عقوبات الهند العتيقة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/مارس/٢٠١٦ ٠١:٠٥ ص
عقوبات الهند العتيقة

شاشي ثارور

يبدو أن عدداً من المجادلات والخلافات غير المترابطة ظاهرياً في الهند تشترك في واقع الأمر في عنصر واحد مهم: فجميعها تتعلق بمخالفات جنائية تولى تنظيم تعامل القانون معها حكام الإمبراطورية البريطانية في الهند في منتصف القرن التاسع عشر، وهي التنظيمات التي أثبتت الهند عدم قدرتها على الاستغناء عنها أو عدم رغبتها في التخلص منها.
تشمل السمات المثيرة للجدال في قانون العقوبات الهندي الذي صاغته بريطانيا حظر "العصيان"، والذي عَرَّفَته على نحو غير محكم بوصفه الخطاب أو التصرفات التي تشجع "السخط ضد الحكومة القائمة بحكم القانون"؛ وتجريم الممارسات الجنسية المثلية؛ والملاحقة القضائية غير المتكافئة للزنا. وفي الآونة الأخيرة، كانت المسألتان الأولى والثانية بشكل خاص سبباً لغضب شعبي كبير ـــ وهو غضب مستحق. فمثل هذه النصوص ـــ كما زعمت عندما تقدمت باقتراح إدخال تعديلات عليها في مجلس النواب (وأنا عضو فيه) ـــ يمكن إساءة استخدامها بسهولة من قِبَل السلطات على النحو الذي ينتهك الحقوق الدستورية للمواطنين الهنود.
ولنتأمل هنا مسألة العصيان، التي استُن ضدها قانون صارم في عام 1870 لقمع أي انتقاد للسياسات البريطانية ـــ حتى الانتقادات التي، كما وصفها أحد البريطانيين بصراحة، لا تنطوي على "خرق مطلق للسلام". وكانت النتيجة إقرار القسم 124أ من قانون العقوبات، والذي بموجبه صار من الممكن اتهام أي شخص يستخدم "الكلمات أو الإشارات أو التمثيل المرئي... للتحريض على السخط ضد الحكومة" بارتكاب جريمة العصيان وربما الحكم عليه بالسجن مدى الحياة. بعبارة أخرى "لا حرية تعبير للهنود".
ولكن حتى هذا لم يكن كافياً في نظر زعماء بريطانيا الذين جعلوا القانون أكثر إحكاماً وصرامة في عام 1898، لكي يصبح بذلك أشد قسوة حتى من قانون العصيان في إنجلترا. وقد خَلُص البريطانيون، على حد تعبير نائب الحاكم البريطاني لولاية البنغال، إلى أن "قانون العصيان الذي يناسب شعباً تحكمه حكومة من نفس جنسيته وعقيدته الإيمانية ربما يكون غير كاف، أو في بعض الجوانب غير ملائم، لبلد خاضع لحكم أجنبي".
وعلى هذا فإن قانون العصيان كان المقصود منه بوضوح العمل كأداة لترهيب القوميين الهنود؛ وكان المهاتما غاندي بين ضحاياه البارزين، وإن لم يكن آخر ضحاياه بكل تأكيد. ففي الشهر الفائت فقط، ألقي القبض على طلاب من جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي بعد اتهامهم بالعصيان، لأنهم استخدموا شعارات "معادية للهند" في احتجاجهم ضد إعدام الإرهابي المدان أفضل جورو. وما كانت هذه الاعتقالات التي صدمت العديد من الهنود لتصبح ممكنة لولا الصياغة الفضفاضة للقانون.
ومن شأن التعديل الذي تقدمت به أن يجعل اتهامات العصيان مقتصرة على الكلمات أو الأفعال التي تؤدي بشكل مباشر إلى استخدام العنف أو التحريض على العنف، أو عندما تشكل مخالفة أو جريمة ـــ مثل القتل أو الاغتصاب ـــ عقوبتها السجن مدى الحياة بموجب قانون العقوبات الهندي. ومن خلال توضيح أن انتقاد تصرفات الحكومة لا يشكل عصياناً ببساطة، فإن مثل هذا التعديل من شأنه أن يعزز حرية التعبير ـــ التي تشكل ضرورة أساسية في أي نظام ديمقراطي ـــ في حين يحمي الناس من الخطاب الذي يحرض على العنف حقا.
ثم هناك القسم 377 من قانون العقوبات، والذي استن في عام 1860 ويقضي بتجريم "الجِماع الجسدي ضد قانون الطبيعة" ـــ وهي صياغة عتيقة إلى الحد الذي يجعلها باعثة على السخرية في أغلب المجتمعات الحديثة. وحتى في الماضي، لم تكن المثلية الجنسية من المحرمات في الثقافة الهندية والممارسة الاجتماعية؛ بل حَرَّمها البريطانيون في العصر الفيكتوري.
