بروكسل - وكالات
بعد طول ترقب وانتظار تودّع بريطانيا الاتحاد الأوروبي بعد أن وافق قادة الاتحاد على اتفاق "بريكست" لانسحاب بريطانيا من الاتحاد.
ونقلت وكالة "رويترز" عن رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، دونالد توسك قوله، أمس الأحد، "صدّق القادة الأوروبيون على اتفاقية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
وأضاف توسك بعد أقل من ساعة على بدء انعقاد القمة الاستثنائية للقادة الأوروبيين "قادة الدول الأعضاء الـ27 وافقوا على اتفاق خروج بريطانيا، وإقرار إعلان سياسي للعلاقات المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي ولندن".
وقال رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، في تصريحات للصحفيين قبيل انعقاد القمة الاستثنائية، "هذا يوم تعيس جدا لنا لأننا نرى بلدا كبريطانيا يغادر الاتحاد الأوروبي، هذه لحظة حزينة"، متابعا "سأصوّت بنعم لأنه أفضل اتفاق حققناه".
وأضاف يونكر "الاتحاد الأوروبي لن يغيّر رأيه بشأن القضايا التي اتفقنا عليها"، موضحا "أعتقد أن البرلمان البريطاني برلمان حكيم ويعرف ما عليه فعله، لذلك أتوقع أن يصوّت بنعم أيضا".
وأكد رئيس المفوضية الأوروبية "نريد أن نبقى في حوار مستمر مع بريطانيا فيما يخص القضايا والمواضيع المشتركة بيننا".
من جانبه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "لم تكن الخيارات سهلة منذ عامين، سنواصل عملنا من أجل الانتخابات الأوروبية المقبلة علينا البقاء كقوة مشتركة وموحدة".
وأضاف ماكرون "أشكر -كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي- ميشيل بارنييه على ما قام به من جهد، يجب أن تكون هناك قوانين خاصة بالمنافسة والصيد، ويحب أن تخضع هذه الأنشطة لقوانين مشتركة بيننا وبين لندن".
وأكد الرئيس الفرنسي "هذا ليس يوما حزينا، ولا سعيدا، علينا أن نحترم قرار الشعب البريطاني، لقد اتخذوا قرارا سياديا".
فيما قال كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه "هذا الاتفاق هي خطوة ضرورية لبناء الثقة بين لندن وأوروبا"، مؤكدا "ستبقى بريطانيا حليفة للاتحاد الأوروبي وشريكة قوية له".
وأضاف بارنييه "عملت بجد أنا وفريقي وفريق مفاوضي بريطانيا من خلال تعاوننا كدول أعضاء، لقد عملنا مع بريطانيا وليس ضدها".
بينما قال رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني "سيصوّت البرلمان الأوروبي على الاتفاق في ديسمبر أو يناير، لا أعرف بالضبط"، متابعا "غالبية الأعضاء سيصوتون لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد".
وأضاف تاجاني "تصويتنا لصالح خروج بريطانيا سيكون رسالة لأعضاء البرلمان البريطاني بأن هذه أفضل اتفاقية بيننا"، مؤكدا "أنا متفائل بأن البرلمان البريطاني أيضا سيصوت لصالح الاتفاق".
ولفت تاجاني "من المهم العمل بعد بريكست للعلاقات بيننا، فيجب أن نعمل معا على قضايا أخرى في المستقبل والاقتصاد ولمكافحة الإرهاب وغيرها".
وكانت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي أكدت في تصريحات نقلتها "تلجراف" أمس الأحد "ستكون صفقة بريكست ملبية للمصالح الوطنية وتصب في مصلحة البلد والشعب، بغض النظر لمن صوتوا لصالح الانسحاب أو البقاء".
وأعلنت ماي أن المملكة المتحدة ستغادر الاتحاد الأوروبي، في 29 مارس 2019، قائلة بهذا الصدد "سنبدأ فصلا جديدا في حياة بلادنا".
وكان قادة الدول الأوروبية عقدوا في بروكسل أمس الأحد قمة مخصصة للمصادقة على اتفاق تاريخي حول انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وأكدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي فيه أنه سيقدم "مستقبلا أفضل" لبلادها.
لكن "اتفاق الانسحاب" هذا غير المسبوق الذي استمرت المفاوضات المضنية بشأنه بين لندن والمفوضية الأوروبية 17 شهرا، يفترض أن يخضع لاختبار المصادقة عليه في البرلمان الأوروبي وفي البرلمان البريطاني قبل أن يدخل حيز التنفيذ في 29 مارس 2019.
