مسقط - عبد الله بن خلفان الرحبي
احتفل بمجلس الدولة يوم أمس بإشهار الوثيقة العربية لحماية البيئة وتنميتها برعاية وزير البيئة والشؤون المناخية معالي محمد بن سالم التوبي وبحضور رئيس مجلس الدولة معالي د. يحيى بن محفوظ المنذري، ورئيس البرلمان العربي معالي د. مشعل بن فهم السلمي، وعدد من أصحاب المعالي الوزراء وأعضاء البرلمان العربي ورئيس مجلس الشورى سعادة خالد بن هلال المعولي، والمكرمين وأصحاب السعادة أعضاء مجلسي الدولة والشورى، وعدد من أصحاب السعادة السفراء العرب المعتمدين لدى السلطنة.
وبدأ حفل إشهار الوثيقة العربية لحماية البيئة وتنميتها بالقرآن الكريم، ثم ألقى الأمين العام لمجلس الدولة سعادة د. خالد بن سالم السعيدي كلمة المجلس رحب في مستهلها بوفد البرلمان العربي والضيوف الكرام في رحاب مجلس عمان.
وقال سعادته إن السلطنة تستضيف حفل إشهار الوثيقة العربية لحماية البيئة وتنميتها بالتزامن مع أفراح عيدها الوطني الثامن والأربعين المجيد، مؤكدا أن إشهار الوثيقة يعكس تنامي الاهتمام العربي بحماية البيئة، ويجسد الحرص على صونها من خلال رؤية شاملة، وإجراءات فعالة، وفي إطار تعاون إقليمي بناء يخدم البيئة العربية، ويسهم في تنمية الموارد الطبيعية لفائدة الأجيال الحالية والمستقبلية.
وأشار سعادته إلى أن السلطنة تولي اهتماما بالغا لحماية البيئة، وتبذل جهوداً عظيمة لصون مواردها، وذلك منذ فجر النهضة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه، حيث حرصت المرتكزات التشريعية للتنمية الشاملة على تكريس مبدأ المواءمة بين تحقيق أهداف التنمية، والحفاظ على البيئة وضمان استدامة الموارد، لافتا إلى أنه تم في هذا الشأن إنشاء أول وزارة للبيئة في عام 1984م، وإصدار العديد من التشريعات واللوائح لتنظيم جوانب العمل البيئي إضافة إلى تنفيذ عدد من المشاريع البيئية لصون وحماية الموارد الطبيعية.
واعتبر سعادته أن يوم البيئة العماني والذي يصادف الثامن من يناير من كل عام، أحد تجليات الاهتمام العماني بالبيئة، من خلال التأكيد على مشاركة كافة شرائح المجتمع في الجهود المبذولة لصون الموارد الطبيعية، توظيفا لسمات الشخصية العمانية التي تتجذر لديها مفاهيم حماية موارد البيئة.
وقال إن السلطنة تحرص على المشاركة الفعالة في الجهود الدولية المبذولة لصون البيئة وحمايتها، إيماناً منها أن التحديات البيئية لا تعترف بالحدود، ولا تتقيد بالجغرافيا، حيث انضمت إلى العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية في مجال الحفاظ على البيئة، والتزمت ببنودها تعزيزاً للتعاون الدولي، وتحقيقا لتكاملية الجهود الأممية في هذا المجال.
وأضاف: وتأتي جائزة السلطان قابوس لحماية البيئة والتي تعد أول جائزة عربية في المجال البيئي، تتويجاً لمواقف السلطنة، وشاهداً على جهودها في خدمة قضايا البيئة والتنمية، حيث إن الجائزة التي تُمنح من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أسهمت ومنذ تدشينها قبل نحو 30 عاما، في خدمة العمل البيئي من خلال تكريم كوكبة من المهتمين بشؤون البيئة أفرادا ومؤسسات على المستوى العالمي، وتسليط الضوء على إسهاماتهم المثمرة في الحفاظ على البيئة وإدارة مواردها.
وبين سعادته أنه كان لكل هذه المبادرات الرائدة، دور في أن تتبوأ السلطنة مكانة مرموقة بين الدول الساعية للحفاظ على البيئة، وأن تتمتع بسمعة طيبة إقليميا ودوليا في هذا المجال. موضحا أنه كان لمجلس عمان جهوده في المجال البيئي من خلال دراسته لعدد من مشروعات القوانين والدراسات خلال فتراته المتعاقبة منها: مشروع قانون حماية البيئة ومكافحة التلوث، ومشروع قانون تنظيم وتخصيص قطاع النفايات، إضافة إلى قيام مجلس الدولة بدراسة حول التلوث البيئي وتقديمه مقترحا لمراجعة التشريعات المنظمة لقطاع الصرف الصحي.
التوازن بين حماية البيئة والتنمية
عقب ذلك تم عرض فيلم وثائقي عن إنجازات السلطنة في مجال البيئة. ثم ألقى وزير البيئة والشؤون المناخية معالي محمد بن سالم التوبي كلمة أوضح فيها أن السلطنة عملت ومنذ بداية عصر النهضة المباركة على ترسيخ التوازن بين حماية البيئة ومتطلبات التنمية من خلال مراعاة الاعتبارات البيئية في مراحل التخطيط والتنفيذ لمشروعات التنمية، مشيراً معاليه إلى أنه تم إيلاء اهتمام كبير بإدارة القطاع البيئي لتأمين سلامة البيئة ومكافحة التلوث والمحافظة على النظم البيئية المختلفة في إطار الأهداف الأساسية للتنمية المستدامة وحماية الحياة الفطرية وصون الموارد الطبيعية والعمل على استغلالها بصورة مستدامة، إضافة إلى مراقبة وتقييم التغيرات المناخية من أجل الحفاظ على سلامة النظم البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ونشر الوعي والثقافة البيئية وغرس مفاهيم متطلبات التعامل مع البيئة والشؤون المناخية.
وقال معاليه: إن السلطنة تحرص على تقييم تجربة العمل البيئي بشكل مستمر بما في ذلك الجوانب التشريعية والمؤسسية بهدف تطويره ليتكيف مع المتغيرات البيئية المتلاحقة على المستوى العالمي، مشيراً إلى أنه وعلى امتداد نحو خمسة عقود من عمر النهضة المباركة جسّد العمل البيئي ركنا أساسيا في مسيرة العمل الوطني، وشكل لوحة مشرقة حافلة بالإنجازات تدين بالفضل والعرفان لباني النهضة وقائدها الملهم حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- وتوجيهات جلالته الدائمة بالحفاظ على البيئة باعتبار أن مواردها رصيد للتنمية وضمانة لتحقيق التقدم والرفاهية لأبناء هذا الوطن.
وأكد معاليه أن إطلاق الوثيقة العربية لحماية البيئة وتنميتها من مسقط يعد إضافة جديدة لمنجزات البرلمان العربي، وتأتي متزامنة مع الجهود المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات والسعي لتوفير بيئة صحية منتجة واقتصاد منافس يسهم في رفاهية وازدهار المجتمعات العربية، وما يشكله ذلك من ضغوط كبيرة على الموارد الطبيعية، وما ينجم عنه من أنماط مختلفة من التلوث وفقدان الموائل والتنوع الإحيائي إضافة إلى التحديات التي تواجه قطاع الأمن المائي والغذائي والمناخي وتدهور الأراضي، الأمر الذي يحتم التعاون والتنسيق بين الدول العربية والتي تتميز بتشابه كبير في الظروف التنموية والبيئية.
وقال معاليه: إن النجاح الكبير الذي يحققه مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة يعد إضافة للجهود المبذولة على المستويات الإقليمية ومنها دول مجلس التعاون الخليجي بالتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بالشأن البيئي. وأضاف: إن إشهار الوثيقة العربية لحماية البيئة وتنميتها إنجاز كبير وخطوة مهمة في استكمال المنظومة العربية لحماية البيئة وصون مفرداتها الطبيعية، وتعد صك التزام من الجانب العربي تجاه المؤسسات الدولية ذات العلاقة بالبيئة، كما يعد هذا الإشهار بمثابة إعلان عن كامل الاستعداد للارتقاء بمستوى الوعي والمعرفة البيئية ونقلها للمجتمع.
ألقى رئيس البرلمان العربي معالي مشعل بن فهم السلمي كلمة عبر فيها عن شكره وتقديره للسلطنة على احتضان حفل إطلاق الوثيقة العربية لحماية البيئة وتنميتها، مشيراً إلى أن ذلك يجسد اهتمامها بالبيئة باعتبارها من الدول العشر الأولى على مستوى العالم في الاهتمام بالبيئة، وأول دولة عربية تقدم جائزة عالمية باسم «جائزة السلطان قابوس لصون البيئة»، مثمنا ما حققته السلطنة من إنجازات وعلامات مضيئة على طريق التنمية، والسير بخطى حثيثة نحو النهضة وتحقيق الرفاهية والعيش الكريم للشعب العماني، كما عبر عن شكره لمعالي الدكتور رئيس مجلس الدولة على مشاركة المجلس للبرلمان العربي في إطلاق الوثيقة. وأشار معاليه إلى أن إطلاق الوثيقة من السلطنة يعد تكريماً من البرلمان العربي وتقديرا لجهودها في الاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها وتنميتها، حتى أصبحت تمثل نموذجا رائدا في هذا المجال ليس على المستوى العربي أو الإقليمي فحسب بل على المستوى الدولي. وقال معاليه إن اهتمام البرلمان العربي بإعداد هذه الوثيقة يأتي من واقع التحديات والصعوبات التي تواجه الأمة العربية في المجال البيئي، وتأكيدا للعزم على السير قدما إلى الأمام، وثقة بقدرة المجتمعات العربية وقيادتها على العبور لمرحلة أفضل، مضيفاً أن الهدف الأساسي من الوثيقة هو التوظيف الأمثل لموارد الأمة ومصادرها وما تملكه من ثروات بشرية ومقومات اقتصادية ومعطيات اجتماعية وموارد طبيعية هائلة. وسعيا للمساهمة في الحفاظ على البيئة العربية وتوازنها وحماية الموارد الطبيعية في الدول العربية وتحقيقا للتنمية الشاملة والمستدامة، ورعاية لحقوق الأجيال القادمة. وبين معاليه أن الوثيقة العربية لحماية البيئة وتنميتها نتاج لمناقشات مستفيضة، ودراسات معمقة عكفت عليها لجنة الشؤون الاجتماعية والتربوية والثقافية والمرأة والشباب في البرلمان العربي وأقرها البرلمان، واعتمدها مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التاسعة والعشرين التي عقدت في المملكة العربية السعودية في شهر أبريل الفائت، لتؤسس لرؤية شاملة لمفهوم البيئة وضرورة حمايتها استنادا إلى تعاليم الشريعة الإسلامية الغراء، وقيم الثقافة العربية الأصيلة، ومبادئ حقوق الإنسان الراسخة والتي تؤكد على العيش في بيئة آمنة ونظيفة وملائمة لتحقيق تنمية مستدامة يكون المواطن العربي هو هدفها. وأوضح معالي الدكتور رئيس البرلمان العربي أن الوثيقة تعتبر تشريعا مرجعيا عربيا لحماية البيئة وتنميتها، وتؤكد على الترابط بين حماية البيئة والتنمية المستدامة بأبعادها المختلفة، لافتا إلى تزايد الاهتمام العالمي بذلك لارتباطه بمواجهة التغيرات المناخية التي تهدد كوكب الأرض والمنطقة العربية على وجه الخصوص. وبين معاليه أن الوثيقة تركز على مفهوم الأمن البيئي العربي كأحد أهم ركائز الأمن القومي العربي، استشعارا للمخاطر التي تتعرض لها البيئة في الدول العربية من تهديدات متصاعدة، وانتهاكات متواصلة تؤدي إلى استنزاف مواردها الطبيعية، لافتا في هذا الصدد إلى أثر الممارسات المسيئة والإجرامية التي تتبعها قوة الاحتلال الغاشمة بحق البيئة بدولة فلسطين المحتلة. وثمن معاليه في ختام كلمته جهود الدول العربية لحماية البيئة وتنميتها، مؤكدا على أهمية دور المجالس والبرلمانات في الدول العربية لسن تشريعات في صورة قوانين للمحافظة على البيئة العربية وصونها.
نموذج رائد