المشكلة الإفريقية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٦/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٣٥ ص
المشكلة الإفريقية

كوبس فان شتادن

لم تكن هذه سنة سهلة بالنسبة لمجموعة العشرين فقمة 2018 التي ضمت قادة أكبر اقتصادات العالم وأقيمت في بيونس آيرس وهي مدينة ما تزال تترنح من انهيار العملة وبشكل عام تعقد القمة في خضم تفكك النظام متعدد الأطراف فكل شيء من الناتو إلى التوافق المتعلق بالتغيّر المناخي يبدو أنه يتفكك.

لكن ومع ذلك فإن مجموعة العشرين تعتبر نفسها منذ فترة طويلة قادرة على حل المشاكل العالمية حيث نشأت تلك المجموعة بعد الأزمة المالية الآسيوية سنة 1997 وبرزت لاحقا لذلك كمنتدى عالمي رئيسي لمعالجة آثار الانهيار المالي سنة 2008 وبعد عقد من ذلك التاريخ فإن هناك أزمة عالمية على الأجندة مرة أخرى ولكن هذه المرة فقد أخذت شكل الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

لكن بخلاف سنة 2008 فإن قدرة العالم على اتخاذ القرارات متعددة الأطراف في تدهور فالاتحاد الأوروبي يبقى مشغولا بنزاعاته الداخلية والولايات المتحدة الأمريكية تحت ظل حكم الرئيس دونالد ترامب قد تخلت عن التعددية وأضعفت المؤسسات الضرورية لحل التحديات المعقدة مثل تهديد العمال التقنيين بسبب الأتمتة كما توجد هناك أيضا تأثيرات الحمائية التي تبنّتها إدارة ترامب ولقد أشارت منظمة التجارة العالمية مؤخرا إلى أنه ردا على الرسوم الجمركية للولايات المتحدة الأمريكية، قامت بلدان مجموعة العشرين بفرض حوالي 40 قيدا جديدا على الواردات مما يؤثر على ما يعادل 481 بليون دولار أمريكي من التجارة العالمية- زيادة بمقدار ستة أضعاف مقارنة بالعام الذي سبقه.
لكن بينما تنسحب الاقتصادات العملاقة على مستوى العالم من التعددية، فإن إفريقيا كانت تسير بهدوء في الاتجاه المعاكس ففي وقت سابق من هذا العام، اتفقت بلدان القارة على اتفاقية تجارة قارية حرة إفريقية جديدة والتزمت بالسعي لمزيد من التكامل الاقتصادي وفي البنية الأساسية عبر الحدود وذلك ضمن إطار الاتحاد الإفريقي وكما نصت عليه أجندة الاتحاد الإفريقي 2063.
لكن رغم تبنّيها للتعددية، عانت إفريقيا من أجل جذب انتباه مجموعة العشرين فجنوب إفريقيا هي الدولة الإفريقية الوحيدة في مجموعة العشرين حيث يتوجب على جنوب إفريقيا أن توازن بشكل مستمر بين التحدث من أجل خدمة مصالح القارة وبدون فرض صوتها على جاراتها. صحيح أن ممثلين عن الاتحاد الإفريقي والشراكة الجديدة للتنمية الإفريقية يحضرون قمم مجموعة العشرين ولكن الدول التي تتبوأ الرئاسة الدورية لكل من تلك المؤسسات ليست لديها القدرة دائما على التمثيل القوي نيابة عن القارة. إن ما يزيد من تفاقم هذه المشكلة هو النطاق المحدود لتعاملات مجموعة العشرين مع إفريقيا فعوضا عن إشراك إفريقيا في المناقشات الأشمل المتعلقة بصياغة التجارة العالمية والتغيّر المناخي ومستقبل العمل، فإن مجموعة العشرين قد جعلت ارتباطاها مع القارة يقتصر على معالجة القضايا التنموية الأضيق. في واقع الأمر فإن الفجوة الكبيرة في إفريقيا بالنسبة للبنية الأساسية والتكامل الإقليمي البطيء والمستويات العالية من البطالة كلها تنبع من نقص في التنمية. لا يوجد أحد يقول إنه يتوجب تجاهل التنمية ولكن يجب ألا تكون نقطة التركيز الوحيدة فعندما ينحصر الارتباط العالمي مع إفريقيا بالتنمية فحسب، تصبح القارة هي فقط عبارة عن مجموعة من المشاكل يتوجب على اللاعبين الخارجين حلها وهذا التوجه يحرم إفريقيا من المشاركة كعضو شرعي وعلى قدم المساواة ضمن المجتمع الدولي فلو لم تستطع الحصول على مقعد على الطاولة فربما ستكون أنت جزءا من قائمة الطعام.
طبقا للوضع الحالي فإن معظم ارتباط مجموعة العشرين بإفريقيا يحصل من خلال مجموعة العمل التنموي الخاصة بها والتي تركز على اللبنات الأساسية للتنمية مثل القضاء على الفقر وهذا يعني أن إفريقيا ليس لديها رأي في العديد من القضايا المتعلقة بالتنمية مثل البنية الأساسية وشكل الاقتصاد الرقمي والنظام المصرفي العالمي وكنتيجة لذلك فإن مشاكل رئيسية مثل الإقصاء الهيكلي لإفريقيا من الأسواق العالمية -والذي يعود بشكل عام إلى الدعم الزراعي المحلي للدول الأعضاء في مجموعة العشرين- لا يتم التطرّق إليها. إن هذا الأسلوب لا ينطوي على العدالة بالنسبة لإفريقيا كما ينطوي على المخاطر لمجموعة العشرين فإفريقيا تمثل المستقبل السكاني للعالم والمسار التنموي لإفريقيا سيؤثر بشكل متزايد على الاقتصاد العالمي وبحلول سنة 2050، ستكون نيجيريا ثالث أكبر دولة بالعالم من حيث عدد السكان وبحلول سنة 2100 سيكون ثلث سكان العالم من الأفارقة. إن من الواضح أن أي خطة مستقبلية تتوصل إليها مجموعة العشرين يجب أن تضع إفريقيا على قمة أولوياتها. إن حصر إفريقيا بمجموعة من التحديات التنموية لم يعد يجدي نفعا.
لكن مجموعة العشرين تستحق الإشادة بسبب اهتمامها المتزايد بإفريقيا في السنوات الأخيرة فخلال الرئاسة الصينية سنة 2016، قامت مجموعة العشرين بجعل التصنيع في إفريقيا على قمة أولوياتها واتبعتها «بالعقد مع إفريقيا» خلال الرئاسة الألمانية سنة 2017 وبدورها أطلقت الأرجنتين مبادرة خاصة بها تتعلق بإفريقيا ولكنها عملت على الاهتمام بتحسين التعاون مع القارة من خلال الدبلوماسية التي تعتمد على التواصل بين الشعوب.
إن العقد مع إفريقيا مصمم لتسهيل الإصلاحات الاقتصادية في طول القارة وعرضها وجذب الاستثمارات من مجموعات تمويل القطاع الخاص في الشمال العالمي ولكن رغم الأثر الطيب لتلك المبادرة بالنسبة للقادة الأفارقة فإن هذا العقد يساهم في استمرارية التوجه الذي يحصر الارتباط مع إفريقيا بالقضايا التنموية.
لو نظرنا للمستقبل، سنجد أنه يتوجب منح إفريقيا دورا أكبر في تحديد أجندة مجموعة العشرين. ستتأثر القارة بشكل غير متناسب بسبب تغيّر المناخ والهجرة الانتقالية ولكنها لن تكون قادرة على التعامل مع تلك التحديات لو تمت إعاقة التنمية بسبب النظام التجاري العالمي الذي يفتقر للمساواة.
إن هذه القضايا على الأجندة ولكن مناقشتها ستفتقر بشكل عام إلى وجهة النظر الإفريقية وهذا يجب أن يتغيّر فقد حان الوقت لحلول خلاقة من أجل جعل مجموعة العشرين أكثر تمثيلا وأكثر فعالية في ارتباطها مع العالم حيث إن مستقبلنا الجماعي يعتمد على ذلك.

باحث أول للسياسة الخارجية في المعهد

الجنوب إفريقي للشؤون الخارجية.