صناعة «الأعذار»

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/مارس/٢٠١٦ ٠١:١٥ ص
صناعة «الأعذار»

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

لو أننا نلتمس الأعذار للآخرين لانتهت معظم مشاكلنا..

لو أننا نكتسب ما يسمى بحسن النيّة لتوقفت آلة الحرب في كثير من بلداننا، الضغائن في القلوب، التي تبدأ صغيرة كجمرة لا تكاد يحس وجودها، ثم تشتعل الحرائق بعد ذلك، تحترق البيوت والأشجار ومعها الأجساد.. ومعها قلوب لا تنسى.. دم يريد الثأر للدم، ودمع لا يجف، وزمن في مروره يبدو عاجزا عن زعزعة جبال الأحقاد في النفوس.

التمس العذر لأخيك المسلم..
رائعة هذه الرؤية، لكنّ ما يحدث أن الآخر ليس مسلما، لأنه يختلف عنا مذهبا وطائفة.. وفيما العالم يتقارب من بعضه البعض، أعداء الأمس نفضوا ما بينهم من ضغائن، أمريكا وكوبا يطويان ما تبقى من بساط الحرب الباردة.. يطوي عالمنا العربي آخر أفكاره عن الوحدة العربية، وتخلت بلدانه عن فكرة الوحدة الوطنية، وأصبحت مشاريع أقاليم صغيرة، كل مكوّن من مكوّنات الشعب الواحد مشاريع حروب دائمة، لأن ميراث الوطن الكبير قسمته لم ترض، ولن ترضي، الورثة الذين يأملون في نصيب أكبر من تركة المرحوم، غير المأسوف على وحدته القسرية، هذه التركة تتمثل في حدود الجغرافيا الشائكة، ومفاصل التاريخ المشترك أين تبدأ وأين تنتهي وكيف يحل التصادم بينها، وفي الثروات التي بقيت من زمن الطاغية فلم تنهب بعد..

كان لافتا، بالنسبة لي على الأقل، أن يشير معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في جلسة افتتاح مؤتمر صياغة الدستور الليبي إلى فكرة «الأعذار»..

هذه مفردة على غاية من الأهمية، في محيطنا الصغير نحتاجها في بيوتنا، لننظر بعذر دائم إلى ما نتوهم أن الآخر أخطأ فيه، وعندما ندرك السبب يكون عادة متأخرا جدا، تكون الألسن خرجت من أغمادها فقطّعت أعراضا.. وصلات، وباعدت ما يمكن أن يكون وصله متاحا..

هذه النار التي خرجت من مستصغر الشرر، من حروب كلامية تستلزم الرصاص بعدما كان يمكن أن تبقى في حيّزها الصغير، أن يقول أحدهم إن المقصود ربما ليس بالضبط كما تدل الكلمات، أن يبقى هناك عذر خفي لا تستطيع النفس أن تستبينه، حينها ستهدأ النار حيث لا تجد الحطب الذي يلقيه كل طرف إلى ألسنتها الجوعى للمزيد..
لا يوجد ليبي لا يريد وطنا مستقرا لا يخاف المواطن فيه على نفسه وعرضه وماله، كما هو شأن كل سوري ولبناني وعراقي ويمني.. لكن ادعاء كل طرف أن بيده الحل الأمثل، الحل القادر على إخراج البلاد من أزمتها، بصبّ المزيد من التدمير ضد الآخر الذي لا يبدو أنه مواطن مماثل، لديه ذات الحقوق، هو ليس إلا لعبة في يد الخارج، مدفوع له، مغرّر به، وغيرها من نعوت التخوين.
قالها معالي يوسف بن علوي لليبيين، وهم أحوج لهذه المفردة إذ يحاولون (واختياري للمفردة مقصود) بخطوة إيجابية لإخراج بلدهم من مأزق حرب أهلية، فوضى ما بعد الزعيم الأوحد، فربما لا يكتب لهذه الخطوة النجاح، فقد اعتاد العرب، في فزعتهم وكبرياء الكرامة، أن يخرجوا سيوفهم من أغمادها حتى وإن اتفقوا تحت أستار الكعبة، إنما مع الذين يقدرون عليهم، وهم الإخوة في الوطن، غالبا، ولنا في «فتح وحماس» أصدق مثال من العصر الحديث.

حدث ما حدث، ويحدث ما يحدث، لأننا استبدلنا الرصاصة بدلا من العذر.. فكانت الكارثة!