محمد الراسبي
من البديهي إن كان لديك منافس ولديك معلومات عنه مطلع عليها حينها تعتبر جزءا داعما وقويا كأحد قوام التنافسية لصالحك كونك ملكت أو حصلت على جزء من أسرار نجاح الطرف الآخر، وكلما توافرت لديك معلومات أكثر دقة عن منافسك زادت ثقتك فيما تقدمه وما سوف تقدمه مستقبلا، هذا ينطبق على جميع مناحي المنافسة التجارية في عالم توفر المعلومات والإحصاءات خاصة عندما يكون الطرف الآخر مؤثرا وكامل الجاهزية والذي قد يهدد ما تملكه ما لم تضع ذلك في الحسبان.
إن وجود مصادر أرقام ومعلومات موثوقة بشأن ما يقدمه المنافسون الرئيسيون بما في ذلك التغيّرات في استراتيجية وخطط التوسع، والمنتجات أو الخدمات الجديدة وحركة مبيعاتهم تسمى هذه المصادر أحياناً بالاستخبارات التنافسية والتي تمكنك من الحصول على معلومات عن المنافسين وبما يسمح لك بوضع استراتيجيات قصيرة وبعيدة المدى لذات السوق لمواجهة الإجراءات المتخذة من قبل الأطراف الأخرى المؤثرين والذين يكونون مصدر تهديدات لمؤسساتنا التجارية سواء في الإيرادات أو الخدمات أو حتى تقلص الوظائف نتيجة لذلك. إنه مثل الفريق الرياضي حين يتحرى مدربه نقاط قوة وضعف الفريق الخصم قبل المباراة ثم تبنى على تلك المعلومات القيّمة خطة اللعبة والتكتيك بناءً على ما تم رصده عن ذلك الفريق المستهدف والتي قد تنتج عنها نتيجة إيجابية.
إن شركاتنا التجارية الكبرى ذات الربحية منها والتي تتعدد منتجاتها وخدماتها وزبائنها وروادها سواء محليا أو إقليميا أو قاريا فإذا هذه الشركات حصلت على أي معلومة بمهارتها عن كل منتج يقدمه المنافس في السلطنة أو أرض مضيفة، ومن هو مستهلكه ونقاط بيعه والتي على ضوئها (أي المعلومات) سوف تبني الشركات ذات الإدارات الذكية والمهارات العالية خططها واستراتيجيتها المستقبلية إضافة لما لديها من البيانات والتحاليل الخاصة بها والتي من المفترض أن تكون متوفرة كذلك. عكس الشركات التي لا تملك المعلومات اللازمة والإحصائيات أو حتى مقومات الحصول عليها وما يجري حولها في السوق المحيطة نتيجة لذلك سوف تجد نفسها خارج التوقعات المرسومة متراجعة المستوى وقد تواجه نتائج غير حميدة لعدم بذل إدارتها الجهد والسعي لطلب الحصول على المصادر (المشروعة) في دعم معلوماتها بهدف التحليل والتخطيط السليم.
إذن الشركات الربحية الناجحة هي من يجب أن تطوّر من بيئتها المعلوماتية في المجال الذي تعمل فيه وتحصل على كل ما يعزز به عملياتها الإستراتيجية لكي يتناسب مع كل خط من خطوط الإنتاج خاصة تلك الشركات التي تتوفر لديها المقومات المادية والبشرية لأن ما يقابله في الجهة الأخرى منافس يعرف ما يريد ومستهلك واع يحتاج ما يناسبه من مزوّد ذلك المنتج أو الخدمة والحفاظ عليه يتطلب الدقة والتحليل وتطبيق ما يوازي ذلك التحدي من الغير. لا تتفاجأ بأن هناك كثيرا من الشركات العالمية ومنها الإقليمية، لديها تدفق كم هائل من المعلومات التنافسية عن حركة السوق بصفة عامة وحركة مبيعات منافسهم المباشر اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية وحركة أسعارهم السوقية ونوعية مستهلكيهم أو زبائنهم والذي يمكّن المؤسسة من معرفة قوة منافسيها وحصتهم السوقية ومن يبيع لها من الموزعين وحصة بيعهم في السوق ونقاط البيع لهم.
