الكفاءات العالية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٢/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٥٦ ص
الكفاءات العالية

اجاز غني

أكثر من 3 % من الناس يعيشون خارج البلد الذي ولدوا فيه. ولكن في حين أن حصة المهاجرين في سكان العالم ظلت مستقرة في معظمها طيلة ستة عقود، فإن تكوينها قد تغيّر. ونمت حصة المهاجرين ذوي المهارات العالية مقارنة بالمهاجرين ذوي المهارات المنخفضة بدرجة كبيرة، بسبب عولمة الطلب على المواهب. وهذا التطور له بُعد جغرافي واضح. ما يقرب من 75 % من جميع المهاجرين ذوي المهارات العالية يقيمون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا. أكثر من 70 % من مهندسي البرمجيات في سيليكون فالي هم من أصل أجنبي. لكن قادة اليوم يمكن أن يتخلفوا غدا.

هناك العديد من العوامل التي تدفع بالتغيير في تركيبة تدفقات الهجرة، بما في ذلك الثورة الصناعية الرابعة، وانخفاض تكاليف النقل والاتصالات (عادة ما يميل المهاجرون ذوو المهارات العالية إلى السفر بعيدا إلى بلدانهم المضيفة مقارنة بالمهاجرين الأقل مهارة)، وفرص التعليم المحدودة في البلدان الأصلية. لكن السبب الرئيسي هو الاعتراف المتنامي بأن رأس المال البشري يلعب دوراً رئيسياً في اقتصاد المعرفة اليوم.

«الحرب من أجل المواهب» متواصلة في جميع أنحاء العالم. وتسير الشركات التي تديرها مواهبها العالمية بشكل جيد. تصر معظم الشركات متعددة الجنسيات الآن على أن يحصل المديرون التنفيذيون ذوو الإمكانات العالية على خبرة عالمية من خلال العمل في بلدان أخرى، وقد جعلوا التنقل الدولي شرطا أساسيا للمناصب القيادية العليا. بعض أشهر الفاعلين في الاقتصاد العالمي -بما في ذلك Google و Microsoft و Alcoa و Clorox و Coca-Cola و McDonald’s و Pepsi و Pfizer- لديها رؤساء تنفيذيون مهاجرون.
رغم أن سباق المواهب العالمي قاد في البداية الدول المتقدمة لإنشاء تأشيرات خاصة لجذب المهنيين ذوي المهارات العالية، إلا أن المشاعر السياسية تجاه المهاجرين في تلك البلدان أضحت منذ ذلك الحين سلبية. وأصبح يُنظر إلى الهجرة على أنها تشكّل تهديدًا للعمال المحليين في الدول المضيفة، رغم أن الأدلة التجريبية تشير إلى أن تأثيرها في نزوح العمال صغير جدًا. في وادي السليكون، على سبيل المثال، لم تؤدِ الهجرة إلى انخفاض في الأجور أو إلى التراجع عن المهارات.
كما أن الأثر السلبي للمهاجرين على المالية العامة للبلد المضيف محدود للغاية. قد يفرض المهاجرون في البداية تكلفة صافية على مجتمعهم المضيف، لكنها صغيرة وأقل من تكلفة تعليم أطفال حديثي الولادة. والأهم من ذلك -هو أن المهاجرين ذوي مستوى التعليم العالي- يساهمون بشكل إيجابي في المالية العامة في البلدان المتقدمة؛ لأن هؤلاء العمال يدفعون ضرائب أكثر مما يستخدمون في السلع والخدمات العامة. كما أن تنقل المواهب العالمية مفيد أيضًا للبلدان المصدرة؛ لأنه يساعد على دمجها في الأسواق العالمية. وهذا يعوّض بعض أوجه القصور التي تواجهها الشركات في البلدان النامية نتيجة لانخفاض الاستثمارات العامة، وعدم كفاية التدريب والمعدات، ونقص الموارد المالية اللازمة لشراء تراخيص التكنولوجيا أو الملكية الفكرية. لا شك أن الهجرة ليست الطريقة المُثلى على المدى الطويل لتحسين الإنتاجية في اقتصاد المعرفة؛ لكنها تسرّع من انتشار التكنولوجيا في المدى القصير.
وهناك قوة أخرى فعّالة للتكامل الاقتصادي العالمي والتبادل وهي الإنترنت، التي ينظر إليها البعض كبديل للتنقل العالمي. ولكن بينما تسمح شبكة الإنترنت بتوفير بعض أشكال العمل عن بُعد، فإنها لم تقم بتهجير شبكات الشتات. رغم أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد قللت من أهمية وصلات الشتات التقليدية، إلا أن ابتكارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد استكملت أيضًا بهذه الروابط. على سبيل المثال، سمح تبادل المعرفة والتكنولوجيا من خلال روابط الهند مع الشتات بمساعدة هذا البلد بالقفز على مراحل التنمية التقليدية.
لدى صنّاع السياسة العديد من الأدوات لتحسين تنقل المواهب العالمي. إن الطبيعة متعددة الجوانب للقضية تتطلب المزيد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص. تعتبر الشركات والجامعات من المشاركين في سباق المواهب العالمي، لكن منظمات الحكامة العالمية، ومصارف التنمية متعددة الأطراف، ومجموعات المجتمع المدني، لديها أيضاً أدوار رئيسية تلعبها. وكذلك الحال بالنسبة للتكنولوجيا، التي تسمح الآن بحركة المواهب الافتراضية من خلال مؤتمرات الفيديو، والمنصات الرقمية، وتبادل العمل عبر الإنترنت، وغيرها من التطبيقات.

سيستمر سباق المواهب العالمي السريع حيث تتنافس البلدان والشركات على الأفضل والأذكى. وأصبحت البلدان متوسطة الدخل غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي -ولاسيما الصين والهند- وجهة متزايدة الأهمية للعمال ذوي المهارات العالية. ومع نمو هذه البلدان، فإن القوة الاقتصادية العالمية للاقتصادات المتقدمة ستستمر في التقلص. إن السباق مستمر.

كبير خبراء الاقتصاد لدى البنك الدولي