الهدنة الزائفة بين واشنطن وبكين

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٦/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٢٠ ص
الهدنة الزائفة بين واشنطن وبكين

باري آيكنجرين

في الأول من ديسمبر في بوينس آيرس، وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينج على قرار يقضي بتعليق زيادة الرسوم الجمركية على الواردات لمدة تسعين يوما لإعطاء الفرصة للمفاوضات. ولكن من سوء الحظ أن هذا النهج في التعامل مع الوساطة لا ينجح دائما، ولم ينبهر به المستثمرون ــ كما تجلى بوضوح في انخفاض متوسط مؤشر داو جونز الصناعي في الرابع من ديسمبر بنحو 800 نقطة. وإذا كانت الأسواق متشككة في ذلك الوقت، فسوف تكون أكثر تشككا الآن، بعد إلقاء القبض على المدير المالي لشركة هواوي منج وانز هو بتهمة انتهاك العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
الواقع أن النهج الذي اتبعه الرئيسان لتخفيف التوترات التجارية ليس بلا سوابق، لكن مثل هذه الوقائع لا توفر أساسا يُذكَر للأمل. في فبراير 1930، عقدت عصبة الأمم مؤتمرا دوليا في جنيف لمعالجة مشكلة انتشار سياسات الحماية التي "أعاقت تطور الإنتاج الضخم وعرقلت التعافي الأوروبي"، والتي استُخدِمَت بشكل أكثر عموما "كسلاح في الحرب الاقتصادية". وأرسلت ثلاثون دولة الوفود إلى المؤتمر. ورغم أنها لم تكن عضوا في عصبة الأمم، أرسلت الولايات المتحدة إدوارد ويلسون، السكرتير الأول لسفارة الولايات المتحدة في باريس.
قبيل التفاوض، قامت اللجنة الاقتصادية في عصبة الأمم بصياغة اتفاقية هدنة جمركية لمدة عامين. لكن الوفود لم تقبل مشروع الاتفاقية ولا حتى النسخة المخففة التي تقدم بها الفرنسيون في وقت لاحق. ولم تكن الدول الجديدة الطامحة إلى تنفيذ خطط التصنيع على استعداد لهجر هذه الخطط (ظلال من "صُنِع في الصين 2025"). وكانت الدول التي تعاني من عجز مزمن كارهة للتوقيع على الاتفاقية في غياب الالتزام من قِبَل الآخرين بقبول المزيد من صادراتها (وهو الاعتراض الذي يجد فيه ترامب ضالته اليوم).
لم يُتَّفَق على أي شيء حقيقي. وعندما تبنت الولايات المتحدة تعريفة سموت-هاولي بعد أربعة أشهر في الاستجابة لضغوط سياسية داخلية، ردت الحكومات الأوروبية الغاضبة بالمثل. والبقية، كما يقولون، تاريخ معلوم.
كان التخطيط لتعريفة سموت-هاولي جاريا قبل فترة طويلة من الكساد العظيم. لكن اندلاع أزمة الكساد العظيم تسبب في اشتداد الضغوط لدفع المسؤولين إلى القيام بشيء ــ أي شيء ــ من شانه أن يخفف من انهيار الإنفاق المحلي. ونظرا للمناقشات السابقة، فإن "الشيء" الأكثر معقولية في ذلك الحين كان التعريفة الجمركية.
اليوم، مع هدوء نشاط سوق الإسكان في الولايات المتحدة، وإحكام الظروف المالية، ليس من المستبعد أن تنزلق الولايات المتحدة إلى الركود. ومع تراجع سوق الأسهم فضلا عن ذلك، فإن الركود من شأنه أن يؤدي إلى تصاعد الضغوط على ترامب لكي يبدو الأمر وكأنه يقوم بشيء ــ أي شيء ــ لدعم الاقتصاد. وفي الأرجح، سيكون ذلك الشيء على حساب الصين.
