المدينة العربية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٥/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٤:٠١ ص

لينا ابي رافع

إن احد أهم أولويات أجندة التنمية المستدامة للأمم المتحدة هو جعل المدن «شاملة وآمنة ومرنة ومستدامة». إن بإمكان قادة المدن اتخاذ خطوة بسيطة والتي يمكن أن يكون لها دور كبير في تحقيق ذلك الهدف وهذه الخطوة تتمثل في وضع احتياجات النساء والفتيات في قلب عملية التخطيط الحضري.

بحلول سنة 2030 فإن غالبية سكان العالم سيعيشون في المناطق الحضرية ولكن وبينما زيادة التمدن- والفرص الاقتصادية والحراك الاجتماعي والاستقلالية التي ترافقه- سينتج عنها المزيد من الفرص للنساء فإن التحقق من المساواة بين الجنسين سيصبح اكثر صعوبة وهذا القلق ينطبق بشكل خاص على العالم العربي.

من المفترض في العديد من المجتمعات العربية ان المساحة الحضرية هي مساحه ذكورية حيث يتصرف الرجال وكأنهم «يملكون» الشارع وذلك يظهر بشكل واضح في الطريقة التي يمشون بها وكيفية معاملة النساء بالأماكن العامة وفي العديد من المدن العربية وغيرها فإن هناك احتمالية اكبر بكثير أن يقوم الرجاء بإلقاء الأوساخ مما يعزز التصور بأن الرجال ينظرون للأماكن العامة على أنها ملكهم الخاص.
إن من المفارقات أن «الشارع» العربي كان مسرحاً للتقدم الذي أحرزته الحركة النسائية وحتى قبل أن ترفع النساء العربيات صوتهن خلال الربيع العربي سنة 2011، كانت المساحات الحضرية مسرحا لاحتجاجات الحركة النسائية مما شكل مقياساً سياسياً لبقية المجتمع.
لكن لم تتم دراسة الحركة النسائية الحضرية بشكل واسع من قبل مخططي المدن في العالم العربي. لا يوجد وعي يذكر بكيفية تأثير جنس الفرد على المساحات العامة حيث لا توجد معلومات عن كيفية تأثير المرأة أو تأثرها بالقرارات التخطيطية وبدون فهم أعمق للاحتياجات الاجتماعية والمكانية للمرأة العربية، فإن شوارع المنطقة ستبقى ملكا للرجال.
بينما ينتشر التحرش الجنسي في بعض المدن العربية، فإن الاهتمام بالمساحة الحضرية على أساس جنس الفرد لا يتعلق بالأمان فحسب فعلى الرغم من ان العديد من النساء في المدن العربية يخاطرن بالتعرض للإساءة اللفظية والجسدية عندما يخرجن للأماكن العامة، فإن عليهن كذلك التغلب على قضايا الصرف الصحي السيئ والقدرة المحدودة على الوصول الى المراحيض والمياه النظيفة بالإضافة إلى قلة الخصوصية. إن الجماعات المهمشة –مثل المهاجرين والأقليات والدينية والفتيات الشابات والنساء الكبار بالسن والمعاقين – معرضة على وجه الخصوص للتمييز.
وعليه فإن الحلول يجب أن تتعامل مع مجموعة واسعة من التحديات الاجتماعية والثقافية والتي تمنع النساء والفتيات من التحرك بشكل حر في الأماكن الحضرية ومن اجل مساعدة المدن في المنطقة العربية على التقدم تجاه المزيد من الشمولية، يتوجب على الحكومات التركيز على أربعة إصلاحات رئيسية.
بادئ ذي بدء، يتوجب على مخططي المدن التعاون مع المجموعات النسائية من اجل التحقق من إجراءات الأمن وتقديم وصف دقيق للمناطق عالية الخطورة ومن خلال تحليل بيانات الجريمة على سبيل المثال فإن بإمكان المخططين تحديد اين سيتم توجيه التحسينات مثل الإضاءة الأفضل أو نشر المزيد من أفراد الشرطة. عندما يتم إشراك المنظمات النسائية في مثل تلك القرارات فإن المدن تصبح أماكن اكثر أمنا للنساء وهذا بدوره يعمل على تحسين قدرتهن على اغتنام الفرص الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
ثانيا، يجب إعادة تشكيل الأنظمة التعليمية من أجل تشجيع المزيد من النساء والفتيات لدخول مهن مثل الهندسة المعمارية والتخطيط والتصميم الحضري وفي معظم المدن العربية فإن عمليات التخطيط غير مفتوحة لعامة الشعب وخاصة النساء ومن اجل تغير الوضع القائم الذكوري، يتوجب علينا تشجيع المزيد من الشابات على دخول تلك المجالات وتصميم مساحات عصرية تأخذ بالاعتبار احتياجات النساء.
ثالثا، تحتاج المدن لأساليب موحدة لقياس حقوق النساء في البيئة العصرية ومن تلك الأساليب عمل أنظمة قياس على شكل نقاط من قبل النساء ومن اجلهن: يمكن أن تتضمن المسوحات أسئلة عن الأطر القانونية والمشاركة في عملية صنع القرار المتعلقة بالتخطيط الحضري وعادات النقل العام والآراء المتعلقة بالإسكان والترفيه والأمان.
أخيرا، يتوجب على المخططين الحضريين إعادة التفكير بكيفية ملء المساحات العامة فعلى سبيل المثال هناك التماثيل العامة وفي العديد من المدن فقط الرجال هم الذين يتم تكريمهم من خلال عمل تماثيل من البرونز لهم. لماذا لا تحظى النساء بنفس المعاملة؟ ولو كانت المساواة بين الجنسين إحدى العوامل التي يتم وضعها بالحسبان عند إطلاق الفنون العامة فإن الشباب والشابات سوف يكبرون وهم على دراية تامة بإن مدينتهم هي مكان يتم فيها تكريم وحماية واحترام الجميع.
إن التخطيط الحضري لم يكن في يوم من الأيام محايدا فيما يتعلق بجنس الفرد فقادة المدن العربية على وجه الخصوص يجب أن يعملوا بجد واجتهاد من اجل أن يضعوا بعين الاعتبار جميع آراء ورغبات السكان وبالنسبة للنساء والفتيات فإن المتطلبات تتضمن الشوارع الآمنة والمنشآت العامة التي تتم صيانتها بشكل جيد ووسائل الراحة حسب جنس الفرد مثل غرف الرضاعة للأمهات وفي مدينة آمنة بحق فإنه يتم الأخذ بعين الاعتبار حقوق الجميع والذين يمكنهم الوصول للمساحات العامة على أن يتم إشراك الجميع في عملية التخطيط.
لو قام المخططون بشكل مستمر بتطبيق تلك المبادئ في عملهم فإن المدينة العربية ستصبح بشكل تلقائي مثالاً يحتذى في مجال تمكين المرأة وعندما تصبح المدن بمثابة قوة دفع للفرص المتاحة للنساء فإن الجميع يستفيد.

مديرة معهد الدراسات النسائية في العالم

العربي في الجامعة اللبنانية الأمريكية