ارون جايتلي
نيودلهي- اليوم وأكثر من أي وقت مضى لا توجد دولة منعزلة في جزيرة لوحدها في إعادة صياغة لما قاله الشاعر جون دون . لقد أدركت الهند أيضا تلك الحقيقة حيث أصبحت مندمجة اندماجا كاملا في الإقتصاد العالمي عن طريق التجارة بالبضائع والخدمات بالإضافة الى تدفق رؤوس الأموال والتكنولوجيا والأفكار وبالطبع فإن الأعداد الكبيرة والمنتشرة من الهنود في الشتات يلعبون دورا فريدا في تقوية روابط الهند بالعالم .
تحتل الهند موقعا خاصا في هذا العالم وبينما تشعر العديد من البلدان –إقتصادات متقدمة ونامية على حد سواء- بالقلق النفسي المتزايد وحتى اليأس فإن الهند أصبحت منارة للأمل والتغيير الإيجابي والدينامية الإقتصادية.
لقد إستقر إقتصادنا وأنخفض التضخم وأصبح سعر صرف الروبية ثابتا كما إن إلتزامنا بالإنضباط المالي هو إلتزام قوي . إن من المتوقع أن النمو الإقتصادي والذي يعتبر الأسرع بين الإقتصادات الرئيسية سوف يشهد المزيد من النمو وعليه فإن من غير المفاجىء أن يتدفق المستثمرون إلى أسواقنا.
ومع شعورنا بالفخر بإنجازاتنا ، نحن ندرك أيضا مسؤولياتنا حيث أعلم إن الشعب الهندي قد أعطى الحكومة والتي أخدم فيها تفويضا للقيام بتغيير إقتصادي وإصلاحات سياسية جوهرية ونحن بدورنا سوف نحترم هذا التفويض والذي يتطلب منا في عصر العولمة أن نحقق نموا شاملا في الداخل والمشاركة البناءة على المستوى العالمي.
إن أحد الأسباب وراء التركيز على النمو الشامل هو أن الهنود اليوم مختلفين عن جيل فترة ما بعد الإستقلال وبخلاف ذلك الجيل فإن الغالبية الساحقة من الهنود اليوم –وحتى الأكثر فقرا- يعتبرون أنفسهم من الطبقة المتوسطة.إن هندي القرن الواحد والعشرين هو بالمعدل أصغر سنا مقارنة بأي مكان آخر في العالم تقريبا كما يشعر بالثقة والأهم من ذلك كله بالطموح . إن الهنود اليوم والذين شهدوا تغيرا إيجابيا وأختبروا حياة أفضل وحصلوا على فرصا أوسع يطلبون المزيد وهم محقون في ذلك. إن التحدي الذي يواجهنا هو تلبية توقعاتهم .
ولهذا السبب فإن النمو الشامل ليس تعويذة ولكن ضرورة وجوديه فنحن بلد كبير وبإختلافات عديدة في الطبقات واللغات والأديان بالإضافة الى العمر والجنس والاراء . إن الاحتفاء بتلك الإختلافات والمحافظة عليها سيكون مصدرا للغنى الثقافي والأفكار الجديدة. لقد وجد الإقتصاديون إن مثل هذه المجتمتعات غير المتجانسة تواجه تحديات أكبر في تعزيز النمو الإقتصادي والتنمية .
إن هناك مجال أكبر للصراع السياسي والذي قد يهدد السعي لتحقيق التنمية الإقتصادية . عندما يكون الناس مختلفين فهم يميلون الى عدم الثقة ببعضهم البعض مما يزيد من صعوبة حكمهم وقد يؤدي الى خيارات سياسية رديئة.
إن تحقيق النمو الشامل سوف يشكل الأساس من أجل المشاركة الهندية على المستوى الدولي . تنتهي سنة 2015 بجهدين رئسيين فيما يتعلق بالتعاون الدولي/المتعدد الأطراف وهما مؤتمر تغير المناخ في باريس ومفاوضات منظمة التجارة العالمية من اجل إختتام أجندة تنمية الدوحة في نيروبي علما أن الهند تنوي أن تكون لاعبا بناءا في كلا الجهدين لأسباب ليس أقلها إن لدينا الكثير على المحك .
إن الفياضانات الإخيرة في ولاية تاميل نادو تذكرنا بإن الهند على وجه الخصوص معرضة للتغير المناخي ولقد بذلنا جهودا كبيرة من أجل زيادة دور الطاقة المتجددة وتسعير الكربون بشكل مباشر وغير مباشر ودعم الإستثمارات العامة الصديقة للبيئة. نحن ندعو الإقتصادات المتقدمة إلى إتخاذ إجراءات من أجل تسعير الكربون وهو أمر أصبح مهما على وجه الخصوص في أعقاب الإنخفاض الكبير في سعر النفط وغيره من أنواع الوقود الإحفوري الأخرى. إن تعزيز الإبتكار في التقنيات الصديقة للبيئة بما في ذلك الفحم الأخضر هو العامل الوحيد الذي سوف يمكننا من إحداث توازن بين الحاجة الملحة لتوفير الطاقة لمئات الملايين من البشر وبين الوصاية الجيدة على كوكبنا.
إن الحكومة الهندية والشعب الهندي يدركون بإن التجارة هي محرك للنمو ومصدر للفعالية والدينامية . إن المشاركة المتعددة الأطراف بين الدول هي أفضل طريقة للتحقق من بقاء الأسواق العالمية مفتوحة للجميع وليس فقط للقله. إن المحافظة على منظمة التجارة العالمية وتنشيطها يتطلب إن يتم إختتام جولة الدوحة بنجاح . إن هدفنا يتمثل في التحقق من حماية مصالحنا التنموية وخاصة أرزاق ملايين المزارعين ومن ثم وضع إطار لإجندة تتحقق من أن تلعب المشاركة المتعددة الأطراف بين الدول دورا حاسما في المحافظة على الأسواق وفتحها في المستقبل لجميع الدول.
لقد قدم المهاتما غاندي والد الأمة أفضل وصف لكيف يمكن للهند أن تتعامل مع العالم حيث تمنى " ان تهب جميع ثقافات الأرض على منزلي بأكبر قدر ممكن من الحرية ولكني أرفض أن تطيح بي أرضا".
نحن لا نريد أن ينعزل الإقتصاد الهندي من جميع الجهات أو أن نغلق نوافذنا فنحن نريد أن تهب على البيت الهندي رياح التعلم والخبرة القادمة من الخارج ورؤوس الأموال الأجنبية والتكنولوجيا والريادة. سوف تتعامل الهند مع العالم بإنفتاح ولكن أيضا بثقة في قيمنا وتاريخنا الغني والمستقبل الواعد والتي تحمينا من الإطاحة بنا أرضا.
وزير المالية وشؤون الشركات والإعلام والبث في الهند .