أعمدة الحكمة العمانية

الحدث الأحد ١٨/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٥:٢٦ ص

القاهرة - خالد البحيري
المزج بين دروس التاريخ واستشراف المستقبل، والواقعية في التعاطي مع الأحداث، والتروي والأناة في الحكم على المستجدات، ركائز أساسية للسياسة الخارجية للسلطنة منذ نحو 48 عاما هي عمر النهضة التي قادها جلالة السلطان قابوس بن سعيد في كافة مناحي الحياة..
هكذا عبّر مراقبون للشأن العُماني التقت «الشبيبة» بهم في القاهرة بمناسبة احتفال عُمان بالعيد الوطني الـ48، وقالوا: إن أهم ثمرات التميّز العُماني في التعامل مع الملفات الدولية والإقليمية، هو ذلك الترحاب الذي يحظى به العمانيون أينما ذهبوا، والأمن الذي يحظون به على حياتهم وممتلكاتهم واستثماراتهم؛ ذلك أن بلدهم لم يتورط في أية نزاعات مسلحة ولم يتدخّل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وليس في خصومة مع أحد من الأساس.

سلوك منضبط
وقال المراقبون: إن سلوك العمانيين أنفسهم في الخارج يدعو للفخر؛ فالعُماني أيا كان سبب وجوده في الخارج (تعليم أو سياحة أو استثمار أو علاج) يعتبر نفسه سفيرا وممثلا لبلاده، ويعامل الجميع من هذا المنطلق، ويعتبر أن سمعة بلاده هي سمعته التي يجب صونها عن أي شيء من شأنه المساس بها.

رؤية واقعية
يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي د.محمد أمين: حافظت السلطنة على سياستها المتوازنة، ولم تنجر إلى مواقف انفعالية غير مدروسة، وهي القاعدة نفسها التي تحرّكت وفقها السلطنة في تعاملها مع الملف النووي الإيراني بتفاعلاته الإقليمية والدولية، وفي تعاطيها مع الأزمة السورية بالغة التعقيد والحساسية، فمنذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة دعت السلطنة لنبذ العنف ووقف الاقتتال ودعت الأطراف المتصارعة للجلوس إلى مائدة المفاوضات والانخراط في عملية سياسية تلبي تطلعات وآمال الشعب السوري بما يحفظ أمن واستقرار ووحدة الأراضي السورية.

تحقيق التوافق
وأضاف أمين: دعت السلطنة الأطراف الدولية الفاعلة ومجلس الأمن الدولي إلى السعي لتحقيق التوافق بين الفرقاء واتخاذ موقف موحد بعيداً عن الصراعات والمصالح السياسية، ودون انحياز لأي من أطراف الأزمة، وما زالت الدبلوماسية العمانية تسعى جاهدة لإنجاح أي مبادرة تدعو للحل السلمي للأزمة وتدعم أي حوار سياسي وطني جاد تشارك فيه كافة أطياف الشعب السوري دون إقصاء أو تهميش، لبدء مرحلة انتقالية بقيادة سورية تقطع الطريق على التدخل الأجنبي وتمنع شبح التقسيم.

ضمانة أساسية
وأضاف: أثبتت الأحداث أن المنهج العلمي والتخطيط الاستراتيجي السليم هو الضمانة الأساسية لنجاعة التوجه العُماني والعنوان الدائم لصناعة القرار السياسي، وهو ما يتيح فرصاً متعددة للاختيارات الصائبة المتأنية والتي تتخذ بعد دراسة وتدقيق ومراجعات وافية، بفضل توجيهات حضرة صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- الذي أسّس عُمان الحديثة، في صورة براقة لتحتل مكانة تليق وتتجاوب مع الموروث التاريخي للسلطنة، ولتعيد بناء قواها وتشيّد جسور علاقاتها مع الآخر وتستعيد مكانتها المتميزة كدولة مؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي، وترتقي بموقعها ودورها المحوري تدريجياً، حتى صارت السلطنة اليوم مرجعاً ومركزاً تقصده دول وزعامات العالم للمشورة، وأخذ الرأي والاستفادة من حكمة القائد والرؤية الصائبة والقراءة الواعية للأحداث، والتعرّف على تجربة السلطنة في التعامل مع التحديات الخارجية المتزايدة، مع حفاظها على حيادها الإيجابي واستقلال قرارها الوطني.

