سلطة البنك المركزي الهندي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٥/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٤:٠٢ ص
سلطة البنك المركزي الهندي

جياتي غوش

لازال بنك الاحتياط الهندي موضوعَ خلاف حاد بين الرأي العام الهندي وإدارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي على خلفية محاولات هذا الأخير المساس باستقلالية البنك المركزي. وفي واقع الأمر، ما تقوم به الحكومة خطير، لكن ليس للأسباب التي يبدو أن العديد من الناس يظنها.

واليوم، يعتبر البنك المركزي المستقل دعامة الاقتصاد الحديث على نطاق واسع. لكن مفهوم استقلالية البنك المركزي حديثُ العهد نسبيا- ومتصدع في العمق. ففي الأخير، يقوم البنك المركزي بمهام حساسة- بما في ذلك، التحكم في ذخيرة اقتصاد ما من المال الأساسي، تحديد معدلات الفائدة، تنظيم الأنشطة البنكية وحجم الائتمان، ولعب دور المقرض كآخر خيار- التي لا يمكن إنجازها دون سياسيات مالية و سياسات اقتصادية أخرى.

إن دعم استقلالية البنك المركزي ينبغي أن يرتكز على فكرتين: الأولى هي أن يكون الهدف الوحيد للسياسة المالية استقرار الأسعار، والثانية أن تكون الجهود المبذولة في هذا الجانب محمية من الضغوطات السياسية التي تواجهها الحكومات التي تسعى إلى تحقيق أهداف متعددة، لاسيما مكاسب التشغيل، والشمولية المالية، ومعدل صرف مستقر. ومع ذلك، فثمرة هذا الدعم، هو أن البنوك المركزية ستستجيب في الأخير للأسواق المالية بدل الحكومات المسؤولة عن الشعب.
لكن حكومة مودي لا تسعى إلى الربط بين السياسة المالية والسياسات الذكية المالية والاقتصادية، من أجل الاستجابة لحاجيات الشعب بنجاعة أكثر. وبدل ذلك، فقد اعتمدت سياسة قصيرة النظر لتعزيز مكانة الحزب الحاكم باهاراتيا جاناتا قبل الانتخابات المقبلة.
إن حزب باهاراتيا جاناتا يعاني من ضغط كبير. إذ رغم النمو السريع للناتج المحلي الإجمالي، فالاقتصاد الهندي ضعيف. وهذا راجع لبطء نمو معدل التشغيل الرسمي أو ركوده، وارتفاع العجز في الحساب الجاري، وتقلب التدفقات الرأسمالية. ويواجه المنتجون والمستهلكون نقصا حادا في السيولة، ونظرا لكون البنوك تصارع من أجل تدبير ملفات الأصول بلا عائد، ونظرا لجفاف تدفقات الديون. وأدى هذا إلى استمرار تراجع الاستثمارات، وأصبحت العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة- العمود الفقري للاقتصاد- على وشك الانهيار.
وبدأت هذه المشاكل منذ أكثر من 15 عاما، عندما بدأت الحكومات المتوالية بإجبار البنوك التجارية المسيرة من طرف الدولة بالالتزام بسياسة الإقراض الطويلة الأمد التي كان من المفروض أن تحمي بنوك التنمية (التي أقصيت خلال التحرير الاقتصادي للهند. وحصلت أصناف أخرى من إقراض المحسوبية على التشجيع، وهذا يظهر من خلال مساهمة أقل من 5000 مقترض من المؤسسات الكبرى في 90% من مجموع الأصول بلا عائد- وأكثر من نصف قروض البنوك الهندية- في نهاية شهر مارس. وزاد الإفلاس الاخير لمقرض الظل الكبير IL&FS من حدة الأزمة.
قد لا تكون حكومة مودي هي من السبب في هذه المشاكل، لكنها لم تفعل شيئا لحلها، رغم وعودها بضمان نمو سريع في فرص التشغيل، واقتلاع الفساد من جذوره، وتنظيف النظام البنكي. إن مشروع سحب العملة من التداول، التي أدت إلى إبطال نقط القيمة المرتفعة، كانت كارثة ألحقت أضرارا كبيرة بالمواطنين- خاصة العمال البالغة نسبتهم 81% الذين يكسبون قوت يومهم من القطاع غير الرسمي- دون الحد من الفساد. وأدت ضريبة السلع والخدمات إلى خلق المزيد من الفوضى والارتباكات الاقتصادية.
