الميــزة السكانية لإفريقيا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٢/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٥٦ ص

كارل مانلان

إن إفريقيا هي موطن لأكثر سكان العالم شبابا وأسرعهم نموا ومع وجود 20 مليون شاب يستعدون للانضمام لسوق العمل كل عام للعقود الثلاثة المقبلة، فإن القارة لديها فرصة لإحداث تحوّل في توازن النمو المحلي والعالمي تجاه تحقيق هدف إيجاد الوظائف ولكن من غير المؤكد تماما أنها ستتمكن من تحقيق ذلك.

حتى تستفيد الدول الإفريقية من هذه الميزة السكانية لإفريقيا، يجب أن تكون قوة العمل المستقبلية متعلمة ومدربة ولديها فرص توظيفية كافية علما أن إيجاد كل تلك العناصر لن تكون عملية سهلة.

إن وضع الاقتصاد الدولي يكتنفه الغموض فالتوترات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تهدد سلامة سلاسل القيمة العالمية كما أن الخروج البريطاني المرتقب من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤدي للمزيد من الاضطراب. لقد حذرت توقعات صندوق النقد الدولي لشهر أكتوبر من أنه بينما تتباطأ المحركات التاريخية للاقتصاد فإن النمو العالمي لهذا العام والعام المقبل يمكن أن ينخفض إلى 3.7 % وهو انخفاض بمقدار 0.2 نقطة مئوية مقارنة بالتقديرات الفائتة.
لكن بينما يتم تسعير هذا التباطؤ من قبل أسواق الأسهم حول العالم، فإن محركات جديدة للنمو ستظهر وإفريقيا مؤهلة لأن تكون إحدى تلك المحركات.
طبقا للبنك الدولي فإن ستة من أسرع اقتصادات العالم نموا موجودة في إفريقيا. إن التجارة البينية الإفريقية يمكن أن تكون بوابة النمو المحلي والعالمي المستقبلي بحيث تؤدي أعداد السكان المتزايدة في القارة إلى إيجاد فرص جديدة عبر الحدود والأهم من ذلك كله هو أن القوى العاملة في إفريقيا تقترب من توسع دراماتيكي واليوم فإن 60% من الأفارقة أصغر من 25 سنة و41% تحت سن 15 سنة وبحلول سنة 2050 فإن من المتوقع أن يصل عدد الشباب الأفارقة إلى 840 مليونا.
لكن هذه الكتلة الكبيرة من المواهب المتوقعة هي سيف ذو حدين فرغم النمو القوي للناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات العشر الماضية فإن غالبية الشباب في إفريقيا لم يستطيعوا الحصول على فرص اقتصادية وبالإضافة إلى ذلك فإن تقرير الاتحاد الإفريقي/‏منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «دينامية التنمية الإفريقية لسنة 2018» يشير إلى أنه لو استمرت توجهات أزمة العمل فإن الشباب في إفريقيا سيعانون أكثر من غيرهم. إن الفشل في توظيف الشباب الإفريقي بشكل كامل يمكن أن يؤدي إلى تهميش جيل كامل مما يؤدي إلى دفعه لسكة الاضطرابات والتي يمكن أن لا نكون مستعدين لها وحتى تشهد البلدان نموا طويل المدى تقوده الوظائف فإن توفير الفرص الجيدة في الزراعة يعتبر عاملا حيويا ولو لم يحدث ذلك وبقيت الوظائف الجيدة شحيحة فإن التوسع الاقتصادي والتي تعتبر إفريقيا مؤهلة لتحقيقه لن يحصل.
أي بعبارة أخرى فإن الحكومات الإفريقية تواجه موعدا نهائيا للمواءمة بين نمو الوظائف والتدريب على المهارات ولكن للأسف فإن قلة من البلدان حاليا تتعامل مع هذا التحدي بشكل فعّال.
طبقا لبنك التنمية الإفريقي فإن معدل الباحثين عن عمل في إفريقيا هو فعليا ضعف معدل البالغين وفي واقع الأمر فإنه يتم خذلان هؤلاء الشباب حتى قبل أن يبدأوا بالبحث عن عمل فالعديد من المدارس الابتدائية تعاني من نقص حاد في أعداد المعلمين وعلى سبيل المثال فإن التمييز بين الجنسين يحرم ملايين الفتيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية ومن أجل التغلب على أوجه القصور تلك هناك حاجة لاستثمارات كبيرة في رأس المال السياسي والمالي.
إن هناك بعض القادة يتحركون في هذا الاتجاه ففي منتدى باريس للسلام والذي عُقد في وقت سابق من هذا الشهر، اجتمع قادة إفريقيا والعالم لمناقشة الفكرة القوية وهي أن التعاون الدولي هو مفتاح معالجة التحديات والتحقق من وجود سلام دائم.
على هامش منتدى باريس للسلام كان التركيز على الشباب الإفريقي. لقد حضر مركز التعاون الشبابي للاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وهو واحد من 119 مشروعا تم اختيارها للمشاركة في المنتدى الاجتماع من أجل مناقشة أجندة الشباب للاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي. إن السعي لإشراك الشباب في إفريقيا وأوروبا في قرارات قد تؤثر عليهم الآن وفي المستقبل يعني أن هذه المبادرة تستهدف إظهار الاستراتيجيات المتعلقة بجعل إفريقيا وأوروبا تعملان معا من أجل التعامل مع تحديات مثل الميزة السكانية.
إن إحدى المقاربات للاستفادة من الازدهار السكاني الإفريقي هو التوسع في توفير المبادرات التدريبية والتي تعمل على المواءمة بين احتياجات أصحاب العمل والموهبة الإفريقية وكزميل سابق في برنامج قيادة إبراهيم فإنني شاهد على قوة التغيير الكبيرة للبرامج التعليمية ذات المستوى المرتفع وقيمتها كحاضنات للمهارات المرتبطة بالعمل.
إن نجاح إفريقيا يعتمد على قدرتها على استخدام ميزتها السكانية وذلك بتزويد شبابها بالمهارات التقنية والابتكارية والتي ستحفز النمو الاقتصادي. إن هذا يشمل التدريب والبرامج التي تركز على الزراعة وذلك من أجل استيعاب المهارات على طول سلاسل القيمة والتي تربط المواد الخام بالصناعات والأسواق في طول إفريقيا وعرضها.
بحلول سنة 2030 فإن واحدا من كل خمسة أشخاص في كوكب الأرض سيكون إفريقيا ونظرا للحجم وحده فإن القوى العاملة في إفريقيا لديها الإمكانية لتحريك النمو العالمي لعقود ولكن من أجل عمل ذلك يتوجب على الأفارقة تطبيق الإصلاحات اللازمة اليوم وبينما تصل ميزتنا السكانية لمرحلة النضوج فإنه يتوجب على الحكومات والمؤسسات والمنظمات المساعدة في وضع الشباب على طريق النجاح ولو استطاعت الدول الإفريقية مواجهة ذلك التحدي فإن النمو الاقتصادي الطويل -سواء في الوطن أو خارجه- سيكون هو المكافأة.

الرئيس التنفيذي للعمليات في مؤسسة ايكوبانك