أخطار الحرب
وفي السياق يقول اللواء أركان حرب محمود خليفة: استطاعت عُمان أن تستقل بقرارها الوطني في كافة القضايا الدولية دون تأثر باتجاهات القوى الإقليمية أو الدولية، كما استطاعت تجنيب البلاد أخطار الحروب والصراعات، ونجحت في فتح سفارات وقنصليات في أغلب دول العالم، وتنامت قدرتها على استقطاب الاستثمارات الدولية في المجالات الاقتصادية المتعددة.

مصالح مشتركة
وقال اللواء أركان حرب محمود خليفة: استطاعت السياسة العُمانية بناء مصالح مشتركة مع الآخرين، والابتعاد عن محاولة استغلال حاجة الآخر للدعم العُماني، وفي ذات الوقت هي لا تسمح للآخر بالانتقاص من سيادتها واستقلال قرارها الوطني، حيث عارضت عُمان رفع الولايات المتحدة الأمريكية علمها على ناقلات النفط الكويتية في الخليج في حرب الخليج الأولى خشية اشتعال حرب سفن في الخليج بالرغم من إصرار الولايات المتحدة وموافقة دول الخليج الأخرى.

احترام الإنسان
وتابع: تتبع السياسة العُمانية مبدأ أخلاقيا يقوم على احترام الإنسان بعيداً عن عرقه أو دينه أو لغته، فعُمان لم تتبنَّ لا الفكر الشيوعي ولا فكر الإسلام السياسي ولا الفكر القومي العربي المنغلق ولا الفكر المذهبي الذي يطبع بعض دول الجوار، مما جعل عُمان بلدا يحظى باحترام جميع دول العالم.

النأي بالنفس
ويشاركه الرأي السفير جمال بيومي أمين اتحاد المستثمرين العرب بالقول: تحاول سلطنة عُمان قدر الإمكان النأي بنفسها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما تحاول الابتعاد عن الاصطفاف حول القضايا الداخلية المختلف فيها، ويتضح هذا الأمر جليا في موقف عُمان من دول الربيع العربي عامة ومصر بصفة خاصة مقارنة بموقف بقية دول الخليج، فبينما اتخذت كل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين موقفا داعما للحكومة الانتقالية في مصر بعد 30 يونيو 2013 أما عُمان فقد ظلت على الحياد واعتبرت الأمر شأنا مصريا خالصا، وقررت دعم مصر شعبا وحكومة بعيدا عن التجاذبات السياسية الداخلية.

حياد متوازن
وأضاف: لقد خطّت عُمان لنفسها، تحت حكم السلطان قابوس، سياسة حيادية ومتوازنة، منحتها قدرًا كبيرًا من أهمية الدور وحرية الحركة والفاعلية، على الصعيدين الإقليمي والخليجي، ما جعلها حليفًا وثيقًا للولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وعضوًا مؤسسًا رئيسًا في مجلس التعاون الخليجي، وفي الوقت ذاته شريكًا رئيسًا لإيران، مع عدم إغفال علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والقوى الآسيوية الكبرى، وعلى رأسها الصين والهند وباكستان، حيث نجح السلطان قابوس في أن يجمع بين كل هذه الأطراف المتضادة في علاقاته الخارجية، والحفاظ على نمط من العلاقات الودية مع الجهات الفاعلة والمؤثرة في المنطقة، والتوفيق بينها وتقريب وجهات النظر بين الأطراف ذات المصالح المتعارضة.

الحياد الإيجابي
وفي الختام يقول المحلل السياسي د.محمود الغرباوي: تنطلق إستراتيجية الحياد الإيجابي من مبدأ الواقعية السياسية التي تتبنّاها القيادة العُمانية والتي تدرك حدود قدرتها ومعطيات قوتها وتسعى إلى توظيفها بشكل جيد اتساقًا مع استحقاقات موقعها الجغرافي الفريد وعمقها التاريخي والحضاري، الأمر الذي جعل منها على الرغم من قلة الموارد والثروات بالمقارنة مع جيرانها في منظومة مجلس التعاون الخليجي، دولة ذات علاقات طيبة مع الجميع، بما كفل لها مكانة متميزة على الصعيد الإقليمي والدولي، على الرغم من إمكانياتها المتواضعة.

جميع الدوائر
ويقول: تحقيقًا لواقعية عُمان السياسية، فقد انفتحت على جميع الدوائر، الخليجية والعربية والإسلامية والآسيوية والإفريقية والغربية، بشكل متوازن، في إطار من التنسيق بين جميع تلك الدوائر، بحيث لا تطغى دائرة على أخرى، ونظرًا لانخراطها النشط في دوائر اهتمامها المتقاطعة وعملها على قدم المساواة مع جميع القوى الدولية والإقليمية والمنظمات الدولية الفاعلة، التزمت السياسة العُمانية بمحاولة تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة.