القطاع المالي والحتمية المناخية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:١٥ ص
القطاع المالي والحتمية المناخية

برتراند بادري
إيمانويل فابر
برتراند بيكار
بول بولمان
رونالد كوهين

خلال السنوات العشر التي مرت منذ اندلعت الأزمة المالية العالمية، دارت مناقشات مستفيضة حول الآليات الكفيلة بتعزيز قدرة النظام المالي على الصمود. ولكن على الرغم من إحراز بعض التقدم فإن النهج التدريجي الذي جرى اتباعه حتى الآن قد لا يكون كافيا لدعم الاستقرار المالي الطويل الأجل. ويعني اتجاه السوق الصاعدة نحو الاضمحلال الآن أن يوم الحساب قد لا يكون بعيدا.
من المستحيل أن نجزم بموعد اندلاع الأزمة التالية، ناهيك عن تحديد إلى متى قد تدوم أو مدى الضرر الذي قد تحدثه. ولكن ما من شك في أن المخاطر التي نواجهها تستحق أن نتعامل معها بالاستعانة بنهج أكثر شمولا، نهج أشبه كثيرا بذلك الذي نودي به مباشرة بعد أزمة 2008 (وإن كانت تلك النداءات خفتت مع تعافي الأسواق). وهذا يعني الاتفاق على رؤية جديدة لحكم الاقتصاد العالمي، وتنفيذ هذه الرؤية؛ وتقييمها بدقة شديدة وتعديلها حسب الحاجة؛ وضمان المساءلة الكاملة لكل أصحاب المصلحة.
من الأهمية بمكان أن تتفهم هذه الرؤية التغيرات العميقة المستمرة، من قوى السوق المتزايدة التركز إلى عملية صنع القرار التي تجري على نحو آلي على نحو متزايد. ويجبب أن تضع هذه الرؤية في الاعتبار أيضا صعود الصين، الذي يستلزم دمجها بشكل أكثر اكتمالا في الهيئات الحاكمة، الأمر الذي من شأنه أن يخلف آثارا بعيدة المدى، وخاصة مع ظهور الصين كقوة عالمية أقل خيرية.
علاوة على ذلك، لابد أن تتجادل هذه الرؤية مع تنامي النزعة القومية الانعزالية، والتي تتجسد في نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يرفع شعار "أميركا أولا" وحربه التجارية مع الصين. كما يتعين على هذه الرؤية أن تدرك أن فعالية أدوات الاقتصاد الكلي ــ النقدية والمالية ــ أصبحت أكثر محدودية اليوم مما كانت عليه في العام 2008.
أخيرا، يجب أن تعكس هذه الرؤية قرارا واضحا بشأن مدى التزامنا بمعالجة التحديات المتعلقة بالمناخ والاستدامة. على الرغم من اتفاق باريس للمناخ الذي أبرم في عام 2015، والذي غير النموذج الذي نتحدث في إطاره عن تغير المناخ، فقد ظل قادة العالَم على عزوفهم عن بذل الجهد المطلوب لإحداث فارق حقيقي. ولا يمكننا أن نستمر في خداع أنفسنا من خلال الترويج لأهداف سامية في حين لا نعمل إلا على الهامش.
إذا كنا جادين في رغبتنا في بناء المرونة والقدرة على الصمود، فنحن في احتياج إلى المضي قدما في إجراء تغييرات جهازية صارمة تتناول الكيفية التي ننتج بها الطاقة ونستهلكها والكيفية التي نمول بها اقتصاداتنا. ولن يتسنى هذا إلا عن طريق القيادة الفعّالة. ولكن في حين ساعد التعاون بين الحكومات في الدفع ببعض العمل المناخي، فإن التفتت المتزايد داخل المجتمع الدولي جعل حدود هذا النهج واضحة. وربما تتلخص الاستراتيجية الأكثر فعالية في تأسيس ائتلاف من المجتمعات المدنية والمؤسسات المالية وغير المالية الكبرى لقيادة التقدم نحو أهداف مشتركة.
يتطلب ضمان تحقيق التقدم، بين أمور أخرى، تحسين سبل المحاسبة ورفع التقارير إلى حد كبير، جنبا إلى جنب مع فرض إصلاحات تنظيمية ذكية. وسوف يتطلب الأمر فضلا عن ذلك حرص المشاركين في السوق على توفير الحوافز اللائقة والتفويض المناسب لوضع الاستدامة والعمل المناخي في الاعتبار أثناء اتخاذ القرار.
ومن الممكن أن يشمل هذا تعدل خطط مكافأة المديرين، ومتطلبات المراقبة ذات الصِلة، ووضع التصنيف البيئي على الحزم الاستهلاكية، وهذا ما يحدث بالفعل في بعض الحالات. من الممكن أيضا أن تضطلع العوامل المتعلقة بالسمعة، بل وحتى تأثير القوى الناعمة التي تتمتع بها الحكومات المحلية، والتي تهتم بشكل متزايد بالمخاطر البيئية، بدور في تحفيز الشركات لحملها على ملاحقة التحول الأخضر.
يفتقر القطاع المالي بشكل خاص إلى الحوافز المناسبة للمساهمة في التصدي للتحدي المناخي، لأن عملية اتخاذ القرار في المؤسسات المالية تسترشد في المقام الأول ــ وربما على وجه الحصر ــ بالسعي إلى تحقيق الأرباح النقدية. وهذا نهج قصير النظر وغير مقبول. تحتاج المؤسسات المالية إلى حوافز جديدة لإعادة تشكيل عملياتها، بما في ذلك استثماراتها. على سبيل المثال، من الممكن أن يحصل مديرو المحافظ على مكافآت مرتبطة جزئيا بأداء استثماراتهم وفقا للمقاييس المناخية.
الواقع أن هذه التغييرات لن تقوض النمو الاقتصادي. بل على العكس تماما، تساعد العديد من الحلول المناخية ــ مثل التحول نحو الطاقة المتجددة ــ في توليد الوظائف وفرص العمل، بل وقد تعمل حتى على زيادة ربحية الشركات. ومن المؤكد أن الاستعاضة عن البنية الأساسية العتيقة والمسببة للتلوث ببدائل حديثة وفعّالة تمثل إحدى الفرص الاستثمارية الأساسية في هذا القرن.
لكن الأمر يتعلق بما هو أعظم كثيرا من الأرباح. فكما حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها الأخير، فإن مسار العالَم الحالي يقودنا إلى دمار بيئي مؤكد. وبالفعل، بدأت الكوارث الطبيعية تصبح أكثر تواترا وأشد حدة. ومع استمرار تكاثر أحداث الطقس المتطرفة، فسوف يصبح الدمار الواسع النطاق، والهجرات الجماعية، والصراعات من الظواهر المستوطنة.
إننا نعيش لحظة محورية في التاريخ، ونحن في احتياج إلى استجماع الشجاعة والتحلي بالإيمان الراسخ للقيام بالتحرك القوي اللازم. ولا ينبغي لنا أبدا أن نكتفي بتنفيذ الحلول، بل يتعين علينا أيضا أن نختبرها ونعيد ضبطها وتحسينها بشكل منتظم ــ ليس بعد عقد من الزمن ــ مسترشدين بأهداف وتدابير واضحة وتستند إلى الأدلة. آنذاك فقط يصبح بوسعنا أن نضمن القدر الكافي من المرونة والصمود ليس لأنظمتنا المالية فحسب، بل وأيضا لكل الهياكل التي تدعم الاستقرار العالمي.
إذا أعدنا صياغة إحدى مقولات ونستون تشرشل، فربما نستطيع أن نقول إننا الآن نواجه ضرورة الاختيار بين الدمار والوضع الراهن. ولكن إذا اخترنا الوضع الراهن فلن نحظى إلى بالدمار.

برتراند بادري: المدير الإداري الأسبق للبنك الدولي
إيمانويل فابر: رئيس مجلس إدارة شركة دانون ورئيسها التنفيذي
برتراند بيكار: بادئ مؤسسة سولار إمبلس ورئيس مجلس إدارتها.
بول بولمان: رئيس الغرفة الدولية للتجارة وعضو مجلس قيادة شبكة حلول التنمية المستدامة
رونالد كوهين: رئيس مجموعة التوجيه العالمية للاستثمار المؤثر.