعقيداته الكبيرة، وبالتالي ليس أمامها إلا أن تفعل ما تشاء واستخدام صلاحياتها وتنفيذ مهماتها وفق ما يمليه عليها واجبها الوطني، وصولا لتحقيق رغبات وتطلعات الشباب الباحثين عن عمل كخيارها الأول والأسمى تجسّده على أرض الواقع بالعديد من الخطوات والإجراءات سواء بقصر ممارسة الكثير من المهن على أبناء هذا الوطن فقط، وبكل الأساليب التي تضمن النجاح وإغلاق كل المنافذ التي يتسرب منها البعض، أو رفع نسب التعمين في العديد من القطاعات الاقتصادية بدون أن نسمع أي أصوات معارضة أو متذمرة من تلك الإجراءات.
فملف التعمين يجب أن يظل مفتوحا أبدا بكل تجلياته، ولا يتعيّن الابتعاد عنه قيد أنملة ومهما كانت الظروف والمبررات، فالسوق سيتكيّف رويدا رويدا، مع مرور الوقت ومع هذه التحوّلات وعمليات الانتقال والإحلال إلى أن يصل لحالة الاستقرار المرجوة والمنتظرة عندها سنجد أن المواطن بالفعل هو الذي يدير عجلة السوق.
بل إن ملف التعمين يجب تطبيقه بكل حذافيره، وفي كل جوانبه بغض النظر عن أي تأثيرات قد تلحق بالسوق أو بالمجتمع كتضرره من خدمة أياً كانت، حتى وإن وصلت إلى الأكل والملبس، فالسوق والاقتصاد والمجتمع سوف تتكيّف مع الوضع والمتغيّرات أياً كانت قسوة التأثيرات الناتجة عن أي خطوات تمكن كوادرنا الوطنية، فالمجتمعات تمر بتجارب وتقدم تضحيات في سبيل تحقيق هدف ما.
فعلى وزارة القوى العاملة أن تعمل كبقية الأجهزة الحكومية تنفذ اختصاصاتها ووفقا لمسمياتها، لا تستجدي أي جهة لأجل التعاون معها أو الشركات لكي ترفع نسب التعمين أو غيرها، وإنما تغلق أو توقف حتى طلبات الاستقدام للعمال في أي وظيفة يتوفر لها كوادر وطنية، فهي الأقوى بما تملكه من أدوات الكل يمم شطره إليها، ويكسب ودها، الأمر الذي يفرض عليها استخدام صلاحياتها.
فعلى سبيل المثال يمكنها أن تمارس دورها فورا في حظر المهن التي يمكن أن يعمل بها المواطنون مهما كان الثمن، ومهما كانت الاعتراضات عارمة وعاتية، ففي ذلك اختبار لمصداقية المجتمع ما بين رغبته الملحّة في توظيف أبنائه وما بين الرغبات الأخرى التي تسعى للالتفاف على كل هذه الجهود الخيرة وتجويد الخدمات.
فهذه هي الآليات التي يجب أن تُدار بها الأمور في هذا الشأن في المرحلة القادمة وعدم الالتفات لأي أصوات في ظل بقاء التناقضات بين الأطراف المختلفة، وبالتالي ‏لا بد من إبداء صميمية حاسمة في هذا المسار لأجل إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ووضع الجميع أمام الأمر الواقع الذي لا مناص منه، ألا وهو ترجيح كفة الشباب الباحثين عن عمل كأولوية تكون فوق كل المصالح وتعمل بكل الطرق لتحقيق ذلك ولا تصغي لأي عويل ونحيب.
فالضغوط والتضحيات في إدارة سوق العمل لا يمكن لبشر أن يتحمّلها مهما كانت إمكانياته وقدراته وسعة صدره في ظل هذا التباين، ولا يمكن أن يكون أحد كبش فداء لأطراف لا تعي مسؤولياتها ودورها في أداء الواجب، وسوف نرى عندها أن ليس هناك باحث عن عمل في طول البلاد وعرضها.
بالطبع فإن هذا الطرح قد لا يعجب البعض، لكنه هو الواقع الذي نعيشه اليوم، وهذا هو الحل الوحيد والمُتاح حاليا لهذه المعضلة الاجتماعية التي يبرأ منها الجميع، وبغير ذلك فإننا نخدع أنفسنا لا أكثر ولا أقل، وهذا ما يتعيّن على الجميع إدراكه واستيعاب أبعاده الاجتماعية الغائرة.
نأمل من وزارة القوى العاملة أن تعمل وفق هذه الآليات وبكل ما أوتيت من قوة لتحقيق تطلعات الشباب العُماني المشروعة في إيجاد فرص عمل في وطنه، وألا تلتفت أبدا لأي محاولات لإثنائها عن هذا التوجه؛ فمصلحة الوطن فوق الجميع، وما دون ذلك لا ينظر إليه.. والله من وراء القصد.