«مابا مغربية»

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٦/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٤:١٩ ص
«مابا مغربية»

باميلا كسرواني

تحكي عزيزة غلام، مؤسسة الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة بشكل مكثّف عن مشكلة الإنجاب والعقم ودور الجمعية في كسر حاجز الصمت ومساعدة العائلات المغربية في تخطي المعاناة النفسية ونظرة المجتمع.

نادراً ما نسمع أحدهم في منطقتنا العربية يتحدث عن مشكلة إنجاب الأطفال براحة ومن دون خجل. فقد جعلت مجتمعاتنا الإنجاب أمراً لا بد منه حالما يتزوّج أي شخصين وكلّ تأخير تُشار إليه الأصابع وتعلو الأصوات «الشامتة» من دون الأخذ بعين الاعتبار ما قد يمرّ به الزوجان.

مشكلة الإنجاب أو الخصوبة ليست جديدة على أي مجتمع ومنه المغربي. وفي حين تكثر المراكز المتخصصة في تقديم المساعدة الطبية، ولِدت مؤسسة لتُعالج مشكلة أخرى متعلقة بهذه الصعوبات ألا وهي المعاناة النفسية والاجتماعية والمالية.
فتخبرنا عزيزة غلام، مؤسسة «الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة» (مابا)، أن الأخيرة وليدة تجربتها الشخصية. فتفصح لنا «تجربتي الشخصية كانت دافعاً قوياً بعد أن تعذر عليّ تحمّل الجرح النفسي العميق عن فشل جميع محاولاتي لتحقيق حلم أمومتي». وتتابع «قبل تأسيس الجمعية، لم نكن نجد فضاء أو فسحة للحديث عما يدور في ذهننا من أفكار، حيث يمكن أن نتبادل الحوار مع من يتقاسمون معنا الهموم والمساعي نفسها لأن شعور المحروم من الأمومة أو الأبوة لن يفهمه، في تقديري، إلا من عاش هذه التجربة».
فهكذا ولدت «مابا» تدريجياً. فتحوّلت فترة جلوس غلام مع نساء أخريات في قاعات انتظار العيادات حيث حصلن على فرصة لنسج علاقات إنسانية وتبادل الأفكار والهواجس والتجارب ومقارنة نتائج العلاجات إلى أن تطورت للقاءات فاتصالات هاتفية في أي ساعة من اليوم لسرقة بعض لحظات الارتياح ومن ثم تبلورت إلى جمعية رسمية. فبالفعل، ما زال موضوع صعوبة الإنجاب في مجتمعاتنا مشكلة إذ يتألم الزوجان بصمت. فمن جهة، يواجه الزوجان نظرة المجتمع التي تحسّسهم بأنهم «عاجزون عن إنجاح مؤسسة الزواج التي ينظر إليها المجتمع على أنها لا تستقيم ولا تستمر إلا بالأطفال»، على حد قول غلام. وتضيف «ومن جهة أخرى، هناك الشعور بالذنب تجاه الطرف الآخر في العلاقة الزوجية، وهو ما يتسبب في مشاكل نفسية متنوعة، والشعور بقلق وخوف من تأثر العلاقة الزوجية بسبب هذه الصعوبات التي تخرج عن إرادة واختيارات الطرفين».
ودعونا لا ننسى الألم الذي يعانيه كل من الزوجين على حدة، فيُحرج الرجال إذ يجري الخلط بين الفحولة والخصوبة. أما النساء، فيخشَين الحديث حول الموضوع، لتفادي تأثر العلاقة الزوجية تحت الضغوطات النفسية والاجتماعية التي تمارس على الزوج، تداعيات نفسية تتراوح بين الإحباط والقلق والاكتئاب.
ولذلك، تنظّم «مابا» مجموعة من الندوات الوطنية والحلقات العلمية وحلقات الدعم النفسي، من أجل المساعدة النفسية وإنما أيضاً رفع التوصيات والمطالب. فتذكر لنا غلام أهمية «توفير قانون للمساعدة الطبية على الإنجاب يكفل حقهما في خدمات صحية ذات جودة». وتتابع «نطالب الوكالة الوطنية للتأمين الصحي أيضاً بالعمل على تسريع وتيرة اتخاذ الإجراءات الكفيلة التي تشمل كل ما يتعلق بالتشخيصات والعلاجات الخاصة بضعف الخصوبة، مع تعديل مسار التغطية الصحية المعمول به حالياً، والذي يشترط استصدار تراخيص من مختبرات الأدوية لإدراج علاجات ضعف الخصوبة ضمن لائحة الأدوية المشمولة بالتغطية الصحية».
فالتغطية الصحية أساسية لأن الأسر التي تواجه صعوبات في الإنجاب تتخبط أيضاً في عجز مالي كبير عن سداد نفقات العلاجات والفحوصات والتحاليل البيولوجية لغلاء كلفتها. فتخبرنا غلام «كثيرون لا يتبعون العلاجات التي قد يضطرون إلى تكرارها مرات عدة لأن قيمتها تتراوح بين 3 آلاف و5 آلاف دولار».
وتشير غلام، «نحن نعاني من إكراه الوقت، الساعة البيولوجية لا تسمح للزوجين بهدر مزيد من الوقت والجهد والعناء النفسي والاجتماعي. لذلك، نشدد على استعجالية توفير مخطط علاجي في إطار حقهم في خدمات الصحة الإنجابية لرفع حظوظهم في الإنجاب، مع التأكيد على فتح مراكز للعلاج، وتوفيره في جميع المدن».
«مابا» تحوّلت لفضاء آمن للعديد من الحالمين بالأمومة والأبوة إلا أن الأهم هو كسر هذا الهم وتوفير الظروف الملائمة لهؤلاء. فلا بد من السلطات أن تتحرّك في قوانينها وتشريعاتها. ومن جهة أخرى، تقول غلام «على الزوجان المثابرة لأجل كسر مشكلة ضعف الخصوبة والعقم، والتسلح بالتضامن والود داخل الأسرة وعدم الاستسلام لضغوطات المجتمع». وتقع المهمة الأكبر على المجتمع لتصحيح نظرته وتجنب طرح الأسئلة المؤلمة. وتضيف غلام «نحن في الطريق السليم. نحتاج إلى تضافر الجهود لتستفيد الأجيال المقبلة من ظروف أفضل مما عشناه ونعيشه نحن في الفترة الحالية».

متخصصة في الثقافة والموضوعات الاجتماعية والمبادرات