صمود الاقتصاد الإيراني

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٥/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٤:٠٢ ص
صمود الاقتصاد الإيراني

پاتريك كلاوسون

بدأت آثار العقوبات الأمريكية الجديدة في الظهور في إيران، ولكن اقتصاد البلاد يعاني فعلاً وضعاً غير مستقرّ. فقد شهد منذ الربيع الأخير ركوداً غير متوقع فاقمته سياسة الحكومة. ويبدو أن الحياة في إيران ستصبح أكثر صعوبةً، ولكن السؤال الأهم ما إذا كانت الجمهورية الإسلامية ترى أن اقتصادها سيصمد إلى حين انتهاء ولاية ترامب.

في أواخر سبتمبر، أدّت الضغوط الكبيرة على التجار إلى انخفاض سعر الصرف، ولكنّه استقرّ منذ ذلك الحين على نحو 140 ألف ريال مقابل الدولار الأمريكي - أي ثلاثة أضعاف معدّله قبل 21 مارس، وهو يوم رأس السنة الإيراني. ومع إلقاء القبض على العديد من التجار وإصدار أحكام الإعدام على اثنين من مزوّدي الذهب والعملة الأجنبية، فقد يستقرّ هذا المعدّل لفترة من الزمن. ولكن الأسس الاقتصادية تشير إلى أنّها ستنهار مجدداً، فالتضخّم يزيد من التكاليف المحلية بشكل ثابت. وبما أنّ الشعب الإيراني يميل إلى تثبيت سعر الدولار كمقياس لحالة الاقتصاد، تهدر الحكومة الكثير من الموارد النادرة لدعم الريال بدلاً من معالجة مشاكل أخرى.

