في بحر الصين الجنوبي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٠/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٦:٣٥ ص
في بحر الصين الجنوبي

براهما تشيلاني

بالكاد مرت خمس سنوات منذ أن بدأت الصين بأكبر عملية استصلاح لأراضيها الكبرى في بحر الصين الجنوبي، وها هي قد أمالت الوضع الإقليمي الراهن لكفتها- دون مواجهة أي اعتراض دولي. وتلقي ذكرى شروع الصين في بناء جزيرتها الضوء على تحول السياسات الجيوسياسية في منطقة تشكل ركيزة للنظام الملاحي الدولي.

في ديسمبر 2013، وضعت الحكومة الصينية بشكل مؤقت جرافة تيانتجين في جنوب شِعب جونسون في أرخبيل سبراتلي، بعيدا عن أراضي الصين الرئيسية. ويقع هذا الأرخبيل جنوب جزر الباراسيل، التي استولت عليها الصين العام 1974، مستغلة انسحاب القوات الأمريكية من الفييتنام. و في العام 1988، شنت الصين هجوما على الشِّعب، أدى إلى مقتل 72 بحارا فييتناميا وغرق باخرتين تابعتين لهم.

وكانت مهمة الجرافة ترتكز على تكسير الرواسب في قاع البحر ووضعها على الشِعب لبناء جزيرة من صنع الإنسان بنفس مستوى سطح البحر. وأدت جرافة تيانتجين مهمتها بسرعة – من خلال تعزيز نظام الدفع الخاص بها وقدرتها على استخلاص الرواسب بنسبة 4530 متر مكعب (مساحة 5924 ياردة مكعبة) مشكلة 11 هكتارا من الأراضي الجديدة، بما في ذلك الميناء، في أقل من أربعة أشهر. وفي غضون ذلك، كانت سفينة حربية صينية تراقب.
ومنذ ذلك الحين، بنت الصين ستة جزر اصطناعية أخرى في بحر الصين الجنوبي، ونشرت بثبات معداتها العسكرية في هذه المنطقة المهمة استراتيجيا إلى حد كبير، والتي من خلالها يمر ثلث التجارة الملاحية العالمية. كما أنها بنت موانئا وبنايات عسكرية وأجهزة رادار وأجهزة مراقبة وسقائف صواريخ متينة، ومستودع لوجيستيكي للوقود والماء والذخائر بل وحتى حظيرة لهبوط وإقلاع الطائرات في الجزر التي صنعها الإنسان. ولتعزيز مركزها أكثر، استعملت الصين القوة ضد جيرانها لتعليق استغلال الموارد الطبيعية في المناطق الاقتصادية التابعة لهم.
هكذا، حولت الصين مطالبتها التاريخية باسترجاع بحر جنوب
الصين إلى حقيقة واكتسبت عمقا استراتيجيا، رغم قرار أصدرته محكمة تحكيمية دولية ألغى شرعية هذه المطالبة. ويبدو أن القادة الصينيين ينوون إثبات المقولة القديمة «الملكية هي 50 متر مكعب تسع أعشار القانون». ويبدو أن العالم، يسمح لهم بالإفلات من العقاب.
ولم تسمح الصين بأن يحد ث هذا بمحض الصدفة. فقبل أن يبدأ الصينيون ببناء جزرهم في بحر الصين الجنوبي، أمضوا عدة أشهر وهم يختبرون ردود فعل الولايات المتحدة الممكنة من خلال قيامهم بتدخلات رمزية. أولا، في يونيو2012، نزعت الصين مياه سكاربورو من الفلبين، دون استنباط رد فعل دولي ملموس.
وبعدها بفترة قصيرة، نشرت شركة البواخر الصينية التابعة للدولة- التي تشيد حاليا حاملة الطائرات الثالثة للبلاد- على موقعها مسودة برنامج عمل لصنع جزر على قمة الشِّعَب، بما في ذلك تصميم بنيات من أجل تحديد برنامج بناء سبراتلي التابع للصين. لكن المسودات حظيت بالقليل جدا من الاهتمام الدولي، وسرعان ما تم مسحها من الموقع، رغم أنه تم تداولها لاحقا في بعض المواقع الإخبارية الصينية.
