السينما الأفريقية..بين الحقيقة والخيال!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/مارس/٢٠١٦ ٠١:٢١ ص
السينما الأفريقية..بين الحقيقة والخيال!

مجدي الشاذلي

أطرح هذا التساؤل ونحن نلتقي هنا في مهرجان مسقط السينمائي 2016، على اعتبار أن هذه التسمية تحتاج فعلا من السينمائيين إلى شيء من التمحيص والتدقيق، ومن ثم الاتفاق، فكما نتداول في مقالاتنا وأخبارنا عبارات وأوصاف من قبيل «الفيلم الخليجي» أو «السينما الآسيوية» أو «الأفلام الأوروبية».. فهل هناك فعلا ما يمكن أن نسميه «سينما أفريقية»؟ وهل هناك صناعة سينمائية واحدة تعبر فعلا عن حضارة القارة الأفريقية؟ أم أن هناك سينمات مختلفة ومتباينة بتباين دول القارة؟ في سياق الإجابة على هذه التساؤلات المشروعة، تستدعي الذاكرة تلك السجالات التي جرت في ندوة قيمة أقامها مهرجان القاهرة السينمائي في واحدة من دوراته الأخيرة، وتمحورت حول «السينما الأفريقية في مطلع القرن الحادي والعشرين».. وفيها طرح سؤال أراه يشكل المدخل الأهم في هذا السياق، وكان السؤال: من الذي يحدد هوية السينما الأفريقية.. هل المنتج، أو المخرج، أو اللغة، أو الممثلون...؟

هنا بدت وجهتان مختلفتان تتشكلان بين السينمائيين الأفارقة، إذ في الوقت الذي رأى فيه المخرج التونسي إبراهيم لطيف أنه لا وجود لصناعة سينمائية تحدد السينما الأفريقية، مبديا ميله إلى تسميتها أفلاما أفريقية، لأن لكل أسلوبه وقصصه التي تؤكد الهوية والعادات والتقاليد، وهو الرأي الذي اتفق معه المخرج والمنتج الأفريقي فايث ايذاكبير قائلا: «كوني أفريقيا فكل ما أطرحه يعبر عن رؤيتي لذاتي ومحيطي ويعكس ثقافتي، فأنا أضع أصولي ونشأتي وتفسيري فيما أصنعه من أفلام».

في المقابل، وجدنا المفوض العام لمهرجان السينما والتليفزيون الأفريقي ميشيل أودروجو، يطرح وجهة نظر مخالفة، حين قال جملته الأثيرة «إن من يدفع الفاتورة هو بالتأكيد من يطلب قائمة الطعام»، وهو يعني بذلك أن السينما الأفريقية لطالما استفادت من تمويل دول الشمال، التي كانت تدفع الفاتورة مقابل ما تطلبه من السينما الأفريقية، ابتداء من الأفكار المطروحة والصورة الموجهة للآخرين. لكن أودرجو قال أيضا إن الوقت قد حان لتدفع أفريقيا الحساب وتطلب هي قائمة الطعام التي تريد!إذن قضية التمويل الأجنبي للسينما الأفريقية كان لها تأثيرها البالغ على صناعة السينما في القارة منذ العهود الاستعمارية وما بعدها، إذ جعلتها في كثير من الأحيان أقرب إلى الخيال، وأفرز هذا التمويل الموجه عشرات الأفلام غير المعبرة عن القارة ولا عن شعوبها وحضاراتها العريقة، والنتيجة أنه تم اختزال أفريقيا وحصرها في الغابات والقبائل والقتال..رغم ما تزخر به من ثقافات متنوعة وحضارات مختلفة بحكم تعدد شعوبها. وحتى تلك الأفلام التي صنعت في دول الشمال الأفريقي تناولت أفريقيا السمراء بصورة مشوهة في معظم الأحيان، وصورتها كمجموعات قبلية ومجتمعات بدائية تعيش في الغابات وتتصارع طول الوقت، وهذا أيضا ما أكدت عليه المنتجة المصرية إسعاد يونس بقولها «نحن نتكلم عن قارة تجمع عددا كبيرا من الهويات، ولا يجب أن ننظر إلى السينما الأفريقية على أنها مجرد طرزان وأسد وغابة فأنا أرى أن الفيلم الأفريقي مليء بالكنوز المعرفية والثقافية ولكن كيفية التناول هي التي تحكم هذه المسألة».

ولا شك أن غياب صناعة السينما الأفريقية المعبرة بالفعل عن القارة ككل، ليس مبررا لتجاهل وجود صناعة سينما نشيطة في عدد لا بأس به من دول القارة، وفي مقدمتها نيجيريا، ومصر، والمغرب، والجزائر، وجنوب أفريقيا، وبوركينا فاسو، إذ تنتج آلة السينما في نيجيريا وحدها والمعروفة بـ»نوليوود» ما يزيد على ألف فيلم سنويا وإن كانت هذه الأفلام تصنع بموازنات متدنية، وتتفاوت بين الدراما والرومانسية والكوميديا وتلك المستنبطة من المفهوم التقليدي الأفريقي، وتدور حول السحر والشعوذة. هذا الأمر يعيدنا إلى السؤال الأساسي، وهو كيف تنتج أفريقيا أفلاما تحمل ملامحها بحق؟ وكانت الإجابة أهم ما طرح في ندوة مهرجان القاهرة السينمائي، ممثلة في فكرة الإنتاج السينمائي المشترك بين دول القارة الناشطة سينمائيا، هذا الإنتاج المشترك لو جرى بالفعل فسوف يحقق الغاية المرجوة من وراء دفع أفريقيا لفاتورة الإنتاج السينمائي الخاص بها، وينهي كذلك أزمة التمويل الذاتي، بالإضافة إلى تحديد الخيارات السينمائية التي تقدم ثقافة صانعها وحضارته وعاداته ورؤيته للأمور من وجهة نظر أفريقية، وإذا ما تحقق هذا يمكن أن ندعوه حينها «سينما أفريقية»، والتي ستختلف بالتأكيد في إيقاعها ومضمونها وصورتها ولونها عن السينما الأمريكية أو الأوروبية.