آنا بورشفسكايا
قد يبدو مستغرباً قيام موسكو بتزويد سوريا بنظامها الصاروخي المضاد للطائرات من نوع «إس-300»، لاسيما وأن القرار جاء بعد إسقاط طائرة استطلاع روسية من طراز «إليوشن-20» شمال سوريا في 17 سبتمبر الفائت باستخدام صواريخ «إس-200» الأقل تطوراً. فلماذا إذاً قامت روسيا بإعطاء نسخة أكثر تطوراً من هذا السلاح إلى حليف يفتقر إلى الكفاءة ؟ ألن تؤدي ذلك إلى زيادة المخاطر التي يواجهها الروس الذين ينفذون العمليات في المجال الجوي السوري؟
قد يكون ذلك صحيحاً، لكن بالنسبة للكرملين، يدور تسليم صواريخ «إس-300» حول أمر واحد، وهو: التأكيد على هيمنته المتنامية في سوريا. فهو بمثابة رسالة سياسية موجهة إلى الغرب وإلى كافة الأطراف الأخرى في المنطقة، ومفادها أن روسيا جاءت لتبقى.
ويقيناً، أن الحادثة التي تعرضت لها طائرة «إليوشن-20» كانت محرجة لموسكو. فقد كشفت عن عدم كفاءة روسيا وحليفها السوري على حدٍّ سواء. فادّعاء موسكو بأن إسرائيل تعمّدت خلال الحادثة على استغلال وجود طائرة «إليوشن-20» كغطاءٍ لضربتها على سوريا بواسطة طائرات «إف-16» وأبلغت نظيرتها الروسية بالضربة قبل وقوعها «بدقيقة واحدة» فقط كان اتهاماً سخيفاً. لقد كانت محاولة خرقاء لحفظ ماء الوجه.
ومع ذلك، إن إمداد سوريا بصواريخ «إس-300» يمنح بوتين تأثيراً إضافياً على الغرب ويدعم حلفاء موسكو. فهذه الصواريخ لا تهدد إيران و«حزب الله» أو التنظيمات الإرهابية الأخرى في سوريا، لكنها قادرة على الحد من حرية العمل العسكري لإسرائيل وتركيا، أو على الأقل جعلها أكثر تعقيداً.
وفي الوقت نفسه، تعطي صواريخ «إس-300» خيارات لدمشق (وبالتالي لموسكو) لم تكن متاحةً لهما في السابق من أجل تقويض الدور الأمريكي في سوريا. ومن المحتمل أن تزيد من قدرة «نظام الدفاع الجوي المتكامل» التي تملكه سوريا، وبالتالي توفير غطاء إضافي لأنشطة إيران في سوريا. كما يمكن أن تعقّد العمليات التي تشنّها الولايات المتحدة وقوات التحالف ضد تنظيم داعش.
وبالفعل، تشكل سلسلة صواريخ «إس-300» - التي هي أساساً النسخة السابقة من الجيل الراهن المعروف بـ «إس-400» - جوهرة الصادرات الروسية من صواريخ أرض-جو. وإذا أثبتت فعاليتها فقد تعزز مكانة موسكو بصفتها المَصدْر المفضّل لإمدادات السلاح في المنطقة.
على الرغم من الاتفاق الأخير بين روسيا وتركيا، من المرجح أن تكون المعركة على إدلب في سوريا مشتركة وقد تحدث في المستقبل القريب. وثمة احتمال فعلي بوقوع اشتباك بين إسرائيل وإيران في سوريا. أما الولايات المتحدة فستبقى في سوريا وتواصل العمل مع «قوات سوريا الديمقراطية»، بينما ستواصل فرنسا وبريطانيا ضرباتهما الجوية ضد تنظيم «داعش» في سوريا. وبالنسبة لبوتين، يعني هذا الوضع أمراً واحداً، وهو: استخدام كل تأثير ممكن لضمان احتفاظ موسكو بنفوذها هناك.