وفي سبتمبر 2013، بدأت الصين اختبارها الثاني: حيث أرسلت جرافة تيانتجين إلى سلسلة صخور كارترون، حيث مكثت لمدة ثلاثة أسابيع دون أي عملية إصلاح للأراضي. وأظهرت صور القمر الاصطناعي المتاحة للشراء الجرافة على سلسلة صخور أخرى، فييري غروس، بدون قيامها بأي نشاط تقريبا. ومن جديد، لم تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية، تحت قيادة باراك أوباما، ضد هذا التصرف، مما شجع الصين على بدء أول مشروع لها في بناء الجزر، في سلسة صخور جنوب جونسون.
وباختصار، نظرا لكون الصين تواصل بناء الجزر وتزويدها بوسائل الدفاع العسكري، فإنها بذلك تعتمد أسلوبا معايرا، يُمَكِّنها من التصعيد من أنشطتها، ومراقبة ردة فعل الولايات المتحدة الأمريكية. وعرفت السنتين الأخيرتين من رئاسة أوباما أنشطة بناء مسعورة.
وأثر كل هذا على الحياة الملاحية للمنطقة. إذ كانت سلسة الصخور المرجانية التي دمرتها الصين لتستعملها كأساس لجزرها، تغذي وتأوي العديد من الأصناف البحرية، كما أنها كانت تزود قطاع الصيد البحري في آسيا باليرقات. بالإضافة إلى الصرف السطحي الممزوج بالمواد الكيمياوية الذي تنتجه الجزر الاصطناعية الجديدة، كما أن العمليات التي تقوم بها الصين تدمر الأنظمة الإيكولوجية لجنوب بحر الصين.
وانتقد وزير الدفاع الأخير في حكومة أوباما، آش كارتر، الأسلوب اللطيف لمديره السابق اتجاه الصين. وفي مقالة أخيرة، وصف كارتر أوباما على أنه «في الطريق الخطأ» بسبب تحليله، الذي اعتبر أنه «توصيات مني ومن آخرين من أجل تصعيد تحدي مطالب الصين الملاحية المبالغ فيها وتصرفات أخرى لها نتائج عكسية». ولفترة معينة، يقول كارتر، أن أوباما بدأ يؤمن برؤيا الصين بشأن اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية على طريقة ج2.
واليوم، تحاول إدارة الرئيس دونالد ترامب التعامل مع انعكاسات سياسة أوباما. ويريد ترامب تطبيق رؤيا «محيط الهندي-هادئ حر ومنفتح». وتعتبر سياسة «محيط هندي-هادئ حر ومنفتح» خلفا لسياسة «المحور» المريضة لأوباما اتجاه آسيا.
لكن من خلال الأعمدة التي بنتها الصين في الآونة الأخيرة في بحر الصين الجنوبي، أصبحت الصين تَتَمَوقَع جيداً ليس فقط للحفاظ على الهواء والدوريات البحرية، بل أيضاً لتعزيز استراتيجية إسقاط القوة التي تتبعها عير المحيط الهندي والمحيط الهادئ. كيف يمكن أن يكون هناك أمل بتحقيق محيط هندي هادئ حر ومتفتح، بينما يخضع الرواق الرابط بين المحيطين الهندي والهادئ لسيطرة أكبر أوتوقراطية في العالم؟
إن انتزاع الصين للأراضي، وهو انتصار السلطة الغاشمة على القوانين، يفضح هشاشة النظام الليبرالي الدولي الحالي. ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى ارتفاع الأضرار الجيوسياسية والاقتصادية، مما سيكلف دول المنطقة باهضا، ويُعيد تشكيل العلاقات الملاحية الدولية.

أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز مقره نيودلهي لأبحاث السياسات وزميل في أكاديمية روبرت بوش في برلين.