وتجدر الإشارة إلى أن معدل العمال لم يرتفع بما يكفي للحدّ من التضخم. وتبقى الفئة المتعلّمة من الشعب الضحية الكبرى في هذه المسألة. وتشير بعض الدراسات إلى أنّ ثلث الرجال ونصف النساء دون عمر الثلاثين الحاصلين على شهادات جامعية باحثون عن العمل. وأفادت تقارير «منظمة الإدارة والتخطيط» بأنّ 44 % من الباحثين عن العمل في إيران يحملون شهادة جامعية. علاوةً على ذلك، تفيد وزارة التعليم بأنّ 20 ألف شخص يبدأون برامج الدكتوراه كلّ عام، ولكن لا تتوفّر الوظائف سوى لـ 4 آلاف أو 5 آلاف منهم. ووفقاً لتقرير ورد في صحيفة «دنياي اقتصاد»، أظهر استطلاع أجرته «غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة» في طهران في منتصف أكتوبر أنّ 76 % من الذين شملهم الاستطلاع «يعتقدون أنّ أنشطة القطاع الخاص في طور التراجع» وأنّ «الوضع سيتفاقم أكثر في المستقبل».
بعيداً عن المؤشرات الإيجابية، ساهمت القرارات الاقتصادية الإيرانية المشكوك فيها في التوقعات المتشائمة بشكل عام. وأفادت وكالة الأنباء الخاصة «فارارو» بأنّه خلال اجتماع استمر ساعتين ونصف الساعة مع الرئيس حسن روحاني في 15 أكتوبر، انتقد أكثر من ثلاثين خبيراً اقتصادياً السياسات الاقتصادية للحكومة كونها «حلول ذات دوافع سياسية» و»قصيرة الأجل»، بينما شَكوا من كفاءة الأشخاص في فريقه الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، وبدلاً من الاحتفال بزيادة الصادرات الزراعية - حيث ارتفع حجم شحنات الطماطم بنسبة 145 % والبطاطس بنسبة 12 % - ألقت حكومة روحاني باللائمة عليهم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وحاولت دون جدوى فرض حظر على صادرات الطماطم، وهي واحدة من النقاط المضيئة القليلة للمزارعين الذين عانوا طويلاً.
ولكي نكون منصفين، يكمن جزء من المشكلة في تقيّد روحاني بالقوى القوية، ولا سيّما «الحرس الثوري الإسلامي». ووفقاً لرئيس «مؤسسة الحفاظ على البيئة» عيسى كلانتري، «تخضع وزارة الزراعة لنفوذ المؤسسات العسكرية»، وبالتالي تعتمد سياسات ذات نتائج عكسية في الكثير من الأحيان. وشكّل ميل «الحرس الثوري» لبناء السدود - 600 في السنوات الثلاثين الفائتة، مقارنةً بـ 14 في السنوات العشرين الأخيرة من ولاية الشاه - سبباً رئيسياً للمشاكل البيئية، حيث يتم تحويل المياه إلى مشاريع زراعية غير فعّالة. وردّاً على هذه الاتهامات، ألقى «الحرس الثوري» القبض على العديد من نشطاء البيئة.
قد تعتقد الجمهورية الإسلامية أنها قادرة على الصمود لجولة جديدة من الضغط الأمريكي، على أساس الافتراض أنّ هذه القيود ستتبدّد بمجرد نهاية ولاية ترامب. ولكنّ واشنطن تعمل على تأطير العقوبات التي أعيد فرضها كإجراءات لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي يزيد من احتمال صمودها أمام التغييرات السياسية في الولايات المتحدة.
ويشير ذلك إلى أن إدراجات إدارة ترامب ستكون واسعة النطاق وسريعة للغاية. فقد حصل العديد من الكيانات التي صُنّفت سابقاً على إعفاءات من العقوبات الثانوية، ولكن رغم ذلك، كان من الممكن تسميتها سابقاً ضمن إطار الإرهاب والمخاوف من الانتشار النووي. إلا أن الإدارات الأمريكية السابقة قررت تسميتها لأسباب تتعلق بالقضايا النووية فقط من أجل الحفاظ على خيار الإعفاء من العقوبات في حال التوصل إلى اتفاق نووي. ولم يهدف النهج المتبع في إدراجات 16 أكتوبر إلى تجديد الإعراب عن تلك المخاوف النووية، بل لإثبات أن هذه الكيانات توفر الدعم المادي للإرهاب.
يجادل الكثيرون بأن الطبقة الوسطى الإيرانية هي التي ستشعر بألم العقوبات، وليس النخبة. ولكن الفساد المتهرب من العقوبات في إيران يمكن تحويله من مشكلة إلى فرصة بالنسبة لواشنطن. ونظراً للغضب العارم في إيران من أولئك الذين يحصدون الامتيازات من الكسب غير المشروع، فلدى الحكومة الأمريكية مجالاً كبيراً لنشر المعلومات حول الطريقة التي يعيش فيها الـ»آقازاده‌« - أو أبناء النخبة. بيد، لا يمكن استخدام تطبيق الـ «لوكسغرام» الخاص بالشبكات الاجتماعية الإيرانية والذي يمكن من خلاله مشاركة لحظات الرفاهية مع الأصدقاء الأثرياء بطريقة ممتعة ومسلّية إلا من خلال الاشتراك فيه، ولكن موقع «أولاد طهران الأغنياء» (Rich Kids of Tehran) على شبكة الإنترنت هو موقع مجاني. وحتى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد قدم اقتراحاً ممتازاً في هذا الصدد عندما غرّد: « أيها السيد ترامب أنشر قائمة أقارب المسؤولين الحكوميين الإيرانيين الذين يملكون بطاقات خضراء وحسابات مصرفية في الولايات المتحدة إذا كان لديك مثل هذه القائمة».
وفي حين يقول البعض أن إدارة ترامب لا تتمتع بمصداقية تُذكر مع الشعب الإيراني، إلا أن بإمكانها معالجة هذه المشكلة من خلال اعتمادها على المعلومات الشاملة حول الفساد التي توفرها المصادر الإيرانية. وفي هذا السياق، يُسلط التلفزيون الحكومي الذي يهيمن عليه المتشددون الضوء على فساد المعارضين السياسيين، لكن المعلومات حول المتشددين أنفسهم مخفية. وفي هذا الصدد، فإن حساب الـ «إنستغرام» الخاص بمهدي صدر الساداتي - رجل دين شاب يمتّع متابعيه البالغ عددهم 225 ألف شخص بقصص عن أسلوب الحياة الفاخر لرجال الدين والـ»آقازاده‌« - يُشكّل نقطة انطلاق جيدة.
وعلاوةً على ذلك، نشرت صحيفة «الشرق» الإصلاحية مقالاً في 18 يوليو عن كيفية خسارة المؤسسة المالية «ثامن الحجج» 3 مليارات دولار تعود لـ 3 ملايين مودّع لديها، بشكل أساسي عن طريق تقديم قروض بنسبة 3٪ لعملاء ذوي علاقات جيدة مع أصحاب النفوذ ودفع مرتبات خيالية للمسؤولين وعائلاتهم. ورداً على ذلك، أعلن المدير العام للشركة، أبو الفضل مير علي، أنه يقاضي الصحيفة رغم أن جميع معلوماتها جاءت مما قدّمه المدعي العام في جلسة علنية. وتم في الآونة الأخيرة نشر صورة لمير علي، الذي صوّب ذات مرة سلاحاً لترهيب محافظ «البنك المركزي»، عندما كان جالساً إلى جانب المدعي العام الإيراني. وبالترافق مع الضغوط الناجمة عن فرض عقوبات جديدة، توفر مثل هذه القضايا المحلية البارزة مادةً دسمةً قد تستند إليها واشنطن لكي تُظهر للإيرانيين مدى الخطر الذي يشكله قادتهم على مستقبلهم الاقتصادي.

زميل أقدم في زمالة مورنينغستار ومدير الأبحاث في معهد واشنطن