تسخير الثورة الرقمية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٤/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٠٨ ص

ماريا راموس
آكيم شتاينر

جو إن الرقمنة المالية ــ تحويل النظام البيئي المالي بالكامل بما يتماشى مع الثورة الرقمية ــ من الممكن أن تحفز الجهود العالمية لتمويل التنمية المستدامة. ووفقا لمعهد ماكينزي العالمي، فإن التوسع في استخدام التكنولوجيا المالية من الممكن أن يدفع النمو في مختلف الدول النامية بنحو 3.7 تريليون دولار بحلول العام 2025، وذلك بفضل مكاسب الإنتاجية المتزايدة وتوسع الشمول المالي في الأساس.

ولكن إذا كان لوعود التحول الرقمي أن تتحقق، فسوف يحتاج العالَم إلى مواءمة استراتيجيات التمويل والاستثمار بشكل أكثر إحكاما مع نتاج التنمية المستدامة. في الشهر الفائت، قام الأمين العالم لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بتشكيل فريق عمل معني بالتمويل الرقمي للتصدي لهذا التحدي المعقد. ويشرفنا أن نخدم كرئيسين مشاركين لهذا الجهد العالمي.

لأسباب واضحة، يُعَد التمويل المفتاح إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتلبية أهداف الانبعاثات الغازية التي حددها اتفاق باريس للمناخ في العام 2015. ولكن برغم أن المدخرات العالمية أكثر من كافية لتغذية التحول إلى التنمية المستدامة، فإن النظام المالي العالمي فشل حتى الآن في التوسط بفعالية بين العرض والطلب. ولم يكن النجاح المتواضع الذي حققته بعض الدول في تمويل التنمية المستدامة متناسبا مع الاحتياج.
الواقع أن العديد من العوامل من الممكن أن تؤثر على نتائج التنمية المستدامة. على سبيل المثال، أثرت الأزمات المالية والاقتصادية العالمية التي بدأت في العام 2008 ــ وما تلاها من استجابات من قِبَل الهيئات التنظيمية وصناع السياسات ــ على النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، والمساواة في الدخل. على نحو مماثل، تستطيع مشاريع مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية أن تعمل على تحرير أموال جديدة للاستثمار في البنية الأساسية. وأي عدد من السياسات الوطنية والدولية من الممكن أن تحدد ما إذا كان التمويل قادرا على تحقيق ما نصبو إليه أو تحويلنا بعيدا عن التنمية المستدامة.
بيد أن التحول الرقمي هو القادر على إحداث الفارق الأكبر في الأمد البعيد من خلال تسخير قوة نماذج الأعمال الجديدة المدفوعة بتكنولوجيات تتضمن الاتصالية المتنقلة، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وسلاسل الكتلة، وإنترنت الأشياء. غير أن هذه الإمكانية الهائلة ليست مضمونة. ففي نهاية المطاف، يتوقف تأثير التحول الرقمي على التنمية المستدامة على ما إذا كان ظهور بيانات أضخم وأرخص، إلى جانب التحليلات الأسرع، ليسفر عن قرارات تمويلية تأخذ بعين الاعتبار التكاليف الاجتماعية والبيئية اليوم.
الواقع أن التكنولوجيا المالية قادرة على وضع المواطنين في صدارة مشهد تحقيق نتائج إنمائية طيبة. فقد ساعدت الثورة الرقمية في كينيا الأسر الفقيرة على اكتساب القدرة على الوصول إلى كل شيء من الطاقة الشمسية إلى أسواق السندات الحكومية. وتعمل منصات التمويل الجماعي مثل Abundance في المملكة المتحدة، وEcoCrowd في ألمانيا، وNPO Bank في اليابان على إطلاق العنان لحلول الإقراض المسؤولة والمستدامة. وفي الصين، ساعدت منصة Ant Forest أكثر من 300 مليون شخص على الحد من بصمتهم البيئية. فتستعين خدمات مشاركة الدراجات بحلول دفع التكنولوجيا المالية القائمة على تطبيقات الأجهزة المحمولة لجعل خيار النقل المنخفض الكربون والصحي متاحا للملايين من البشر في المدن في مختلف أنحاء العالَم.
