هل يستغفل ترامب بوتين؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٣/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٣:٥٢ ص

نينا خروتشوفا

أمضى أغلب العالَم العامين الأخيرين وهو يتصور أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يضع نظيره الأمريكي دونالد ترامب حول إصبعه الصغير كالخاتم. ولكن ربما كان ترامب هو الذي يقود بوتين من أنفه.

إن ترامب يحب بوتين، أو هكذا يقول. فبأسلوبه الذي يتسم بالمغالاة على غرار تلفزيون الواقع، امتدح ترامب نهج زعامة الرجل القوي الذي يتبناه بوتين، وتباهى بأنه قادر على تحسين علاقة أمريكا مع الكرملين.

وفي هذا الصيف، أثناء قمتهما الثنائية في هلسنكي، انحاز ترامب إلى صف بوتين، عميل جهاز المخابرات السوفييتية الأسبق، ضد مسؤولين أمنيين أمريكيين حول قضية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، والذي بات موثقا الآن. ووفقا لتصريح بوتين، فإنه كان يشجع ترامب (لكنه لم يتدخل لصالح ترامب بالطبع) لأنهما يتقاسمان الرغبة في تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين.
الآن، يحتاج بوتين أكثر من أي وقت مضى لصداقة أمريكا. فعلى الرغم من إعادة انتخابه رئيسا بعد فوز ساحق في انتخابات مارس، فإن معدلات تأييده انخفضت بشدة منذ ذلك الحين إلى 45%. يبدي الروس امتعاضهم إزاء تفاقم انعدام الأمن الاقتصادي الذي جلبته العقوبات التي فرضها باراك أوباما بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014 (وهي الخطوة التي عززت في مستهل الأمر معدلات تأييد بوتين المتدنية آنذاك).
في ذلك الوقت، كانت إصلاحات معاشات التقاعد، التي تضمنت زيادة سن التقاعد والتي استفزت انتقادات شديدة تصب أيضا الزيت على نيران الاستياء الشعبي في روسيا. وربما تتفاقم حالة السخط بفِعل «إعياء العداوة» الذي تحول إلى حالة عامة بين الروس، الذين سأموا ببساطة سياسة بوتين الخارجية العدوانية في أوكرانيا وسوريا، ودعايته المتواصلة المعادية للغرب.
من سوء حظ بوتين أن ترامب لم يفعل إلا أقل القليل لتحسين العلاقات الثنائية، على الرغم من بعض المبادرات الدبلوماسية، بما في ذلك عِدة دعوات موجهة إلى بوتين لزيارة البيت الأبيض. ورغم أن إقصاء ترامب لحلفاء أمريكا يخدم رغبة بوتين الظاهرة في إضعاف الغرب، فمن غير المرجح أن يكون اتخذ هذه الخطوات لصالح بوتين. من ناحية أخرى، فرضت الولايات المتحدة في عهد ترامب عقوبات إضافية أدانتها روسيا ذاتها باعتبارها «شديدة القسوة».
في مارس، وفي الرد على الهجوم بغاز الأعصاب على العميل الروسي المزدوج السابق سيرجي سكريبال وابنته في المملكة المتحدة، طردت إدارة ترامب 60 دبلوماسيا روسيا، وهو أكبر عدد منذ الحقبة السوفييتية. من منظور بوتين، لابد أن توقيت هذا التحرك ــ الذي جاء مباشرة بعد تهنئة ترامب له بحرارة على انتصاره الانتخابي ــ جعله أكثر مرارة وإثارة للحنق.
في الشهر التالي، أقرت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ضد أكثر من عشرين من الأفراد الروس والشركات الروسية ــ بما في ذلك قطبي النفط والألومنيوم أوليج ديريباسكا وأليكس ميلر ــ مما تسبب في هبوط أسعار أسهم الشركات المتضررة بشدة. وفي أغسطس، منعت إدارة ترامب الشركات الأمريكية من بيع توربينات الغاز والمعدات الإلكترونية إلى روسيا، نظرا للتطبيقات العسكرية المحتملة لهذه المنتجات.
