الخليجي عصيا على التطرف والإرهاب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/مارس/٢٠١٦ ٠١:٠٣ ص
الخليجي عصيا على التطرف والإرهاب

فريد أحمد حسن

مقابل قيم الإسلام ومبادئه السمحة التي تدعو إلى الاعتدال والتسامح بعيدا عن التعصب والتطرف والتي هي الأساس وهي ما تؤمن به قيادات دول مجلس التعاون وتسعى إلى تحقيقها ، مقابل هذه يسعى البعض الذي اختار التطرف منهجا إلى نشر الفكر الإرهابي الضال . في هذا السياق أكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني في المحاضرة التي ألقاها الأسبوع الفائت في كلية مبارك العبدالله للقيادة والأركان بدولة الكويت أن "الإرهاب يشكل خطرا كبيرا يهدد أمن المنطقة واستقرارها ومصالح شعوبها" ودعا "المجتمع الدولي الى الاستفادة من مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في التنسيق المشترك وتبادل المعلومات ، واتخاذ الخطوات والإجراءات الوقائية التي تمنع التنظيمات الإرهابية من الانتشار واستقطاب المزيد من الشباب للانخراط في الأعمال الإرهابية ، والتصدي للدول التي تدعم الإرهاب وميليشياته" .
الدكتور الزياني اهتم بالتأكيد على أن مجلس التعاون يواجه العديد من التحديات التي تتطلب جهودا متواصلة للتعامل معها وتجاوزها حفاظا على استقرار دول المجلس وتقدمها وازدهارها ، وشدد على أن الإرهاب يأتي في مقدمة التهديدات الأمنية التي تواجه دول المجلس ، وشرح المشهد العام في المنطقة بقوله "إن منطقة الشرق الأوسط تشهد في الوقت الحاضر أوضاعا صعبة وحالة من عدم الاستقرار والحروب الدامية ، بما في ذلك الحرب في سوريا واليمن والعراق وليبيا ، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ، وانتهاكات إسرائيل المتواصلة لحقوق الشعب الفلسطيني" ، وأكد أن "استمرار تلك الصراعات ، والتدخلات الإيرانية المتواصلة في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ، وتنامي خطر الإرهاب والميليشيات المتطرفة ، يحظى من دول المجلس باهتمام كبير حفاظا على أمن واستقرار المنطقة ، وتجنيب شعوبها مخاطر الإرهاب والتعصب والعنف" .
لمواجهة دول التعاون كل ذلك قال الزياني إنها "تولي أهمية كبرى لتقوية وتعزيز قدراتها الدفاعية المشتركة ، كقوة درع الجزيرة وإنشاء مركز إقليمي للتنسيق البحري ، والعمل على إنشاء منظومة دفاع جوي صاروخي" . وأشار إلى أن "هذا النهج هو لتعزيز القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية لدول المجلس والتأكيد على تضامنها وتصميمها على المضي قدما على طريق التكاتف والتضامن ، والدفاع عن مصالحها الحيوية ومنجزاتها ومكتسباتها" ، كما جاء في التقرير الذي نشرته الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي .
ملخص كل هذا هو أن دول مجلس التعاون تستشعر اليوم المخاطر التي يتسبب فيها الإرهاب والفكر المنحرف وأنها لمواجهته اتخذت مجموعة من القرارات التي تشعرها بأنها يمكن أن تكون في مأمن ، وهو يعني أيضا أن هذه الدول تعتقد أن هناك من له مصلحة في تحريك الإرهابيين ويتربص بها وأنها لن تقبل أن تصير الضحية .
مشهد جديد لم تألفه المنطقة ودول مجلس التعاون ولم تعشه من قبل ، عناصره تتكون من وجود من يريد بهذه الدول سوءا ، ووجود إرهابيين لهم مصالحهم ويتوفرون أيضا كأدوات يمكن لمن يدفع أن يستفيد منها ، ووجود مخاطر كبيرة سببها التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة وتهدد كل استقرار . هذه المعطيات دفعت دول المجلس إلى التفكير في إيجاد وسائل واعتماد آليات تحمي بها نفسها كالتي أتى أمينها العام على ذكرها . ورغم أهمية هذه الوسائل والآليات وضرورتها إلا أن على دول المجلس أن تهتم أيضا بعمل يجعل المواطن الخليجي عصيا على الانحراف والاستجابة للمتطرفين والإرهابيين . بالتأكيد هذا أمر لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها وإنما يحتاج إلى استراتيجية واضحة وخطط دقيقة ومناهج دراسية تنتج أفرادا لا يمكنهم أن يتأثروا بالأفكار الدخيلة والمتطرفة . هو تحد لا سبيل أمام دول مجلس التعاون سوى قبوله ، ذلك أن كل الوسائل الأخرى تظل ناقصة ودون القدرة على تحقيق الأهداف المتوخاة منها إن لم تتمكن من جعل المواطن الخليجي عصيا على الإرهاب والتطرف .
مهم في هذا الخصوص الاستفادة من تجربة سلطنة عمان التي عملت على مدى سنوات طويلة على تهيئة المواطن العماني بحيث يكون قادرا على صد أي محاولة لجره نحو التطرف والإرهاب ، ويكون قادرا أيضا على محاربة مثل هذه التوجهات والسلوكيات البعيدة عن الشرع الإسلامي . ففي السلطنة لا تتوفر العوامل المعينة على نمو الطائفية ولا تلك المشجعة على تواجد الإرهاب ، ويتوفر بدلا عن كل ذلك العوامل التي تعين الإنسان العماني على أن يكون أكثر قوة وقدرة على التصدي لكل محاولة لجره نحو هذه السلوكيات الخاطئة .
الإرهاب لم يتمكن من دخول السلطنة ، ومن المستبعد أن يتمكن من الدخول إلى هذه الأرض . الفضل في ذلك يعود بعد الله سبحانه وتعالى إلى قائد عمان وبانيها صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم الذي حرص على الابتعاد عن كل ما قد يعيق عملية البناء والتنمية والتي قرر منذ البداية ألا تقتصر على الحجر وإنما تشمل البشر أيضا بل تقدم عليه . وبالطبع يعود الفضل أيضا إلى الشعب العماني الذي أدرك مبكرا أن التطرف يقود بالضرورة إلى الإرهاب وأن الإرهاب يقود بالضرورة إلى الخراب والدمار .
كل ما أتى الأمين العام لمجلس التعاون على ذكره مهم ، ولكن مهم أيضا العمل بشكل جاد وسريع على إعادة تأهيل الإنسان الخليجي وجعله عصيا على التطرف والإرهاب ، تماما مثلما أنه مهم أيضا استغلال كل فرصة قد تسنح ويؤمل أن تسهم في استقرار المنطقة كتلك التي تقودها الدبلوماسية الكويتية وترمي إلى تقليل التوتر بين إيران ودول التعاون .

• كاتب بحريني