التعليم متعددالفتـرات

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٧/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٢:٢١ ص

زارا كياني

حظيت الحاجة إلى دعم الحق في التعليم بقدر كبير من الاهتمام في السنوات الأخيرة. إن ضمان «التعليم الجيد الشامل والمنصف للجميع» هو من أحد أهداف التنمية المستدامة الـ17 التي صادق عليها قادة العالم في عام 2015. ولكن تحقيق هذا الهدف بحلول الموعد المستهدف لعام 2030 من أهداف التنمية المستدامة سيتطلب منا الاستخدام الذكي للموارد المحدودة.

إن حجم هذا التحدي هائل للغاية. في باكستان، على سبيل المثال، هناك حوالي 22.8 مليون طفل خارج المدارس، 78% منهم تتراوح أعمارهم بين 10 و16 سنة. وما يصل إلى 44% من الأطفال الباكستانيين الذين أنهوا دراستهم الابتدائية لا يلتحقون بالتعليم الثانوي بعد ذلك.

إن المشكلة ليست أن الأطفال لا يرغبون في الدراسة. تشير منظمة اليونيسيف واليونسكو إلى أن المشكلة تتعلق إلى حد كبير بالعوائق الموجودة والظروف الصعبة، بدءا من نقص المدارس التي يمكن الوصول إليها (سواء كانت مكتظة أو بعيدة جداً) إلى عدم توافق سبل العيش مثل مواعيد الحصاد مع جداول الحصص المدرسية.
في السنوات الأخيرة، تم إطلاق العديد من المبادرات لمعالجة هذه المشاكل، ومن بينها برنامج يدعى «التحول المستدام والاحتفاظ بالتلاميذ في التعليم» (STRIDE)، والذي تم تنفيذه في مقاطعتي البنجاب وخيبر بختونخوا في باكستان. يركز هذا البرنامج على إزالة الحواجز التي يواجهها الطلاب في الانتقال من التعليم الأساسي إلى التعليم الثانوي.
في عامه الأول، شمل هذا المشروع التجريبي أربع مناطق، وأعطى لحوالي 8000 شاب فرصة ثانية. وبعد النتائج الإيجابية الأولية، يتم الآن توسيع نطاقه ليشمل منطقتين أخريين من خيبر بختونخوا. من أجل تحقيق النجاح يجب الاستمرار في استخدام البيانات لضمان تصميم التخطيط والتمويل حسب العرض والسياق.
تُظهر البيانات اختلافات كبيرة بين القرى والمقاطعات من حيث الانتقال والتعليم الإضافي من قبل كل طالب. يمكن إلقاء اللوم على الطلاب في ذلك ببساطة، ولكن عند الفحص الدقيق، نجد أنه لا توجد مدرسة ثانوية قريبة، أو أن أقرب مدرسة مكتظة بالفعل.
هذا ما حدث مع جول محمد، وهو زوج يبلغ من العمر 22 عاماً وأب لطفلين من مقاطعة كوهات في إقليم خيبر باختونخوا. للبقاء في المدرسة بعد الانتهاء من الصف الثامن قبل سبع سنوات، كان على جول أن يقطع أكثر من ستة أميال ذهابا وإيابا سيرا على الأقدام. كان ذلك أبعد ما يكون عن المشي، لكنه لم يكن لديه المال للذهاب إلى المدرسة بالسيارة أو الحافلة.
لذا قرر جول العمل مع والده في المزرعة، على أمل أن يتمكن من تعليم نفسه خلال وقت فراغه. ومع مرور الوقت، بدأ يتساءل عما إذا كان سيتمكن من العودة للمدرسة من جديد، ويخشى أن يشكل عمره عقبة في طريقه.
وبفضل برنامج «التحول المستدام والاحتفاظ بالتلاميذ في التعليم»، تمكّن جول من ولوج المدرسة الثانوية في سبتمبر 2017. لتسهيل تنقله، تم منحه دراجة مجانية. والأهم من ذلك، أنه تمكن من الاستفادة من «الفترة الثانية»: تبدأ الفصول بعد الظهر، مما يتيح للطلاب مواصلة العمل في الصباح.
إن التعليم الثانوي جد ضروري بالنسبة للطلاب العاملين. في البرازيل، على سبيل المثال، تم إدخال نظام ثلاث فترات للتعليم الثانوي العالي، مما يسمح للشباب بالتوفيق بين ساعاتهم المدرسية والتزاماتهم بالعمل. تشير تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن 43% من الطلاب الذين يعملون بدوام كامل استفادوا في عام 2013 من الدراسة في الفترة المسائية.
علاوة على ذلك، يمنح التعليم متعدد الفترات المعلمين فرصة لرفع دخلهم من خلال العمل في المساء، مع تحقيق أقصى استفادة من البنية الأساسية التعليمية الحالية. ووفقاً لمنظمة اليونسكو، فإن حالة التعليم في المرحلة الثانية تكون قوية بشكل خاص في البلدان النامية، حيث غالباً ما تكون الأراضي المناسبة نادرة، مما يرفع تكلفة بناء مدارس جديدة. كجزء من برنامج «التحول المستدام والاحتفاظ بالتلاميذ في التعليم»، أضافت 180 مدرسة في مقاطعتي البنجاب وخيبر باختونخوا فترة ثانية، مما وفّر حوالي 12 مليون دولار في تكاليف البناء.
وفي لبنان، على سبيل المثال، يتجاوز تدفق الأطفال اللاجئين من سوريا إمكانيات نظام التعليم. كان هؤلاء الأطفال على وشك فقدان سنوات من التعليم -وهم يأملون في مستقبل أفضل- لو لم تعتمد مدارس لبنان نظام فترة ثانية لتسجيلهم.
يوافق المجتمع الدولي على أن لكل شخص الحق في الحصول على تعليم جيد. ورغم عدم وجود إجماع حول كيفية دعم هذا الحق، إلا أن هناك تدبيرين واضحين. أولاً، نظراً للعديد من العوامل المتعلقة بالعرض والتي تؤثر على وصول الجميع إلى التعليم، يجب تكييف الحلول مع الاحتياجات والظروف المحلية. ثانياً، مع انخفاض الميزانيات العامة، يجب على المسؤولين تحقيق أفضل استخدام ممكن للموارد المتاحة.
يُلبّي التعليم المدرسي متعدد الفترات كل المعايير. لا يوجد مثال مقنع أكثر من حالة جول. لم يمضِ وقت طويل على فقدانه الأمل في العودة إلى المدرسة. واليوم، اجتاز امتحانات الصف التاسع وحصل على المرتبة العاشرة. لقد أعطاه نظام الفترة الثانية فرصة ثانية -وكذلك بالنسبة لملايين آخرين من الشباب مثله.

زميلة أبحاث في معهد العلوم الاجتماعية والسياسية (I-SAPS) في إسلام أباد، باكستان.