الاستقرار في الضفة الغربية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٦/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٢٦ ص
الاستقرار في الضفة الغربية

غيث العمري
ماديسون ريندر

منذ منتصف أكتوبر، بدأ متظاهرون فلسطينيون يتجمّعون بانتظام عند مكتب رئيس الوزراء الفلسطيني في رام الله للاحتجاج على قانون الضمان الاجتماعي الجديد. وتم تحديد موعد تنفيذ القانون للمرة الأولى في الأول من نوفمبر، ولكنه أُجّل لاحقاً من قبل «السلطة الفلسطينية» إلى يناير 2019. ومنذ ذلك الحين، خرجت مظاهرات مماثلة في الخليل ونابلس. ويحتج هؤلاء المعارضون بشكلٍ خاص على أحكام القانون، التي يدّعون أنها تفرض أعباءً اقتصادية مفرطة، فضلاً عن احتجاجهم على العملية غير الشفافة التي سُنَّت بموجبها. وحتى عندما وافقت «السلطة الفلسطينية»على تأجيل تنفيذ القانون، رفضت سحبه أو تغييره، واقترحت بدلاً من ذلك إمكانية تعديله بشكلٍ رجعي.

وفي ظل الحالة الاقتصادية القاتمة في الضفة الغربية، يدّعي المعارضون أن الخصومات مفرطة. كما يعترضون على الأحكام التمييزية في القانون، مثل حرمان الأرملة من المعاش التقاعدي الخاص بزوجها المتوفي إذا حصلت على وظيفة، في حين لا يخضع الأرامل لقيود مماثلة. أما فيما يتعلق بالإجراء، فقد شجب المتظاهرون عدم التشاور خلال صياغة مشروع القانون وسنّه، لأنه لم يتم إشراك نقابات العمّال وممثّلي القطاع الخاص ومنظّمات المجتمع المدني. كما يعربون عن قلقهم من عدم استقرار «السلطة الفلسطينية» وفسادها الكبير بحيث لا يمكن الاعتماد عليها بشكل موثوق في إدارة الأموال التي تجمعها «مؤسسة الضمان الاجتماعي الفلسطينية».