كان جزء من المشكلة في عام 1930 أن الدول التي شاركت في مؤتمر جنيف ذهبت إليه وهي تحمل وجهات نظر متباينة للغاية حول ما تصورت أنها مقبلة عليه، ويبدو أن هذه هي نفس الحال مرة أخرى اليوم. ففي حين تتوقع إدارة ترامب تقدما سريعا في خفض العجز التجاري الثنائي، تشير وسائل الإعلام الحكومية في الصين إلى استحسان "الخفض التدريجي". وفي حين يحدد البيان الصحفي الصادر عن البيت الأبيض مدة تسعين يوما للمفاوضات، لم تذكر الصين أي إطار زمني محدد.
على نحو مماثل، في حين يؤكد بيان البيت الأبيض الرسمي أن الصين ستشتري كميات "ضخمة للغاية" من المنتجات الزراعية، والطاقة، والمنتجات الصناعية، من الولايات المتحدة، لا يذكر بيان الصين سوى أنها ستستورد المزيد من السلع الأمريكية. لكن هذا سيحدث بالطبع على أية حال، دون أي إجراء سياسي، على افتراض أن توسع الاقتصاد الصيني سيستمر، كما هو مؤكد، نظرا للدعم المالي والنقدي في الآونة الأخيرة.
الأمر الأكثر إزعاجا وإثارة للقلق هو الخلافات المتعلقة بالملكية الفكرية. فوفقا للبيان الأمريكي، ستتفاوض الصين على الفور على نقل التكنولوجيا القسري وحماية الملكية الفكرية. وفي المقابل، لا يتحدث البيان الصيني إلا عن عمل البلدين معا للتوصل إلى الإجماع حول القضايا التجارية.
يشكل إصلاح نظام الملكية الفكرية تخوفا مشروعا من جانب الولايات المتحدة. والواقع أنها القضية الأكثر أهمية. لكن تعزيز سبل حماية حقوق الملكية الفكرية يتطلب إدخال تغيير جوهري على النموذج الاقتصادي الذي تتبعه الصين. واحتمالات حدوث مثل هذا الأمر في غضون تسعين يوما ضئيلة للغاية.
إلام قد تنتهي المفاوضات إذا؟ يتلخص أحد السيناريوهات في شراء الصين كميات إضافية من فول الصويا الأمريكي. فيصور ترامب هذا على أنه نصر عظيم. وبعد أن يلوح الرئيس الأمريكي بالراية البيضاء تضع الحرب التجارية أوزارها.
في هذا السيناريو لن يتغير أي شيء جوهري، ولكن على الأقل سينتهي التراشق الدبلوماسي والتجاري. ومرة أخرى، لا يخلو الأمر من سوابق وفيرة، فقد انتهت مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية على نفس النحو.
بدلا من ذلك، يستطيع المرء أن يتخيل نتيجة على غرار اجتماع ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون: تعلن الصين، أو على الأقل تتخيل إدارة ترامب أن الصين أعلنت، عن تحول عميق في اقتصادها. لكن هذا الاعتقاد في حدوث تطور خارق للعادة محض وهم. فلن يتغير شيء جوهري في واقع الأمر. وعندما ينتبه ترامب ومستشاروه إلى هذه الحقيقة، فسوف تتصاعد التوترات، وتُستأنف الحرب التجارية.
تُرى أي سيناريو قد يكون أكثر ترجيحا؟ كما كانت الحال في عام 1930، تتوقف الإجابة على هذا التساؤل على كيفية تطور الظروف الاقتصادية. إذا استمر توسع المرحلة الأخيرة، كما حدث خلال مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، فربما يكون ترامب أكثر ميلا إلى قبول تنازلات تجميلية، والتي يستطيع أن يصورها على أنها "الاتفاقية التجارية الأكبر حجما والأكثر أهمية وحداثة وتوازنا في التاريخ". ولكن إذا أظهر اقتصاد الولايات المتحدة علامات الانزلاق إلى الركود، فسوف يكون ترامب في احتياج إلى جهة يلقي عليها اللوم. وفي هذه الحالة، نستطيع أن نكون على يقين نسبيا أي جهة قد تكون.

أستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. وأحدث مؤلفاته كتاب "إغواء الشعبوية: المظلمة الاقتصادية ورِدة الفِعل السياسية في العصر الحديث".