تحديات عراقية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٥/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٤:٠٢ ص

أحمد الحاج

يرى كثيرون أن اختيار عادل عبد المهدي كرئيس وزراء جديد للعراق جاء بسبب خلفيته الاقتصادية. ويثق البرلمانيون في قدرة عبد المهدي على توجيه الحكومة لإجراء إصلاح اقتصادي يسهم في تحسين الخدمات وإعادة الإعمار. ومع ذلك، فهذه المهمة ليست باليسيرة حيث يمثل الملف الاقتصادي إحدى المعوقات الصعبة التي قد تواجه رئيس الوزراء، حيث يتطلب التغيير الحقيقي قيام رئيس الوزراء باتخاذ عدة إجراءات تتضمن تغيير النظام الاقتصادي أحادي المصدر، وحل أزمة الدين العام، ومعالجة السياسة النقدية الضعيفة، وتقوية النظام المصرفي الهش، وأخيرا مكافحة الفساد المالي. وبالرغم من أن التغلب على تلك العقبات ليس أمرا مستحيلا، إلا أن رئيس الوزراء يجب أن يتحرك بسرعة وبدعم كامل من القوى المحلية والدولية إذا أراد تغيير حقا مسار النظام الاقتصادي العراقي.

لعل التحدي الأكثر إلحاحا الذي يواجه العراق هو مسألة الإيرادات الحكومية، فنظرا لان البلاد تعتمد على مداخيل النفط بنسبة كبيرة والتي تصل إلى 93 % من مجمل إيراداتها للموازنة العامة الاتحادية، فهذا بدوره يجعل اقتصاد العراق من حيث الإيراد اقتصادا هشا وغير مستقر في مواجهة المشكلات التي تمر بها المنطقة والتي أدت إلى تذبذب أسعار النفط. وصل الاحتياطي النقدي للعراق في أواخر 2014 إلى (80) بليون دولار لكن انهيار أسعار النفط وازدياد نفقات الدولة أدى إلى استنزاف هذه الاحتياطيات إلى أقل من نصف أرقام العام 2014. كما أدى اقتراض الحكومة الغير مباشر من البنك المركزي عن طريق شراء الأوراق المالية الحكومية من قبل البنك المركزي إلى تفاقم أزمة الاحتياطي النقدي.

ومن الصعوبة بمكان تحويل الاحتياطيات التي تبقى داخل العراق إلى سوق رأس المال، حيث يعاني العراق من نظام بنكي هش يعتبر الأسواء على مستوى العالم فلا يثق اغلب المواطنين في البنوك ولا يتعاملون معها، ولا يتعدى عدد الذين يمتلكون حسابات بنكية بضعة آلاف. وبطبيعة الحال لا يوفر النظام البنكي بيئة جيدة للمستثمرين، وهو ما أدى إلى استمرار عجز البنوك عن المساهمة في الحياة الاقتصادية ومشروعات التنمية. وحتى عندما تتوافر القروض يضطر المستثمرين في اغلب الأحيان إلى دفع عمولات للحصول عليها.
أدت السياسات النقدية الخاطئة في العراق إلى تراجع العملة العراقية من حيث القوة الشرائية. ونتيجة لذلك، التزم البنك المركزي بالحفاظ على قيمة العملة لتحقيق الاستقرار النقدي عن طريق بيع الدولار في السوق واستنزاف احتياطيات البنك من العملات الأجنبية. ولكي يتلافى بعض التجار الخسائر التي قد يتكبدونها نتيجة تغير سعر الصرف، صاروا يتعاملون بالعملات الصعبة بدلا من العملة المحلية لبعض السلع في عمليتي البيع والشراء. لذلك، فان السياسة النقدية الضعيفة وعدم الاستقرار النقدي يمثل أحد عوامل اهتزاز الاقتصاد العراقي، ومن ثم ينبغي على رئيس الوزراء العمل على إصلاح النظام البنكي بشكل يساهم في تحفيز الاستثمار وتحقيق النمو الاقتصادي.
من خلال ما ذكرناه فان رئيس الوزراء يواجه اختبارًا صعبًا إذا ما أراد تنفيذ الإصلاح الاقتصادي بفاعلية داخل العراق. لذلك، هناك العديد من الإجراءات الأولية التي يمكن أن يتخذها رئيس الوزراء للخروج من عنق الزجاجة، منها البدء في إجراء إصلاحات جذرية في مجال السياسات المالية والنقدية والائتمانية بمشاركة ودعم مجلس النواب. ولكسب ثقة المواطن في النظام الاقتصادي وتحفيزه على الانخراط في مستقبل العراق الاقتصادي، يجب أن تقترن تلك التغييرات الداخلية بالدفاع عن الإصلاح الاجتماعي، وان لا يحرم أي عراقي بسبب دين أو مذهب أو قومية أو عرق أو جنس.
أن أي خطة للإصلاح مهما كان حجمها يجب أن تعمل على معالجة ظاهرة الفساد المالي، فبحسب التقارير الدولية، حل العراق في العام 2017 في المركز 169 بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد. وقد أبرمت الحكومة العديد من العقود الخاصة بتصدير النفط والبنية الأساسية، أدت إلى إهدار بلايين الدولارات على مشروعات باتت عقودها محل تشكيك من قبل الخبراء. يقول النائب رحيم الدراجي، عضو لجنة النزاهة في البرلمان، إن هناك أكثر من خمسة آلاف عقد وهمي، وتسلمت شركات وهمية نسبة تتراوح بين 30 إلى 60 بالمئة من الأموال استنادا إلى هذه العقود. كما يؤكد أن حجم الأموال التي أهدرت في عقود البنية الأساسية التي كانت اغلبها على الورق فقط بلغت 228 بليون دولار.
وأخيرا، يجب على الحكومة العراقية الجديدة الالتزام بمعايير الشفافية الدولية والسماح للمنظمات الدولية الرقابية ومنظمات المجتمع المدني والإعلام بالمشاركة في مكافحة ظاهرة الفساد. وربما تؤدى تلك التدابير إلى زيادة الثقة بين الشعب والحكومة خاصة إذا تم إشراك الجهات غير الحكومية في عملية الإصلاح الاقتصادي. كما يجب على رئيس الوزراء أن يضع القوى السياسية الفاعلة أمام تحديات المرحلة ويحملهم مسؤولياتهم التاريخية.

خبير اقتصادي عراقي