من هذه النماذج بعض من خطوط الطيران والتي لها وجهات عنكبوتية منسوجة في أكثر من دولة وقارة ولكل وجهة أكثر من رحلة والمسافرون هم شتى الأعراق والثقافات متباينين ماديا سواء المسافرين من دولهم أو المتوجهين إليها أو عبرها وهم بالملايين، منهم من يختار أفضل نوعية الطائرات أو أقل سعرا أو أفضل وقتا للسفر أو أقل عدد ساعات طيران دون توقف الخ..، وإن من يقدّم أفضل منتج أو خدمة مما ذُكر يكون الأكثر جذبا لأكبر عدد من المسافرين وهذا بفضل امتلاك المعلومات ومراقبتها وتحليلها أولا بأول وبصفة يومية عن منافسيهم والتي تُبنى عليها ردة الفعل السوقية.
في السلطنة لدينا شركات وطنية ذات إمكانيات عالية ماديا وبشريا ولكنها قد لا تُعير لمنافسيها الاهتمام ليس لأنها مستحوذة على السوق وتعتقد أنها ستستمر على ما هي عليه من نجاح ولكن قد تتفاجأ يوما أنها خارج المنافسة وأنها لا محالة سوف تخسر شيئا مما بنته لعدم تحوطها من مهددات المنافسين الآخرين سواء شركات من داخل السلطنة أو خارجها.
علينا أن نأخذ بيد مثل هذه الشركات على محمل الجد في كل ما يلمس ويؤثر عليها سواء حكومية أو أهلية أو مساهمة وأن تحصّن نفسها بالمعلومات والأرقام اللازمة لمواجهة التحديات من قبل الآخرين والذين فتحت لهم السوق المحلية بصورة مشروعة ولكن خبرتهم وبحثهم وتحليلهم المعلوماتي عن الآخر قد يعطيهم الميزة في جذب المستهلكين أكثر من الشركات المحلية حينها تتقلص الفرص الربحية لشركاتنا متأثرة بالمنافسين بغض النظر عن جنسية هذه الشركات، وهذا شيء طبيعي في المنافسة ولكن ليس من الطبيعي أن تسمح لمنافسك أخذ حصتك بكل سهولة بعد أن كنت متسيّدا للسوق المحلية.
حتما إن لمثل هذه التأثيرات غير المحسوبة نتائج سوف تتدحرج وتلامس من يعمل في هذه الشركات من موظفين ويضر باقتصاد شركاتنا الكبرى أو حتى المتوسطة واقتصاد الوطن في الوقت الذي نحتاج فيه فرصة عمل واحدة في ظل شح الوظائف والتشبع الوظيفي وندرة الاستثمارات الأجنبية المنعشة والتي إذا استثمرت فإنها تستثمر بحذر وبأقل الخسائر وهدفها الاستحواذ على شيء من حصة السوق المحلية وهذا مشروع لها.
هذا لا يفهم منه أن يمنع المنافسين أو المستثمرين بل الأكيد التشجيع على ذلك لأنه في النهاية المستفيد حتما هو المستهلك من هذه المنافسة ويحكمه العرض والطلب وسوف تنتج عنها جودة الخدمة وتقليص الاحتكار وخفض الأسعار.
ينبغي على أصحاب القرار من مجالس الإدارات التركيز على شركاتهم والتي لها منافسون أو من الإمكان أن يكون لهم منافسون في المستقبل بأن تُعد العدة وتستعد لذلك بالحصول على المعلومات التنافسية اللازمة على قدر حاجتها، لأن هناك قادمين إن لم نُعرهم اهتماما فقدنا شيئا من أمننا الاقتصادي وتنافسيتنا السوقية.