الموصل تحتفي بالتعايش

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٦/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٤:١٩ ص
الموصل تحتفي بالتعايش

مات سميث

بعد أربعة عشر شهرًا من تحرير المدينة من قبضة (داعش)، اجتمع سكان الموصل في مهرجان السلام الثاني للاحتفال بالتنوّع العرقي والثقافي والديني في العراق ونبذ العنف والطائفية.

واستقطب المهرجان -الذي أقيم على مدار يومين في الملعب الرياضي بجامعة الموصل- أكثر من 6000 زائر. ومن خلال التغلب على المخاوف اللوجستية والأمنية، كان المهرجان رمزًا لعزم المدينة على إعادة بناء بنيتها الأساسية وإعادة دمج العديد من المجتمعات التي كانت تتخذ من الموصل موطنًا لها في السابق.

وقال نبيل خوري، مدير برامج العراق في معهد صحافة الحرب والسلام الذي قدم الدعم المالي والتنظيمي للمهرجان: «أردنا إظهار الموصل ونينوى كمدينة ومحافظة تبعث الحياة والأمل والمستقبل للعراق. على مدار سنوات، عُرِفت المدينة كمنطقة تحتضن الموت والإرهاب».
وأضاف خوري قائلًا: «نبذت مدينة الموصل التطرف والإرهاب وعانقت الحياة. نرى يومًا بعد يوم سكان المدينة -وخاصة الشبان منهم والشابات- يساعدون في إعادة إعمار المدينة. لقد أرادوا أن يظهروا للعالم أجمع وجهًا جديدًا للموصل -وجهًا مغايرًا لما يراه الناس من خارج المدينة».
ويعود تاريخ مدينة الموصل -التي تمتد على ضفاف نهر دجلة- إلى القرن السابع قبل الميلاد. وبوصفها مركزًا اقتصاديًا على طول طريق الحرير، اشتهرت المدينة منذ أمد طويل بأعمالها المعدنية والمنسوجات، فضلًا عن التنوّع والتسامح اللذين يتميّز بهما سكانها.
تغيّر كل ذلك عندما استولى تنظيم داعش على الموصل في يونيو 2014 وفرض نظامًا متطرفًا وحشيًا. وبعد تحرير المدينة في يوليو 2017، كشف تقرير للأمم المتحدة أن داعش ارتكب أعمالًا وحشيةً في حق المدنيين بالموصل وأن هذه الأعمال ترقى إلى كونها جرائم دولية. ولقي نحو 11 ألف شخص حتفهم في معركة تحرير المدينة من قبضة التنظيم الإرهابي.
وبعد هذا الدمار، نظر المشاركون وأصحاب المصلحة إلى المهرجان -الذي كان بعنوان «صنع في الموصل»- كجزء أساسي من عملية إعادة إعمار المدينة وعلاج سكانها. وشملت قائمة رعاة المهرجان كلا من مصرف الموصل والمجلس الثقافي البريطاني في العراق وجامعة الموصل.
وكانت سوق السراي -التي أُعيد افتتاحها على هامش المهرجان- تضم 60 كشكًا حيث عرض الحرفيون ورواد الأعمال المحليون أعمالهم اليدوية. وصُممت السوق -التي بُنيت باستخدام الخشب والقماش- لاستنساخ مدينة الموصل القديمة، كما شاركت مجموعات من جميع أنحاء العراق، إذ أقامت كل محافظة جناحًا خاصًا بها لعرض أعمالها الفنية.
وبمجرد أن هدأت الحرارة الشديدة في النهار، خرج الفنانون المشاركون إلى المسرح الرئيسي لإحياء فقرات المهرجان التي تضمنت عروض الكوميديا الارتجالية وإلقاء الشعر والموسيقى والرقصات التراثية من مجتمعات اليزيدية والمسيحية والشبك والمسلمين في محافظة نينوى. وأُجري أوبريت مشترك لرواية تاريخ نينوى بلغات ولهجات المنطقة.
وقال خوري: «تُعد الثقافة موضوعًا مشتركًا يجتمع عليه كل العراقيين. ربما تكون لديهم اختلافات في العرق أو الدين، لكن القيم الثقافية غالبًا ما تكون مشتركة بينهم ويمكنها أن تجمع أشخاصا من خلفيات مختلفة معًا».
ويأمل المنظمون أن يساعد المهرجان في إعادة دمج الأقليات وإعادة الثقة لهؤلاء الذين عانوا من الاضطهاد في ظل حكم تنظيم داعش، كما سعى المهرجان إلى تعزيز تمكين المرأة التي دونها ستكون إعادة إعمار الموصل مستحيلة. وفي العديد من الأسر، أصبحت النساء هن المسؤولات عن دعم عائلاتهن وحمايتها وتعليمها بعد مقتل أزواجهن أو اعتقالهم أو فرارهم من البلاد.
وقال خوري: «لعبت نساء الموصل دورًا رئيسيًا في إعادة ترميم المدينة وكنّ رائدات في التطوع لإعادة إعمار المدينة من خلال تنظيف المناطق ومساعدة الآخرين في العودة وترميم الأسواق المدمرة وخاصةً في غرب الموصل، وكان لهن حضور بارز في المهرجان».
واختتم خوري حديثه قائلًا: «يبرز الشباب كجيل جديد من صنّاع الرأي المتفانين لمساعدة البلاد في الانتقال إلى مرحلة جديدة من تاريخها يتعايش فيها العراقيون بسلام ويدعمون بعضهم في التعافي من ويلات الحرب».

كاتب وصحفي