مسقط - محمد محمود البشتاوي
يعاين كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات في الحوار الشامل الذي أجرته "الشبيبة" الدور العُماني إقليميًّا، وعلى صعيد القضية الفلسطينية، من منظور إيمانه العميق بأهمية السلطنة كوسيط نزيه يحظى بقبول واحترام جميع الدول والأطراف المعنية بالأزمات، مشيراً إلى أن "عمان واحدة من الدول التي تعتمد سياسة الحياد ولها احترامها وتاريخها المنشود".
ويشيد رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية بالقيادة العُمانية، ودورها، وحكمتها في مقاربة المسائل، وحراكها الدبلوماسي الذي يقوم "على تقريب وجهات النظر بصدق بين أطراف الصراع"، موضحاً أن هذه السياسية تمثل "نفس القاعدة التي تنطلق منها قناعتنا بأن الحل في الحوار والجلوس بين أطراف النزاع بوجود وسيط نزيه"، والذي يشكل في النهاية "أساس الحل السلمي الذي رسمه القانون الدولي وأولها المفاوضات وتقريب وجهات النظر".
ولا ينسى الدكتور عريقات في تناولهِ لصورة العلاقات الفلسطينية العُمانية، من الإشارة إلى خصوصية تلك العلاقة وعمقها وبعدها التاريخي والثقافي والاجتماعي، وما تقدمهُ السلطنة من دعم للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة من أجل التحرر والاستقلال وقيام دولة فلسطين على حدود 67 وعاصمتها القدس.
وفي الحوار الحصري الذي خصَّ به "الشبيبة"، تناول كبير المفاوضين الفلسطينيين عدة ملفات حساسة ومحورية، منها انتفاضة القدس، وأزمة قطاع غزة، وقضية لاجئي الشتات، وسياسة الاحتلال القاضية برفض السلام ومبدأ حل الدولتين، وصولاً إلى الأفكار والمقترحات الفلسطينية المقدمة للإسهام في حل للأزمة السورية، وفيما يلي نص الحوار.
دور السلطنة فلسطينيًّا
1. ضعنا في صورة العلاقات الفلسطينية العُمانية، وتقييمكم للدور الذي تقوم به السلطنة حيال القضية الفلسطينية؟
تتسم العلاقات الفلسطينية العُمانية بالخصوصية وبعمقها وبعدها التاريخي والثقافي والاجتماعي لدى أبناء شعبنا، ولاسيما الدعم السياسي الدائم ومواقفها الثابتة من قضيتنا الفلسطينية، ودعم حقوقنا الوطنية المشروعة من أجل التحرر والاستقلال وقيام دولة فلسطين على حدود 67 وعاصمتها القدس.
ونعلم أن قضية فلسطين تحتل مكان الصدارة في اهتمامات القيادة العمانية وتؤكد بشكل دائم في المحافل الدولية والاقليمية على ضرورة الاستجابة لحقوق شعبنا الفلسطيني ووقف سياسات الاستيطان وتهويد القدس وإجراءات الاحتلال في التضييق على شعبنا.
وتثمن فلسطين، قيادة وشعبا، الدور الذي تقوم به سلطنة عمان على المستويات الحكومية والمدنية والشعبية والخاصة من هيئات خيرية وخلافه في دعمها اللا محدود لفلسطين وشعبها على جميع الأصعدة من أجل تعزيز صموده على الأرض، وقد حققنا انجازات ملموسة في أطر التنمية البشرية والمساعدات والدعم الاجتماعي والاقتصادي والصحي والتعليم من خلال الدعم المباشر الذي تقدمه لنا السلطنة مشكورة.
2. ينشط حراك السلطنة الدبلوماسي في الخارج، حيال أزمات المنطقة، على تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع، والدفع بهم نحو طاولة المفاوضات لاعتماد الحل السلمي؛ فكيف تنظرون إلى هذه السياسات باعتباركم مختصين في هذا المجال؟
تعد عمان واحدة من الدول التي تعتمد سياسة الحياد ولها احترامها وتاريخها المنشود وحكمة القيادة العمانية وعدم اتخاذها المواقف المسبقة ما يجعل منها وسيطاً نزيهاً، لذلك الحراك الدبلوماسي يؤخذ على محمل الجد وبحسن نية حيث تقوم بتقريب وجهات النظر بصدق بين اطراف الصراع. وهي نفس القاعدة التي تنطلق منها قناعتنا بأن الحل في الحوار والجلوس بين أطراف النزاع بوجود وسيط نزيه هو أساس الحل السلمي الذي رسمه القانون الدولي وأولها المفاوضات وتقريب وجهات النظر.
الخيارات الفلسطينية في مواجهة الاحتلال
3. قابلت مؤخراً وفدا إسرائيليا في عمّان والقاهرة، لاستئناف المفاوضات، شريطة بحث قضايا الحل النهائي مقابل "وقف الانتفاضة"، إلا أن الاحتلال رفض ذلك؛ فما تفاصيل اللقاء، وما سبب رفض الاحتلال لمقترحاتكم؟
التقيت بسلفان شالوم في تموز وآب العام الفائت، وأي لقاءات تمت معهم فقد تمت من أجل تحديد العلاقة مع إسرائيل كما قرررها المجلس المركزي الفلسطيني، وأبلغتهم رسمياً أنه في حال عدم إيفائهم بالالتزامات المستحقة عليهم فسيكون تعاملنا معهم بالمثل، وقمت بوضع مطالبنا أمامهم وأولها ترسيم الحدود الفلسطينية لعام 1967 والإفراج عن الدفعة الرابعة من الاسرى القدامى، ووقف الاستيطان بما فيه القدس المحتلة، وتنفيذ إسرائيل لالتزاماتها للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وبالطبع رفضت إسرائيل المطالب الفلسطينية -على الرغم من إعلانها المتواصل عن "نيتها" اسئناف المفاوضات"- فهي تسعى لإظهارنا أمام العالم بأننا الرافضون للعودة إلى المفاوضات. ولم تكن أي من اللقاءات بهدف "وقف الانتفاضة" كما تفضلت، بل بسبب الدعوات المكثفة إلى العودة إلى المفاوضات ولكننا نؤكد أنها يجب أن تكون مفاوضات ذات جدوى ومصداقية ومستندة إلى قرارات الشرعية ومرجعيات عملية السلام، ومحددة بسقف زمني محدد.
حكومة الاحتلال تدّعي في خطابها الرسمي والاعلامي أن الجانب الفلسطيني يضع شروطاً تعجيزية للعودة إلى طاولة المفاوضات، وأنها "إسرائيل" ستعود إلى المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة وأن الجانب الفلسطيني هو من يرفض هذه الدعوات! نقول لإسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، وللعالم أجمع أن هذا ضرباً من التضليل والاحتيال، فالمطالب الفلسطينية ليست شروطاً وإنما التزامات مستحقة واتفاقات وقعت عليها إسرائيل وكان عليها تنفيذها ولكنها تنكرت لها وضربت بها عرض الحائط، منصبة نفسها دولة فوق القانون.
أما الغاية من رفض إسرائيل لمطالبنا فهي واضحة، وهي فرض شروطها على عملية المفاوضات وعلى رأسها قانونها العنصري بما تسميه "يهودية الدولة"، وإخضاع الشعب الفلسطيني وابتزازه، والتفرد بالعملية التفاوضية وإفراغها من مضمونها ومواصلة استخدامها كذريعة لفرض الأمر الواقع على الأرض، واستكمال مخططاتها التصفوية لسرقة الأرض واستباحة الإنسان الفلسطيني واستعباده ومصادرة موارده وحقوقه، وهذا أمر مرفوض لنا في القيادة الفلسطينية ولشعبنا الذي يدافع عن كرامته وحقوقه الطبيعية في حق تقرير المصير والاستقلال والحرية.
4. تكرر "إسرائيل" على الدوام أن لا شريك فلسطيني للسلام؛ فكيف ترد؟
هذه هي الدعاية الإسرائيلية المشروخة التي لم تعد تلقى آذاناً صاغية لدى المجتمع الدولي، حيث بات القاصي والداني يدرك من هو المسؤول عن إفشال العملية السياسية، ذلك من خلال الاجراءات الإسرائيلية الأحادية والمخالفة لقواعد القانون الدولي وتنصل حكوماتها من مسؤولياتها السياسية والقانونية، ومواصلة عمليات التطهير العرقي من توسيع للاستيطان وتهويد للقدس ومحيطها، وعمليات العقاب الجماعي من هدم للمنازل، وتشريد قسري للسكان الفلسطينيين، وإرهاب منظم لمستوطنيها، ومنع الحركة والحصار الجائر واعتقال المواطنين واعدامهم ميدانياً وغيرها من الخروقات الجمّة التي تدمر حل الدولتين وفرص السلام.
لم تعد هذه الأكذوبة خفية على المجتمع الدولي الذي بدأ يكشف وجه الاحتلال الحقيقي وتاريخه المليء بالحروب والعدوان، فتمطلبات شريك السلام تقتضي إثباتاً للجهود والالتزامات، وليس إعلانات شفهية فارغة فلقد أثبتت إسرائيل أنها ليست ناضجة بعد لأن تكون شريكاً حقيقياً للسلام وغير جاهزة لهذه المصالحة التاريخية. هذا في الوقت الذي أوفى فيه الجانب الفلسطيني بجميع الالتزامات المترتبة عليه، ولذلك أعلن سيادة الرئيس محمود عباس في خطابه في الأمم المتحدة نهاية أيلول الفائت، أنه في حال لم تلتزم إسرائيل بالتزاماتها فلن يلتزم الجانب الفلسطيني بالتزاماته كما نصت على ذلك مواثيق العالم، واتفاقية فينا لقانون المعاهدات . أعتقد أنه لن يتكرر وجود شخصية تسعى للسلام وتجتهد في جلبه كما فعل السيد الرئيس محمود عباس، ولعل شهادات قادة العالم به بما في ذلك البابا فرانسيس الذي اعتبره ملاكاً للسلام أدق وصف لذلك.
