السطو الضريبي الأمريكي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٩/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:١٧ ص
السطو الضريبي الأمريكي

جيه. برادفورد ديلونج

مَر عام كامل الآن منذ مرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورفاقه الجمهوريون بالقوة تخفيضهم الضريبي الضخم لصالح الشركات عبر الكونجرس الأمريكي. في ذلك الحين، وصف منتقدو «قانون التخفيضات الضريبية والوظائف» على أنه منحة هازئة للمساهمين الأثرياء. لكن عددا كبيرا من الاقتصاديين أعربوا عن دعمهم لهذا القانون. على سبيل المثال، تنبأت مجموعة بارزة، خدم أغلب أفرادها في إدارات جمهورية سابقة، في مقال نشرته صحيفة وال ستريت جورنال، بأن التخفيضات الضريبة ستعمل على تعزيز الناتج المحلي الإجمالي في الأمد البعيد بنحو 3 % إلى 4 %، فضلا عن تحقيق «زيادة مصاحبة» بنحو 0.4 % في «معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي» على مدار السنوات العشر المقبلة. وفي خطاب مفتوح إلى الكونجرس، أكدت مجموعة تتألف من أكثر من 100 خبير اقتصادي أن «المردود على الاقتصاد الكلي المتولد عن التخفيضات الضريبية» ربما يكون» أكثر من كاف للتعويض عن خسارة العائدات الثابتة»، ما يعني ضمنا أن الفاتورة ستكون محايدة في ما يتصل بالعجز بمرور الوقت.

على نحو مماثل، في زعم روبرت جيه. بارو من جامعة هارفارد أن التخفيضات الضريبية من شأنها أن تزيد من نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.وأخيرا، زعم كيفين هاسيت، رئيس مجلس مستشاري البيت الأبيض للشؤون الاقتصادية، وجريج مانكيو من جامعة هارفارد أن مكاسب الإنتاجية الناتجة عن هذه الحزمة الضريبية من شأنها أن تعمل على تعزيز الأجور في المقام الأول، وليس الأرباح، لأن المدخرين الأجانب سيصبون الاستثمارات في الولايات المتحدة.

من المؤكد أن هذه كانت في المقام الأول تكهنات بعيدة الأمد. لكن مؤيدي مشروع القانون زعموا رغم ذلك أننا سنرى استثمارات إضافية كافية لتعزيز النمو بنحو 0.4 % سنويا. ويعني هذا ضمنا زيادة سنوية في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 800 بليون دولار، ولا يمكننا أن نعلم إلى أي مدى قد ينمو الاقتصاد الأمريكي في غياب التخفيضات الضريبية. ولكن، لم تقفز الاستثمارات إلى مثل هذا المستوى، ولم تُظهِر أي علامة تشير إلى أنها قد تقفز إلى مثل هذا المستوى في أي وقت قريب. لم يكن هذا مفاجئا. فعندما كان كل خبراء الاقتصاد المذكورين آنفا يخرجون إلينا بتكهناتهم المتفائلة حول التأثيرات المحتملة لهذه الحزمة الضريبية، كانت الجهات المراقِبة المحايدة، مثل مركز السياسة الضريبية، ترسم صورة أكثر واقعية. وعلى النقيض من معظم أنصار التخفيضات، فإن سبب وجود مركز السياسة الضريبية ليس إرضاء المانحين أو دعم حزب سياسي بعينه، بل تقديم أفضل توقعات ممكنة.
كان الخلاف العميق الذي نشب في العام الفائت حول الآثار المحتملة لهذا التشريع الضريبي يعذب بنيامين أبلباوم من صحيفة نيويورك تايمز، الذي تساءل على موقع تويتر آنذاك: «ما المغزى من إنتاج توقيعات 100 خبير اقتصادي لصالح اقتراح معين عندما يوقع 100 آخرون بأسمائهم على بيان معاكس؟» وأضاف متسائلا: «كيف تبرر جامعة هارفارد، على سبيل المثال، منح الولاية لأشخاص يزعمون أنهم يعملون في نفس الفرع المعرفي ثم يدينون بعضهم بعضا على أنهم محتالون؟
نستطيع الآن أن نجيب على التساؤل الأخير. الغرض من الدراسة هو السعي وراء الحقيقة. وعندما يجد الباحثون أنهم أخطأوا في تقدير أمر ما، فإنهم يسألون أنفسهم لماذا وقعوا في ذلك الخطأ، من أجل تحسين منهجية أبحاثهم وربما جعلها أقل ميلا إلى الخطأ في المستقبل. وقد تبين الآن أن خبراء الاقتصاد الذين تكهنوا بأن التخفيضات الضريبية من شأنها أن تحفز زيادة سريعة في الاستثمار والنمو المستدام كانوا على خطأ. وإذا كانوا أكاديميين جادين ملتزمين بآداب مهنتهم، فسوف يرون في هذا علامة على أنهم يمكنهم أن يتعلموا شيئا جديدا. ولكن من المحزن أنهم لم يفعلوا. بل التزموا الصمت، وهو ما يشير إلى أنهم لم يندهشوا لرؤية الاستثمارات تنخفض كثيرا عن المستويات التي وعدوا بها.
ولكن لماذا ينبغي لهم أن يندهشوا إزاء ذلك الانخفاض؟ من المريب في النهاية أن نفترض، كما تشير نماذجهم، أن الاستثمار من الممكن أن يرتفع (أو ينخفض) بسرعة مع تدفق المستثمرين الأجانب إلى الولايات المتحدة (أو إلى خارجها). ذلك أن الأفراد والشركات لا تزيد من مدخراتها فجأة لمجرد أن معدل الربح بعد الضريبة ازداد. وفي حين أن معدل الربح الأعلى يجعل الادخار أكثر ربحية حقا، فإنه يزيد أيضا الدخل من المدخرات السابقة، فيقلل بالتالي من الحاجة إلى الادخار. في عموم الأمر، يتوازن الأمران.
أما عن المراسلين الذين يتساءلون حتى الآن إلى أي خبير اقتصادي ينبغي لهم أن ينصتوا، فلابد أن تكون الإجابة واضحة. إذا كانت تجربة العام الفائت تحمل أي رسالة فهي: «عار عليك إن خدعتني مرة؛ وعار عليّ إذا خدعتني مرتين».

مساعد نائب وزير المالية الأمريكي الأسبق،

وأستاذ علوم الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي