الدولارات تتدفق من الأطباء

الحدث الثلاثاء ٢٧/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٢:١٩ ص
الدولارات تتدفق من الأطباء

هافانا - أ ف ب-وكالات

بعد انتقادات حادة للرئيس البرازيلي المنتخب جاير بولسونارو بشأن الأطباء الكوبيين العاملين في البرازيل في إطار منظمة الدول الأمريكية للصحة، يواصل هؤلاء الأطباء مغادرة البرازيل إلى هافانا على دفعات، ضمت أولها نحو 430 طبيبا بعد أن قررت هافانا تعليق برنامج مشترك انتقده الرئيس البرازيلي المنتخب جاير بولسونارو. وكانت كوبا أعلنت قبل أسبوع تخليها عن البرنامج الذي تشارك فيه الجزيرة منذ 2013 عن طريق منظمة الدول الأمريكية للصحة.

وتتمثل انتقادات الرئيس البرازيلي المنتخب جاير بولسونارو في كونه اشترط لوجود هؤلاء الأطباء إعادة تقييم قدراتهم في اختبارات وكذلك تسليمهم أجورهم بالكامل والسماح لهم باستقدام عائلاتهم.
وكان مئات من هؤلاء الأطباء ينتظرون في مطار برازيليا رحلتي تشارتر لإعادتهم إلى بلدهم.

مزيد من الأطباء

وبدأت عملية إعادة الأطباء الذين يعملون في البرازيل في إطار برنامج «مزيد من الأطباء»، بمجموعة أولى ضمت 430 طبيبا عادوا إلى هافانا. وفي المجموع سيعود 8300 طبيب إلى كوبا قبل 12 ديسمبر.
وكتب الرئيس الكوبي ميجيل دياز كانيل في تغريدة على تويتر «صباح الجمعة -الفائت- بدأ رسل الصحة الكوبية العودة إلى وطنهم. نرحّب بالرجال والنساء والذين صنعوا تاريخ البرازيل. أهلا بكم في بيتكم».
وتدفع كوبا لهؤلاء الأطباء خلال مهمتهم ثلاثين بالمئة فقط من الأجر بينما يموّل الباقي الميزانية الوطنية. وهم يحتفظون بوظائفهم في الجزيرة، لكن بولسونارو شبّه هذه الشروط بـ»العبودية» وأكد أنه يرفض تمويل «الحكم الديكتاتوري الكوبي».
وكتبت مسؤولـة أمريكا اللاتينية في وزارة الخارجية الأمريكية كيمبرلي براير في تغريدة «أمر رائع أن نرى الرئيس المنتخب بولسونارو يصر على تسلم الأطباء الكوبيين في البرازيل كل أجورهم بدلا من السماح لكوبا بالحصول عليها لخزانة النظام».

في عدة بلدان

ويعمل الأطباء والمسعفون الكوبيون حاليا في 67 بلدا في إطار سياسة يطلق عليها اسم «القمصان البيض» ومستمرة منذ السنوات التي تلت انتصار الثورة التي قادها فيدل كاسترو في 1959.
وتشكل هذه الخدمات المصدر الرئيسي للدخل للجزيرة وتؤمّن حوالي 11 بليون دولار من العائدات السنوية، أي أكثر من عائدات السياحة والتحويلات المالية للمهاجرين.
وكانت مجموعة من 196 طبيبا كوبيا عادت الخميس إلى هافانا. وذكرت الوكالة الكوبية للأنباء (رسمية) أن الأطباء وصلوا «سعداء لأنهم أتموا مهمتهم بالكامل» لكنهم أيضا «قلقون مما ينتظر هذا الشعب (البرازيلي) مع الرئيس الجديد المنتخب».

المبادئ ليست للتفاوض

وقالت نائبة وزير الصحة الكوبي ريجلا أنجولو التي حضرت إلى المطار لاستقبال الأطباء، إن سحب هؤلاء الأطباء «سيؤيده أطباؤنا، لأن المبادئ والكرامة ليست مطروحة للتفاوض».
وأوضحت وزارة الصحة الكوبية أن حوالي 20 ألف طبيب كوبي عالجوا منذ أغسطس 2013 أكثر من 113 مليون مريض في البرازيل.
وأوضح مصدر دبلوماسي برازيلي أن سحب الأطباء يفترض أن ينتهي في 24 ديسمبر. وأوضح أن ستة آلاف طبيب كوبي سيعودون إلى بلدهم بينما سيبقى ألفا طبيب في البرازيل بسبب روابط عائلية.

جذب أمريكي

من أجل إضعاف الحكومة الكوبية وتضييق الخناق عليها، تبنّت وزارة الخارجية الأمريكية بالتعاون مع جهات متخصصة خطة مدروسة لجذب الأطباء الكوبيين إلى الولايات المتحدة، ويعمل آلاف منهم في 77 دولة حول العالم. وقد تم إطلاق برنامج «المساعدة التضامنية» في 2006، في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة في هافانا الحد من هجرة العقول إلى الخارج.

رفض كوبي

وترفض الحكومة الكوبية تصديق شهادات الأطباء لكي تصعب عليهم الحصول على عمل في أمريكا، ومن ثم تثنيهم عن الهجرة. ويعمل عدد كبير من الأطباء في إفريقيا وآسيا وأدغال أمريكا اللاتينية، ويحظى هؤلاء باحترام الناس ويتمتعون بشعبية كبيرة. والسبب يعود إلى الكفاءة العالية التي يتميز بها الخريجون من كليات الطب الكوبية، فضلاً عن قبولهم بالعمل في ظروف صعبة وعلاج أمراض خطيرة، إذ يعالجون المصابين بالجذام في تايلاند وضحايا الكوليرا في هايتي. وفي المقابل، يتقاضى الأطباء العاملون في البرنامج رواتب غير مجزية (500 دولار شهرياً)، الأمر الذي جعل بعضهم يفضل الهجرة إلى أمريكا أو طلب اللجوء السياسي إليها.

إطلاق سراحهم

في 2006، أطلقت وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي أيه»، برنامج «إطلاق سراح الكوادر الطبية الكوبية»، من أجل سرقة العقول الكوبية، وكان الهدف من ذلك إضعاف النظام الصحي والحكومة في كوبا. في هذا السياق، قالت منظمة «تضامن بلا حدود»، التي تتخذ من ميامي مقراً لها، إن نحو 200 طبيب أسنان كوبي، كانوا قد تركوا وظائفهم في برنامج المساعدات حول العالم، ولم يتمكنوا من العمل في الولايات المتحدة؛ لأن السلطات الكوبية رفضت تصديق شهاداتهم. ونقلت صحيفة أمريكية قصة الطبيبة داشا فرياس، التي غادرت بعثة إنسانية موجودة في «باريو أدنترو»، في فنزويلا، سراً، وانتقلت إلى أمريكا عبر كولمبيا. ولم تتمكن الطبيبة من الحصول على فرصة عمل؛ لأن شهادتها غير مصدقة. وفي النهاية اضطرت للعمل كأمينة صندوق في أحد النوادي الليلية في ميامي.

الإجراءات الأمريكية

والمشكلة أن الأطباء الذي يحلمون بوضع أفضل في أمريكا لا يعلمون ما قد يحصل لهم من دون شهادات مصدقة. ويقول منتقدون إن الإجراءات الإدارية المعقدة في المؤسسات الرسمية الأمريكية تلعب دوراً في هذه المشكلة. وترفض السلطات منح الإقامة للكوبيين المنتمين للحزب الشيوعي، إضافة إلى ذلك، يطلب من الأطباء اجتياز امتحاني اللغة الإنجليزية والمهارة المهنية.

رحلات سرية

وتقول مصادر صحفية إن ما لا يقل عن 3000 طبيب فروا إلى الولايات المتحدة عبر طرق مختلفة، خلال السنوات الأخيرة. ويلجأ البعض إلى رحلات سرية بين مدارج طائرات داخلية في بلدان لاتينية ومطارات في جنوب أمريكا. إلا أن صحيفة «وول ستريت جورنال»، تقول إن الرقم مبالغ فيه، وأشارت إلى أرقام رسمية حصلت عليها من مصادر حكومية، تقول إن 1574 طبيباً كوبياً طلبوا اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، خلال السنوات الأربع الفائتة، منهم 1.89 % فقط يعملون في برنامج المساعدات. ورغم الحصار الذي تفرضه واشنطن على كوبا، منذ عقود، فإن هافانا استطاعت أن تصدر نحو 37 ألف طبيب في مختلف التخصصات للعمل في 77 بلداً، الأمر الذي يعتبر ظاهرة غير مسبوقة.