ومن خلال تجريم التصرفات الجنسية بالتراضي بين بالغين وفي خصوصية، ينتهك القسم 377 الحقوق الأساسية المكفولة بموجب المادة 21 (الحياة والحرية، بما في ذلك الخصوصية والكرامة)، والمادة 14 (المساواة أمام القانون) والمادة 15 (حظر التمييز) في دستور الهند. والواقع أن العواقب المترتبة على هذا في العالَم الحقيقي صارخة: ففي العامين الفائتين، ألقي القبض على 58 مواطناً هندياً بموجب القسم 377 بسبب أفعال قاموا بها ضمن خصوصية مساكنهم.
وكان التعديل الذي اقترحت إدخاله على القسم 377 ليقضي بعدم تجريم ممارسة الجنس بالتراضي بين البالغين من أي جنس أو توجه. ولكن من المؤسف أن الأعضاء المحافظين في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم صوتوا ضد عرض مشروع القانون على البرلمان، مستشهدين بحكم صادر عن المحكمة العليا في عام 2013 يقضي بإقرار القانون الحالي. ولكن يظل الأمل قائما. فقد وافقت المحكمة العليا على الاستماع إلى التماس إعادة النظر في الحكم السابق.
الواقع أن قانون العقوبات الهندي ليس أكثر تساهلاً في التعامل مع النساء في الممارسات الجنسية المختلفة الجنس مقارنة بتعامله مع الممارسات الجنسية المِثلية. فبموجب القسم 497، يستطيع الزوج مقاضاة زوجته الزانية والرجل الذي مارست معه علاقة جنسية، ولكن المرأة لا تستطيع أن تقاضي زوجها الزاني، ما لم تكن رفيقته في ممارسة الجنس دون السن القانونية أو متزوجة. ومن الواضح أن هذا المعيار المزدوج مروع وعفا عليه الزمن.
الان حان وقت خروج حكومة الهند من غرف نوم مواطنيها، كما ينبغي لها أيضاً أن تدرك أن قانون العصيان الخبيث لا مكان له في نظام ديمقراطي مشاكس ونابض بالحياة. والواقع أن البريطانيين، الذين اختلقوا هذه الجرائم المثيرة للجدال، ألغوها جميعاً منذ ذلك الحين في ديارهم ـــ وهو ما يعكس تغير الأزمان. (الواقع أن أحد أسوأ تركات الاستعمار هي أن آثاره تدوم حتى بعد زوال الإمبراطورية الاستعمارية ـــ في الهند، وفلسطين المحتلة، ومنطقة الكاريبي، وأماكن أخرى).
الحق أن الرئيس الهندي براناب موخرجي يشعر أن الوقت حان لدفع قانون العقوبات الهندي إلى عالَم القرن الحادي والعشرين، وقد أكَّد في الشهر الفائت الذي صادَف مرور 155 عاماً على استنان قانون العقوبات على ضرورة مراجعته وتنقيحه بشكل كامل. كما أعلن أن القانون الجنائي في الهند "استُن إلى حد كبير بواسطة البريطانيين بهدف تلبية احتياجاتهم الاستعمارية"، ولابد من تنقيحه بحيث يعكس "وعينا الاجتماعي المعاصر". وآنئذ فقط يمكنه أن يصبح "مرآة صادقة لحضارة تحترم القيم الأساسية التي تستند إليها".
بهذا الخطاب، يتحدى موخرجي حكومة حزب بهاراتيا جاناتا اليمينية. ولا يملك المرء إلا أن يأمل أن يستجيب قادته، وإن كان ولعهم الشديد بالتدابير الاستبدادية والتسامح مع التصريحات غير الليبرالية والمتعصبة من قِبَل أنصارهم ـــ وهو السلوك الذي أثار مخاوف شديدة في مختلف أنحاء الطيف السياسي ـــ يثير شكوكاً جدية في إقدامهم عل أمر كهذا.
ما دامت القوانين التي يمكن إساءة استخدامها قائمة فسوف يُساء استخدامها. ولكي نمنع هذا ونعمل على خلق إطار قانوني ليبرالي يتناسب مع دولة ديمقراطية حديثة، فلابد من إلغاء تجريم المثلية الجنسية والزنا، ولابد من تناول مسألة العصيان من منظور أكثر ليبرالية. وكما تشير المناقشات المتكررة التي تحظى باهتمام كبير في البلاد، فمن الواضح أن وقت التغيير قد حان.

وزير الدولة الهندي الأسبق للشئون الخارجية