توضح أرقام الباحثين عن عمل الكفاحات التي يواجهها سكّان الضفة الغربية. إذ تبلغ نسبة الباحثين عن عمل الإجمالية حوالي 18 %، لكنّ هذا الرقم يرتفع بشدّة ليبلغ حوالي 40 % لمن هم دون سن الثلاثين. ووفقاً لـ «البنك الدولي»، يشهد اقتصاد الضفة الغربية «تباطؤاً» ويعاني مستوى المعيشة من «الركود». وبالفعل، تشغل القضايا الاقتصادية بال العديد من الفلسطينيين أكثر من غيرها، إذ يشير الكثيرون منهم - 26 % من الذين شملهم استطلاع «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية» في ديسمبر 2018 - إلى أن العمل والفقر هما المشكلتان الأكثر جدّيةً اللتان تواجهان المجتمع الفلسطيني.
تشبه هذه المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الضفة الغربية تلك الدوافع التي كانت وراء ثورات «الربيع العربي» قبل نحو ثماني سنوات. لكن وبالرغم من نقاط الشبه، يتخبّط المحتجّون الفلسطينيون في مجموعة فريدة من التحديات، مقارنة بالمجتمعات العربية الأخرى، التي كانت تحد في الماضي من انتشار الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية.
ويتمحور أحد هذه التحديات حول الاحتلال الإسرائيلي، الذي يوفر إمكانية خدمة هذه الاحتجاجات للمصالح الإسرائيلية - أو على الأقل توجيهها هذا الاتهام. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإجراءات الإسرائيلية المحددة تحوّل بسرعة أولويات الناس بعيداً عن الهواجس المحلية وباتجاه القوّة المحتلّة. وبالفعل، فقد تمّ تعليق الاحتجاجات على القانون بعد أن بدأت القوات الإسرائيلية عملياتها في رام الله في 10 ديسمبر، بعد شن هجومٍ في اليوم الفائت. ثانياً، يؤدي الانقسام بين «السلطة الفلسطينية» و«حماس» إلى خلق مشاكله المحيّرة الخاصة به، حيث يشعر الكثيرون في الضفة الغربية بالقلق من إمكان استغلال احتجاجاتهم سياسيّاً من قبل «حماس» ضد سياسات «السلطة الفلسطينية». أما التحدي الثالث فليس بالضرورة مختلفاً بالنسبة للفلسطينيين: أي حوالي 61 % من سكّان الضفة الغربية و50 % من سكّان قطاع غزة يعتقدون أنه لا يمكنهم انتقاد «السلطة» دون خوف، مما يساعد على تفسير امتناعهم في الماضي عن المشاركة في الاحتجاجات المحلّية.
وبالنظر إلى كل ذلك، يشكّل واقع نزول الفلسطينيين إلى الشوارع للاحتجاج، واستمرار هذه الاحتجاجات، مؤشّراً مثيراً للقلق على مستويات التقلب في الضفة الغربية. فكما اتضح ضمنياً، فإن الإحباط العام ضد «السلطة الفلسطينية» يمكن أن يتحوّل - أو يتم توجيهه - بسهولة ضد إسرائيل. وعلى الرغم من تحسّن الكفاءة المهنية لقوات أمن «السلطة الفلسطينية» وفعاليتها، إلّا أن الشرعية السياسية المتفككة لـ «السلطة الفلسطينية» تعقّد ممارسة الرقابة الأمنية. وفي الحالة المتطرفة، قد يؤدّي استمرار عدم الشرعية حتى إلى انهيار «السلطة الفلسطينية»، مما قد يُنشئ فراغاً أمنياً وسياسياً. وإلى جانب الوضع الأمني المتوتر بشكل عام، ومع الجهود المستمرة التي تبذلها «حماس» لزعزعة الاستقرار في الضفة الغربية، قد يشكّل ذلك مزيجاً متفجّراً له تأثيرات ليس على الفلسطينيين فحسب بل على أمن إسرائيل أيضاً. وكما يتضح من الاحتجاجات ضد قانون الضمان الاجتماعي، فإن المشاكل السياسية الداخلية لـ «السلطة الفلسطينية» هي ليست مشكلة فلسطينية فقط.
لم يعد الاستقرار في الضفة الغربية من المسلّمات. بإمكان للمجتمع الدولي اتخاذ إجراءات يمكن أن تضع حدّاً للتدهور السياسي والاقتصادي والأمني. ونظراً إلى عدم احتمال إحراز تقدّم في عملية السلام، يجب اتّباع سبل أخرى لتحقيق الاستقرار، حيث تشكل التدابير الاقتصادية محوراً مركزياً بينها. ويمكن أن تساهم الولايات المتحدة من خلال إعادة بعض المساعدات المالية للفلسطينيين بقيمة 200 مليون دولار والتي تم إيقافها في أغسطس 2018، وتركيز هذه المساعدة على المشاريع التنموية والاقتصادية الفلسطينية. أمّا بالنسبة إلى إسرائيل فينبغي تشجيعها على الحفاظ على سياستها المتمثّلة في عزل الحياة الاقتصادية في الضفة الغربية إلى حد كبير عن محاربة الإرهاب، وهي سياسة ساعدت حتى الآن على تفادي انتشار الاحتجاجات. كما يجب تشجيع إسرائيل على النظر في اقتراحات إضافية - صدر الكثير منها عن «الجيش الإسرائيلي» - من أجل تحسين نوعية الحياة في الضفة الغربية. وتشمل هذه الاقتراحات زيادة إمكانية دخول الفلسطينيين إلى سوق العمل الإسرائيلي، وإنشاء مناطق صناعية في الضفة الغربية، والسماح بأعمال البناء الفلسطينية في المناطق المتاخمة للبلدات الفلسطينية المتصلة بها.
إلّا أن الإجراءات الاقتصادية وحدها لن تعكس المكانة المتداعية لـ «السلطة الفلسطينية». لذلك، يجب تجديد التركيز على بعض المسائل مثل الحوكمة الفلسطينية، ومكافحة الفساد، وتخفيف القيود على الحياة السياسية في المناطق الخاضعة لسيطرة «السلطة الفلسطينية». فبدون إحراز تقدّم على هذه الجبهات، ستستمر «السلطة الفلسطينية» في فقدان شرعيتها وسيبقى دورها محدوداً كعامل للاستقرار في الضفة الغربية وعلى المدى الأبعد - كسلطة قادرة على تقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق سلام.

غيث العمري: زميل أقدم في معهد واشنطن

ماديسون ريندر: مساعدة باحثة في المعهد.