وفي الوقت نفسه، لا تزال العديد من التفاصيل المهمة الخاصة بصفقة بيع صواريخ «إس-300» غير معروفة، ومن بينها: عدد الصواريخ التي حصلت عليها دمشق، ونوع النظام الذي استلمته سوريا، والموقع الذين ستُنشر فيه هذه الصواريخ، وما إذا كان سيتعيّن على سوريا دفع ثمن هذه المعدات، والأهم من ذلك، مَن سيشغّل صواريخ «إس-300»؟
إن تعلّم كيفية تشغيل صواريخ «إس-300» يستغرق شهوراً من التدريب المكثّف. وقد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن تدريب السوريين على استعمال الصواريخ سيستغرق ثلاثة أشهر. ومع ذلك، يستخدم السوريون صواريخ «إس-200» التي وفّرها الاتحاد السوفيتي على مدى 30 عاماً، ومع ذلك أسقطوا طائرةً روسية بحسب المعلومات الغير مؤكدة فموسكو تتهم إسرائيل بإسقاط الطائرة. ولا شك في أن ثقة بوتين بالكفاءة العسكرية السورية متدنية وتُلقي بظلال الشك على الموعد النهائي الذي أعلنه شويغو. لكن إذا تولّى الروس تشغيل هذه الأنظمة الصاروخية في سوريا - ضد إسرائيل - فسيكون للأمر تداعيات مهمة و/أو خطيرة.
وفي الوقت نفسه، قد تفقد موسكو بعضاً من نفوذها في سوريا مع تزويد هذه الأخيرة بصواريخ «إس-300». فحتى الآن، حافظ بوتين على علاقات جيدة مع كافة الأطراف في الشرق الأوسط، على الرغم من تفضيله الواضح للتكتل المعادي للولايات المتحدة. لكن من غير الواضح ما إذا كان سيواصل الحفاظ على هذا التوازن.
إن صواريخ «إس-300» هي سلاحٌ قوي، ولكن لها حدودها. فهي قائمة منذ سبعينيات القرن الفائت. وقد تسنّى للجيشين الأمريكي والإسرائيلي دراستها على مدى سنوات ومعرفة إمكانياتها. وفي هذا الإطار، هناك أهمية أيضاً للمراقبة الجوية وإدارة المعارك. فإذا كان نظام المراقبة الجوية بطيئاً جداً في رؤية طائرة ما، على سبيل المثال، فلن تكون هناك أهمية لمدى قوة نظام «إس-300». كما أنه ليس من الواضح كيف سيتم دمج إمكانيات الدفاع الجوي السورية والروسية في نظام آلي واحد، على الرغم من ادّعاء شويغو بأن هذه العملية ستُستكمل بحلول 20 أكتوبر الفائت. وأخيراً، إذا لم تحصل سوريا إلا على بطارية صاروخية واحدة من نوع «إس-300» - كما أُشيع - فإن عملية النقل ستكون أكثر رمزيةً من كونها فاعلية.
وبالتالي، فبالرغم من جميع المشاكل التي قد تحدثها صواريخ «إس-300»، إلّا أن نشرها لن يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة. وطالما بقيت الولايات المتحدة في سوريا وتعمل على ردع إيران، كما قرّرت إدارة ترامب فقد لا تحظى موسكو بالضرورة بالميزة الإقليمية التي تسعى إليها. ومن المفارقات أن قرار موسكو قد يؤدي إلى إضعاف المكانة ذاتها التي كانت تعتزم روسيا تعزيزها.
زميلة «آيرا وينر» في معهد واشنطن وزميلة في «المؤسسة الأوروبية للديمقراطية». وعملت سابقاً في «المجلس الأطلسي» و«معهد بيترسون للاقتصاد الدولي» وهي محللة سابقة لمقاول عسكري أمريكي في أفغانستان