ومع اقتراب الانتخابات، تأمل حكومة مودي أن تشجع الاقتصاد وتسترجع الاستثمار مع الاستمتاع بإنفاق عام كبير. لكن هذا يتطلب تحرير المزيد من الائتمان- وهو شرط دائما ما كان يرفضه البنك المركزي الذي يركز اهتمامه على التخلص من الديون السيئة القائمة وإجبار البنوك على التصرف بحذر أكثر.
وبدل ذلك، لأول مرة في تاريخ الهند المستقلة، استحضرت حكومة مودي الجزء 7 من قانون بنك الاحتياط الهندي، الذي يعطي الحكومة السلطة لإصدار تعليمات للبنك المركزي. وتتضمن هذه التعليمات تسهيل القيود على الإقراض عن طريق البنوك «المجهدة»، وتعديل القوانين للسماح بالمزيد من الإقراض، وبناء مؤسسات تعتمد على سياسة نافدة واحدة لمنح القروض للشركات الصغرى دون الاضطرار إلى الاجتهاد من أجل ذلك، وتخفيف القيود على أرصدة المحفظة الاستثمارية الأجنبية للديون التجارية لشركة وحيدة معينة. وتريد الحكومة أيضاً أن تغطس مباشرة في احتياط بنك الاحتياط الهندي لتمويل نفقاتها الخاصة.
وأدى هذا إلى رد قاس من طرف نائب محافظ بنك الاحتياط المركزي فيرال أشاريا، الذي أعلن أنه، إذا مست الحكومة باستقلالية بنك الاحتياط الهندي عن طريق «نهب» ميزانيته، فإنها ستواجه غيظ الأسواق المالية. ويتناقض هذا الرد كثيرا مع قبول حاكم بنك الاحتياط الهندي أورجيت باتيل لسحب العملة من التداول، رغم عدم تلقيه تعليمات بشأن البرنامج مسبقا. بل رضخ باتيل للحكومة عندما وضعت هذه الأخيرة اللوم على بنك الاحتياط الهندي بعد فشل المشروع.
إن رفض أشاريا لمطالب الحكومة أمر مفاجئ، نظرا للدور الذي يلعبه بنك الاحتياط الهندي في السماح بعملية تخصيب الأصول بلا عائد. حتى نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اعترف أنه إن كان البنك المركزي يتحمل جزءا من المسؤولية في الأزمة، فعليه الاستعداد للمساهمة في حلها، عن طريق السماح للحكومة بتمويل بعض من عجزها وعن طريق تعزيز ميزانيتها.
وكما يظهر، فهناك شركات كبرى تدعم الحكومة. فمن المحتمل أن ترغب الشركات الكبرى التي لم تدفع ديونها الحصول على ائتمان جديد، رغم أن لائحة الشركات الكبرى «المقصرة في سداد الديون عن قصد» التي قُدمت لحكومة مودي منذ أربع سنوات من طرف سلف باتيل، راغورام راجان، لا زالت سرية، رغم مطالب البرلمان وتعليمات المحكمة العليا بالإفصاح عنها. ونعلم أن بعض الشركات التي لها وزن ثقيل، لاسيما مجموعات تاتا وأداني، تأمل الاستفادة من برنامج يتسامح مع قروض الشركات التي تنشط في قطاع الكهرباء.
إن المواجهة بين حكومة مودي وبنك الاحتياط الهندي ليست إشكالية بسبب إمكانية المساس باستقلالية البنك المركزي، لكن الإشكالية تكمن في كون حكومة مودي لا تسعى لحماية مصالح شريحة واسعة من الشعب، بل لاسترجاع سياسة إقراض البنك غير المسؤولة، وحماية أصدقائها، والفوز بالأصوات. ورغم ذلك، عندما تنقلب الأمور على عقبها، فقد يكون بنك الاحتياط الهندي هو من يتحمل كامل المسؤولية.

أستاذة شعبة علوم الاقتصاد في جامعة جواهارلال نيهرو في نيو ديلهي وعضو لدى اللجنة المستقلة المكلفة بإصلاح نظام الضريبة التجارية الدولية.