وفي تصريح نشر الأحد، قالت تيريزا ماي التي وصلت إلى بروكسل منذ مساء السبت إنه "اتفاق من أجل مستقبل أفضل يسمح لنا بانتهاز الفرص التي تنتظرنا".
وهذه القمة التي هددتها أولا مواجهة حول مستقبل جبل طارق تمت تسويتها في اللحظة الأخيرة، تشمل اجتماعا لقادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي صباح الأحد لإقرار اتفاق الانفصال التي تقع في 60 صفحة.
ووافق قادة الاتحاد أيضا على "إعلان سياسي" ملحق بالاتفاق حول العلاقة المستقبلية "الطموحة" التي يأملون فيها بين الطرفين، قبل أن تنضم إليهم تيريزا ماي لإظهار موافقة الجميع على النص.
وكتب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في تغريدة مساء السبت الفائت أن "الأصدقاء يبقون أصدقاء حتى النهاية".
أفضل تسوية
وقال توسك في رسالة الدعوة إلى القمة "لم يكن أحد يريد إلحاق الهزيمة بأحد، بل كنا جميعا نبحث عن اتفاق عادل. أعتقد أننا توصلنا في نهاية الأمر إلى أفضل تسوية ممكنة"، معبِّرا عن ارتياحه لأن الدول الـ27 "اجتازت بنجاح اختبار الوحدة والتضامن".
لكن هذه الوحدة تصدعت في الأيام الأخيرة عندما هددت إسبانيا بالتسبب بإلغاء القمة إذا لم تحصل على ضمانات مكتوبة حول مصير جبل طارق. وبعد مفاوضات شاقة، أكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بعد ظهر السبت أنه تمت تلبية طلبه.
وكان الاتحاد الأوروبي طمأن مدريد الحريصة على أن تتمتع بحق في النظر في وضع المنطقة، قبل بدء مفاوضات بريكست في يونيو 2017 بأن "أي اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لن يطبق على أراضي جبل طارق" بدون ضوء أخضر من إسبانيا.
وهذا التفصيل لم يرد في الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأسبوع الفائت، ما أثار غضب الحكومة الإسبانية التي هددت بعرقلة الاتفاق إذا لم يدرج نص واضح في هذا الشأن.
لكن إسبانيا أكدت السبت أنها تلقت ضمانة كافية من السلطات البريطانية بألا تشمل اتفاقات لندن المقبلة مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل بشكل آلي جبل طارق.
إلا أن ماي أكدت أنها "فخورة بأن جبل طارق بريطانية وسأبقى دائما إلى جانب جبل طارق"، مشددة على أن موقف المملكة المتحدة بشأن السيادة على هذه المنطقة "لم ولن يتغيّر".
مستعمرة الاتحاد الأوروبي
عبّرت دول أخرى أعضاء في الاتحاد في نهاية المفاوضات عن قلقها وطلبت ضمانات في مجالات أخرى مثل حقوق صيد السمك في المياه الإقليمية البريطانية في المستقبل.
وهذه القضية "العزيزة على قلب فرنسا" لم تحل في اتفاق الانسحاب الذي ينص على ضرورة التوصل إلى تفاهم بشأنها بحلول منتصف 2020. لكن مصدرا أوروبيا قال "سيكون هناك إعلان في محضر المجلس الأوروبي الذي سيؤكد أنها قضية تشكل أولوية" لدى الدول الـ27.
وهذا الإعلان سيتضمن قضايا أخرى تتعهد فيها الدول الـ27 بالتزام "الحذر" حيال لندن في تطبيق الاتفاقات المتعلقة بها، مثل "المنافسة النزيهة" في المجال الاقتصادي.
وأمام الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة 17 شهرا للتفاهم حول "اتفاق الانسحاب" و"الإعلان السياسي" الذي يحدد أطر العلاقات في مرحلة ما بعد بريكست، خصوصا على الصعيد التجاري.
ويحل اتفاق الانسحاب خصوصا قضية الفاتورة التي يفترض أن تدفعها لندن إلى الاتحاد الأوروبي بدون أرقام، وينص على حل مثير للجدل لتجنب العودة إلى حدود مادية بين إيرلندا ومقاطعة لإيرلندا الشمالية البريطانية.
وهذه النقطة كانت موضع انتقادات جديدة من قبل وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الذي صرّح في بلفاست السبت أن ذلك سيحول إيرلندا الشمالية "مستعمرة اقتصادية للاتحاد الأوروبي"، كاشفا بذلك عن الأوقات الصعبة التي تنتظر ماي للدفاع عن الاتفاق في المملكة المتحدة.