علاوة على ذلك، سوف يكلف القرار الذي اتخذه ترامب بفرض رسوم جمركية على الواردات من الألومنيوم والصلب الاقتصاد الروسي ما قد يصل إلى 3 بلايين دولار في العام المقبل، برغم أنه لم يكون موجها ضد روسيا تحديدا. ومؤخرا، أعلن ترامب أنه يعتزم الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، وهي اتفاقية ثنائية للحد من الأسلحة تعود إلى زمن الحرب الباردة. ورغم اتهام كل من الجانبين الآخر لفترة طويلة بانتهاك بنود هذه المعاهدة، فإن فكرة التخلي ببساطة عن الحد من الأسلحة كانت تُعَد دوما ممارسة بالغة الخطورة، إلى أن جاء ترامب.
ظَل الكرملين على استعداد للاعتقاد بأن فشل ترامب في الوفاء بوعده بتحسين العلاقات كان نتيجة للمعارضة في الكونجرس، ناهيك عن شيطنة بوتين من قِبَل الديمقراطيين ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة. واستنادا إلى هذا المنطق، فمع تشككهم في أي تصرف قد يبدو وكأنه يفيد بوتين، يتعين عليهم أن يمنعوا ترامب من احتضان روسيا على مستوى السياسة.
لكن الحقيقة هي أنه لا الحزب الديمقراطي ولا وسائل الإعلام حققت نجاحا يُذكَر في كبح جماح ترامب. أما عن الجمهوريين، الذين يسيطرون على مجلسي الكونجرس الأمريكي، والذين كانوا معارضين صاخبين ذات يوم ــ مثل السناتور ليندسي جراهام والسناتور تِد كروز ــ فإنهم الآن يلعقون حذاء ترامب. ومع استئساد ترامب على حزبه لحمله على الخضوع، يبدو من غير المرجح أن يُلقى اللوم على آخرين عن فشله في الوفاء بوعده لبوتين.
التفسير الأكثر ترجيحا لخيانة ترامب للرئيس بوتين هو أن خطابه الدافئ كان مدفوعا، كأي شيء آخر يخرج من فمه، برغبته في الحصول على تقديرات، وليس أي اهتمام حقيقي ــ ناهيك عن التزام حقيقي ــ بمساعدة الكرملين. ولنتأمل هنا كيف أخلت مبادرات ترامب المبكرة تجاه رجل قوي آخر، وهو الرئيس الصيني شي جين بينج، السبيل لحرب تجارية شاملة ضد الصين، التي يصورها ترامب الآن على أنها عدو لأمريكا.
بطبيعة الحال، كان العالَم يتوقع من ترامب وعودا جهيضة ونزوات. الأمر المثير للدهشة هو كيف أساء بوتين قراءة الموقف إلى هذا الحد. فكيف أمكن أن يفشل مثل هذا المراقب الحريص للولايات المتحدة، الذي شحذت مهنته السابقة كجاسوس قدرته على فك رموز الدوافع والنوايا التي تحرك الناس، في إدراك زيف وعود ترامب؟
إذا كان أي شخص يعرف أن الأفعال أعلى صوتا من الكلمات فهو بوتين، الذي تتضمن كلماته غالبا إنكارا صريحا لآثام موثقة، من التدخل في الانتخابات الأمريكية إلى انتهاك المعاهدات. ومع ذلك، يظل بوتين على تجاهله لتصرفات ترامب ويسعى إلى عقد المزيد من الاجتماعات « للبقاء على اتصال» مع الرئيس الأمريكي المجامل دوما، مثلما حدث في الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى في باريس أو في قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين.
يبدو أن بوتين يتصور أنه كان يستخدم ترامب العاجز استراتيجيا لتحقيق غاياته الخاصة. والواقع أن ترامب نجح في سحب الجميع إلى عالَم تلفزيون الواقع، حيث يخدم كل من الإحساس والمبالغة والتضليل هدفه الحقيقي الوحيد: أن يكون «الناجي» الأخير على الجزيرة. وعندما يدرك بوتين أخيرا أنه كان ضحية خداع، فربما يكون العالَم دفع بالفعل ثمنا باهظا من استقراره السياسي، وأمنه الاستراتيجي، فضلا عن الأضرار البيئية. وسوف يكون لزاما على بوتين أيضا أن يدفع الثمن.

أستاذة في الشؤون الدولية ومساعدة العميد للشؤون الأكاديمية في ذا نيو سكول وزميلة بارزة في معهد سياسات العالم