دولة حدودية أقتصادية للفلسطينيين والإسرائيليين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/مارس/٢٠١٦ ٠١:٠٦ ص
دولة حدودية أقتصادية للفلسطينيين والإسرائيليين

إيان شابيرو ؛ نيكولاس سترونج

مع تفاقم الاضطرابات في الشرق الأوسط، يبدو أن مصير الفلسطينيين تراجع إلى مؤخرة الأجندة الدبلوماسية. والواقع أن حل الدولتين كان يرقد موصولاً بأجهزة دعم الحياة منذ الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في عام 2014 والتي أطلقت عليها مسمى "الجرف الصامد"، برغم الجهود البطولية التي بذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإحياء هذا الحل. والآن يعتقد كثيرون في المنطقة وخارجها أن هذا الحل قد توفي بالفعل.
ولكن هذا يثير مشكلة جديدة. فمع تحول إقامة الدولة إلى حلم بعيد المنال، تصبح مسألة وقت فقط قبل أن تبدأ أعداد كبيرة من الفلسطينيين في المطالبة بالحق في التصويت في الانتخابات الإسرائيلية. وسوف تكون المعركة حامية الوطيس. فقد تبنى الإسرائيليون فكرة الدولتين لفترة طويلة جزئياً بهدف إبقاء مسألة منح الفلسطينيين حق التصويت بعيداً عن طاولة المفاوضات.
ولكن كيف يمكن للنظام الناشئ أن يصبح أكثر شمولاً وشرعية؟ الواقع أن عناصر الطريق البنّاء إلى الأمام تختبئ على مرأى من الجميع.
بعد فترة وجيزة من توقيع إسرائيل على معاهدة السلام مع الأردن عام 1994، اقترح وزير الخارجية أنذاك شيمون بيريز إقامة منطقة اقتصادية عبر الحدود لترسيخ الاتفاق. والآن تحول ذلك الاقتراح إلى Jordan Gateway Industrial Park (JGIP)، وهي منطقة اقتصادية خاصة مقامة على مساحة 346 فداناً على الضفتين الأردنية والإسرائيلية لنهر الأردن بالقرب من حيفا.
ومؤخرا، شهدت هذه المنطقة التي تولى رعايتها رجل الصناعة الإسرائيلي شلومي فوجل نمواً ملحوظا. ففي عام 2013 ساهمت حكومة إسرائيل بمبلغ 34 مليون دولار أميركي. وتوفر الأردن التي أدارت المشروع إلى حد كبير منذ عام 2001 دعماً مالياً مستمرا. وكما هي الحال مع أي منطقة اقتصادية خاصة في مختلف أنحاء العالم، تتمتع الصناعات في المنطقة بالإعفاء من الضرائب والرسوم ومزايا اقتصادية أخرى.
وينبغي لهذا النموذج أن يتوسع بحيث يشمل مناطق سياسية خاصة تعمل على إزالة الانقسامات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومن الممكن إنشاء مثل هذه المناطق السياسية الخاصة على طول الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية وغزة. ولابد من إدماجها بشكل أكبر في منطقة الأردن الاقتصادية الخاصة، والتي تعتمد على العمالة من الخارج.
وبوسع الناس في المناطق السياسية الخاصة أن يشكلوا أنفسهم فعلياً في هيئة عوالم مصغرة خاضعة لنظام جديد. وقد تكون الشركات في المناطق السياسية الخاصة مملوكة لإسرائيليين، أو فلسطينيين، أو تكون ذات ملكية مشتركة، ومن الممكن أن يأتي العمال من جانبي الانقسام، شريطة أن يعيش الجميع في المناطق السياسية الخاصة، حيث يحصلون على حصص الملكية وأدوار الحوكمة التي تنمو بما يتناسب مع طول مدد خدمتهم.
وينبغي للمناطق السياسية الخاصة أن تتمتع بدرجة عالية من الاستقلال السياسي عن الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية. وسوف تشيد البنية الأساسية السكنية من مدارس وخدمات بلدية ومنشآت طبية في المنطقة حتى تصبح مكتفية ذاتياً إلى حد كبير. وسوف تُترَك أمور الإدارة اليومية للمقيمين، الذين سيكون لهم مصلحة اقتصادية في نماء المنطقة السياسية الخاصة، هذا فضلاً عن الحوافز للحفاظ على مجتمعات متكاملة ثنائية القومية.
وتُعَد Co-Op City، وهي أكبر مجمع سكني في الولايات المتحدة، نموذجاً ملهما. تحتوي هذه المدينة التي تديرها شركة مجتمعية على مدارس ومتاجر وشركات خاصة لإنفاذ القانون. وقد شهدت مثل هذه التطويرات السكنية ذات المصلحة المشتركة نمواً ملموساً في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. ويكمن جزء من جاذبيتها في المشاركة المعززة. ومن الممكن أن تعمل مثل هذه الترتيبات في الشرق الأوسط على تعزيز أشكال جديدة من التعاون بين الأعراق المختلفة.