باختصار، هناك بالفعل إشارات واعدة إلى قوة الثورة الرقمية وقدرتها على دفع التمويل لصالح الاستدامة. ويشكل تغيير الطريقة التي يتعامل بها الناس مع البنوك وكيف يستثمرون أموالهم، وإضفاء الطابع الديمقراطي على قدرتهم على الوصول إلى النظام المالي، ضرورة أساسية لتحفيز التنمية على نطاق الأوسع. ووفقا لصندوق تنمية رأس المال التابع للأمم المتحدة، يُعَد ضمان الشمول المالي لصالح الفئات التي لا تتعامل مع البنوك والتي لا تحظى بالخدمة الوافية وسيلة تمكين مباشرة لما لا يقل عن ثمانية من أهداف التنمية المستدامة.
يتمثل التحدي الآن في التفكير والتصرف بشكل منهجي: الاستقراء من الأمثلة على مستوى جزئي للنظر في الكيفية التي يمكن بها أن يعمل التحول الرقمي على مواءمة النظام المالي مع التنمية المستدامة؛ وكيف يعمل المستثمرون على تحديد وتحليل وتخفيف المخاطر؛ وكيف تتحرك أسواق رأس المال؛ وأي نهج يتبناه صناع السياسات والهيئات التنظيمية في إدارة أعمالهم.
تكمن المشكلة في أن أغلب الحلول مجزأة ومركزة بشكل ضيق، في حين أن القضايا التي تشكل تهديدا وجوديا للبشرية ــ مثل تغير المناخ ــ تُعَد خارجية إلى حد كبير في ما يتصل بأغلب قرارات التمويل. ولا يجري توجيه المدخرات المحلية لتمويل البنية الأساسية المستدامة. وتستمر التدفقات المالية غير المشروعة في استنزاف موارد التنمية. ويظل التمويل المستدام للتنوع البيولوجي موضع تجاهل تام تقريبا من جانب ثورة التكنولوجيا المالية. وحتى الشمول المالي ــ حيث خلفت التكنولوجيا المالية أكبر أثر على التنمية حتى يومنا هذا ــ لا يزال على أول الطريق نحو تحقيق هدف الحد من الفقر والتفاوت بين الناس.
هذه ليست سوى قِلة من التحديات التي يعتزم فريق عملنا دراستها. ويضم الفريق رواد أعمال في مجال التكنولوجيا، ومديرين تنفيذيين في البنوك، وقادة المجتمع المدني، ومتخصصين في تحديد المعايير الدولية، وخبراء في أسواق رأس المال، ومحافظين لبنوك مركزية، ووزراء مالية واقتصاد، ورؤساء هيئات في الأمم المتحدة. وخلال العام 2019، سوف نعمل بشكل وثيق مع قادة راسخين وناشئين لتحليل القضايا، واكتشاف الفرص، والخروج بتوصيات تساعدنا في ضمان أن التحولات التي يجلبها التحول الرقمي المالي تعود في نهاية المطاف بالفائدة على كوكب الأرض وسكانه. لقد بدأنا عملنا في يناير ونعتزم تقديم مجموعة النتائج الأولية في سبتمبر 2019.
كما قال الأمين العام جوتيريش في الشهر الفائت عندما أعلن عن إطلاق فريق العمل، فإن التكنولوجيا الرقمية «يمكن أن تغير كل القواعد» في ما يتصل بتحقيق التقدم على مسار أهداف التنمية المستدامة. ومن خلال الزعامة وتوجيه السياسات، يصبح التحول الرقمي في مجال التمويل قادرا على فتح أدوار للمواطنين بعد تمكينهم لتشكيل مستقبل الاقتصاد الحقيقي. ولابد أن يكون التركيز الآن على اغتنام هذه الفرصة لضمان قدرة النظام المالي على تحقيق إمكاناته الكاملة في دعم التنمية الشاملة المستدامة.

ماريا راموس: الرئيس التنفيذي لمؤسسة Absa Group Limited

آكيم شتاينر: إداري في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي