من البريكسيت إلى الأبدية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٦/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٣٥ ص
من البريكسيت إلى الأبدية

كريس باتن

من المقرر أن يتّخذ أعضاء البرلمان البريطاني قريبا واحدة من أصعب القرارات السياسية في حياتهم. والخيار هو بين الموافقة على صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تفاوضت عليها رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، أو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي دون صفقة، أو محاولة عكس عملية الخروج تمامًا. فيما يتعلق بالخيار الثالث، فقد مرّت سنتان ونصف السنة على تصويت أغلبية ضئيلة من البريطانيين لمغادرة الاتحاد الأوروبي، وكشفت استطلاعات الرأي الأخيرة أن الأغلبية تفضّل البقاء في الاتحاد الأوروبي.

يعود قرار إجراء استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي إلى سلف ماي المحافظ، ديفيد كاميرون، الذي يبدو أنه كان يركز على السياسة أكثر من المصلحة الوطنية. كان كاميرون يأمل في التخلص من فصيل القوميين الإنجليز اليمينيين والانتهازيين في حزبه، ولكن فكرته الخاطئة انفجرت في وجهه واستقال على الفور، تاركا لخلفه مهمة لا تحسد عليها لتفسير ما تعنيه نتيجة الاستفتاء بالفعل. وقررت ماي أن «خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»، ومنذ ذلك الحين وهي تقود عملية عارضتها هي أصلاً.

منذ البداية، كانت مهمة ماي معقّدة بسبب ثلاثة عوامل. أولاً، نسج أصحاب البريكسيت شبكة من الكذب والوهم حول ما سيعنيه الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. لقد وعدوا بالخروج السهل الذي من شأنه أن يسمح لبريطانيا بإعداد الكعكة وأكلها. ستكسب البلاد الكثير، ولن تفقد أي شيء، وستبحر إلى أرض الميعاد خالية من قيود الاتحاد الأوروبي. وحيث سيصبحون أسياد مصيرهم، سيقوم البريطانيون بعقد صفقات تجارية جديدة مع من يحبونهم. ومع ذلك، الشيء الذي فاجأ أصحاب البريكسيت ظاهريا، هو أن الاتحاد الأوروبي لن يسمح لبلد ما بالاستمتاع بالفوائد الكاملة للعضوية دون قبول الالتزامات التي تأتي معها.
التعقيد الثاني هو أن البريطانيين كانوا يجهلون الكثير عن السيادة. وبصفة عامة، فإن السيادة تمكن الدولة من تأمين مصالحها الخاصة. لكن هذا يتطلب عادة التعاون مع الآخرين. إن ما لم يدركه أصحاب البريكسيت هو أن الدول السبع والعشرين الباقية في الاتحاد الأوروبي تتمتع بسلطة أكبر لتحقيق مصالحها الخاصة كمجموعة أكثر مما لو كانت بمفردها. وهذا بالضبط ما فعلته هذه الدول خلال مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويشكو منتقدو صفقة ماي للخروج من أنها ستضعف تحكم بريطانيا في شؤونها أكثر مما عليه الوضع اليوم. لكن هذا لا يزال هو الحال خارج الاتحاد الأوروبي. والسؤال ما إذا كانت القواعد التي تحكم العلاقات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية مكتوبة في بروكسل أو في أي مكان آخر لا يهم. إذا كانت بريطانيا تريد أن تتعامل مع الآخرين، فعليها أن توافق على القواعد المشتركة. وإذا صارت معزولة، سيكون عليها اتخاذ القرار مع أي كتلة اقتصادية ستتعامل، ثم قبول قواعد تلك الكتلة.
الأمر لا يتعلق بالسيادة أو الحكم المحلي في إمبراطورية الفرس. إنها ببساطة مسألة ما إذا كنا نفضّل نهج الصين بشأن نقل الملكية الفكرية والتكنولوجيا على حساب الغرب، أو المعايير الغذائية والزراعية الأوروبية على تلك الخاصة بالولايات المتحدة. إذا أصرّت بريطانيا على اتّباع تعريف ضيّق للسيادة، فإنها ستجد فقط الحزن والعزلة.
المضاعفة الثالثة من صنع ماي نفسها. فور دخولها في مفاوضات الخروج، بدأت في وضع خطوط حمراء غير ضرورية. لم تتضمن لغة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أي إشارة إلى الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي والسوق الموحدة، أو محكمة العدل الأوروبية. ولكن أعلنت ماي أن بريطانيا يجب أن تترك هذه المؤسسات جميعها.
كما كان متوقعا، أثار هذا الأمر على الفور مسألة الحدود الأيرلندية الشائكة. في حين ستبقى أيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة، فإن جمهورية أيرلندا ستبقى عضوًا في الاتحاد الأوروبي. طالما أن كل منها لا يزال في الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي والسوق الموحدة، فإن هذا لا يمثل مشكلة. ولكن إذا كان عليها المغادرة، سيتعيّن إقامة نقاط تفتيش جمركية عند جميع المعابر الحدودية الرئيسية، مع احتمال أن تكون لها آثار خطيرة على اتفاق الجمعة الحزينة، الذي أعاد السلام في أيرلندا الشمالية منذ جيل مضى.
اتفاق الخروج الذي تفاوضت فيه ماي في محاولاتها لحل كل هذه التعقيدات من خلال التواصل مع الدوائر المختلفة وتليين موقفها من الأسئلة التي لا يوجد جواب محتمل لها. بعد 29 مارس 2019، ستدخل المملكة المتحدة مرحلة انتقالية ستبقى فيها عضوًا في السوق الموحدة والاتحاد الجمركي. وستضمن عدم فرض حدود قاسية في أيرلندا. ليس من المستغرب ألا تُعجب هذه الصفقة أياً من المتطرفين في بريطانيا أو ملايين الناس الذين صوّتوا للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
تواجه ماي الآن البرلمان باختيار قبول صفقتها أو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وتصرّ على أنه لا يوجد حل وسط آخر، وأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإنهاء النقاش الذي قسم البلاد. لكن مع وجود أغلبية ضعيفة في البرلمان، ليس من الواضح أن لديها الأصوات التي تحتاجها.
إذا فشل اقتراح ماي، سيدفع أصحاب البريكسيت المملكة المتحدة إلى المغادرة بدون صفقة على الإطلاق. لكن هذه النتيجة ستواجه معارضة كبيرة. ويريد آخرون بناء نتيجة على «النموذج النرويجي». ومن شأن ذلك أن ينطوي على العضوية في السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، مع قبول القواعد القانونية لكليهما، مع ضمان حرية التصرّف في مجالات أخرى. ويعتقد آخرون -بمن فيهم 700000 شخص شاركوا في مسيرة لندن في أكتوبر- أنه يجب أن يكون هناك «تصويت الشعب» على أي صفقة خروج نهائية.
الحجة ضد استفتاء ثانٍ هي أنه سيثير خلافا عميقا، خاصة إذا أدّى إلى عكس الاستفتاء الأول. لكن هذا سيخطئ الهدف. سيرفض حزب «أصحاب البريكسيت» المتشدد أي تسوية مع الاتحاد الأوروبي. كمثاليين أيديولوجيين، لن يكونوا راضين حتى تخرج المملكة المتحدة بالكامل من الاتحاد الأوروبي، ولو كان ذلك يعني القفز إلى الهاوية.
لحسن الحظ، من غير المرجح أن يقبل الرأي العام البريطاني هذا الخيار. لذا، مهما حدث، فإن مناقشة البريكسيت ستتعثر. في هذه الأثناء، يتعيّن علينا نحن البريطانيين الاعتذار لأصدقائنا في جميع أنحاء العالم. يجب أن يخرج مشهدنا الوطني من إيذاء الذات.

آخر حاكم بريطاني لهونج كونج ومفوض سابق في الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، هو مستشار جامعة أكسفورد.