سوف يشكل الأمن مصدر قلق رئيسي. وفي البداية، سوف تقوم على محيط المناطق السياسية الخاصة نقاط تفتيش كتلك عند المعابر إلى الضفة الغربية وغزة. ولكن الناس لن يضطروا إلى المجيء والذهاب على أساس يومي، وهو المعوق الذي يبتلي المناطق الاقتصادية الخاصة عبر الحدود حتى يومنا هذا. وسوف تعمل قوات مستقلة شبيهة بتلك الموظفة في التطويرات السكنية ذات المصلحة المشتركة والجامعات على الحفاظ على النظام الداخلي. ويختلف هذا عن منطقة الأردن الصناعية الخاصة، حيث تمارس كل من إسرائيل والأردن السيطرة على النطاق الخاص بها على ضفتي نهر الأردن.
ولابد أن تقام المناطق السياسية الخاصة بالقرب من مرافق النقل على جانبي الحدود، ولكن بعيداً عن المزارات الدينية، والمستوطنات، والمنشآت العسكرية المهمة استراتيجيا. وتشمل المواقع المحتملة المنطقة الواقعة بين طولكرم في الضفة الغربية وهرتسيليا، ومنطقة كارني الصناعية خارج مدينة غزة.
ولا تحتاج هذه الفكرة للتسويق بين الناخبين أو المتطرفين لكي تمضي قدما. كما لا توجد حاجة إلى اقتلاع الناس من جذورهم. ذلك أن المناطق السياسة الخاصة سوف تتمتع بجاذبية خاصة في نظر أولئك المتعطشين للبدائل البنّاءة للركود السياسي السائد والانجراف العنيد القائم على عوامل ديموغرافية نحو نظام الفصل العنصري في إسرائيل.
وسوف يكون أولئك الذين ينتقلون إلى المناطق السياسية الخاصة ملتزمين بقوة بإنجاحها. وإذا نجحت المناطق السياسية الخاصة الأولى فسوف تنشأ ضغوط قوية لإنشاء مناطق أخرى مماثلة. بل وربما يمكن استنساخ المناطق السياسية الخاصة عبر الحدود داخل المناطق المحتلة وإسرائيل، بما في ذلك مدن مثل رام الله وتل أبيب.
سوف يتوقف الكثير على المجتمعات التي ينشئها السكان. ولكن جهات خارجية من الممكن أن تساعد. فكما هي الحال في منطقة الأردن الصناعية الخاصة، من الممكن أن توفر المناطق السياسية الخاصة الفرص للمستثمرين من المنطقة وخارجها للمساهمة في السلام والاستفادة منه. وسوف يحصلون على إعفاءات ضريبية محلية، وربما يتلقون الدعم أيضاً من حكوماتهم.
ومن الممكن أن تأخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة، كما فعلت في المناطق الاقتصادية الخاصة في مصر والأردن. وبوسع الحكومات والمؤسسات الخيرية أن تقدم المنح للمشاريع البادئة. وكما هي الحال في منطقة الأردن الصناعية، لابد أن يكون الهدف تقديم النموذج لأفضل الممارسات التي سوف يرغب آخرون في محاكاتها.
وهناك بالفعل لاعبون جادون على استعداد للعمل كمتعهدين لبناء المناطق السياسية الخاصة. ينتمي فوجل إلى مبادرة "كسر الجمود"، وهي مجموعة من كبار رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين الملتزمين بدفع عملية السلام. والواقع أن هذه المبادرة التي أسسها القطب الفلسطيني الثري منيب المصري وملياردير عالَم التكنولوجيا الإسرائيلي يوسي فاردي في يوليو 2012، تتألف من ثلاثمائة عضو، وتمثل شركاتهم ما لا يقل عن 30% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي والفلسطيني. أي أنهم بعبارة أخرى يتمتعون بالقدر الكافي من النفوذ والموارد لتشجيع الموجة الأولى من المناطق السياسية الخاصة.
يتعين على المنطقة السياسية الخاصة الأولى أن تثبت أن التزاوج بين الاقتصاد والسياسة قادر على حفز التعاون الذي ما كان ليصبح ممكناً لولا ذلك. ويتعين على كل من الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية أن تلعب دوراً ميسِّرا. ولكن مكانهما سوف يكون في الأغلب في المقعد الخلفي لمشروع يدفعه رجال الأعمال، وأصدقاء السلام الإقليمي من الخارج، وفي المقام الأول من الأهمية الأفراد من الفلسطينيين والإسرائيليين القادرين على المشاركة بجهودهم، لكي تتحول الفكرة إلى نوع جديد من ريادة السلام. وإذا نجحوا فإن موت حل الدولتين ربما يكون نِعمة مستترة.

إيان شابيرو: أستاذ العلوم السياسية في جامعة ييل
نيكولاس سترونج : طالب وباحث مساعد في جامعة ييل.