مبدأ حل الدولتين
5. يكرس الاحتلال الإسرائيلي سياسات تعمل على ابتلاع مزيد من الأراضي الفلسطينية، وتعزيز الكتل الاستيطانية، مع تصاعد دعوات اليمين للاعتراف بيهودية الدولة، وفي ظل ذلك يتساءل المراقب إن كان خيار حل الدولتين ما زال قائما؟
ترفض حكومة الاحتلال أي تحرك يقوم على أساس تحقيق مبدأ الدولتين، بل تحاربه، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة وبسباق مع الزمن لتثبيت سياسة الأمر الواقع على الأرض قبل الوصول إلى أي تسوية سياسية شاملة أو التفاوض على قضايا الحل النهائي. ويتضح من عمليات بناء الاستيطان وتوسيعه على حساب أرض دولة فلسطين حجم المخطط الاستراتيجي لدولة الاحتلال القاضي بإجهاض حل الدولتين بشكل عملي، اضافة إلى مجموعة القوانين العنصرية الذي يسنها النظام التشريعي الإسرائيلي المشوه واهمها قانون ما يسمى "بيهودية الدولة" الذي يلغي حقوق شعبنا ووجوده التاريخي على أرض فلسطين. تسعى إسرائيل لاستبدال مبدأ الدولتين على حدود 67 بفرضها الدولة الواحدة بنظامين أي نظام "الأبارتهايد" الحاصل فعلياً على الأرض، وتكرس فصل قطاع غزة وتخرجها من الفضاء الفلسطيني، وقد قامت بإلغاء الاتفاقيات الموقعة وتمارس العلاقات مع الجانب الفلسطيني وفقاً لقراراتها وتوجهاتها وليس وفقاً للاتفاقات الموقعة. على الرغم من ذلك ما زلنا نؤمن بخيار حل الدولتين، لكن الخيارات جميعها مفتوحة أمامنا في ظل الصلف الإسرائيلي، ولدينا عاماً حافلا بالتحديات.
6. يتضح يوما بعد يوم، أن الاحتلال ماضٍ في سياساته، وغير معنيٍّ بحل سلمي للصراع، الأمر الذي جعل المفاوضات وكأنها "عبثية"، ولا طائل منها؛ فما هي بدائل دولة فلسطين؟ وهل يمكنكم إعلان فشل المفاوضات؟
لقد أعلنت القيادة الفلسطينية تجميد عملية المفاوضات في نيسان العام الفائت، بسبب إفشال حكومة الاحتلال المتعمد لها، ورفض حينها الجانب الفلسطيني تمديد المفاوضات لمدة عام بناء على الاقتراح الإسرائيلي، حيث وضعت إسرائيل شرطها التعجيزي على العملية التفاوضية الاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة"، وتنكرت لالتزاماتها ورفضت الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى لما قبل أوسلو، والأهم من ذلك توسعها وتمددها الاستيطاني الذي زاد بنسبة 123% في العام 2013 أي خلال سير العملية التفاوضية، وبذلك قمنا نحن بوقف المفاوضات في ظل الاملاءات الإسرائيلية وفي ظل وجود مثل هذه الحكومة اليمينية المتطرفة التي لا تؤمن بالسلام ولا زلنا عند موقفنا الثابت من العودة إلى طاولة المفاوضات كما أسلفت أعلاه، وإذا كانت تعتقد إسرائيل أننا سنخضع لإملاءاتها وشروطها فهذا مستحيل، فقد أمضينا أكثر من عشرين عاماً في مفاوضات قدمنا خلالها كل ماعلينا من التزامات، ولذلك توجهت القيادة الفلسطينية إلى الاستثمار في استراتيجية التدويل، بعد أن قرأت المتغيرات في المنظومة الدولية، والاستناد إلى الحق القانوني والإنساني لشعبنا في تقرير مصيره الذي كفلته الشرعية الدولية والذي يكتسب قبولاً واعترافاً لدى المجتمع الدولي. وقمنا بناء عليه بتدويل قضيتنا، وإخراط المجتمع الدولي بالعملية السياسية والقانونية وتحمل مسؤولياته في ايجاد الحلول النهائية لانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس، وانقاذ العملية من تفرد إسرائيل بها واستحواذ الولايات المتحدة عليها، وزيادة الاعتراف بدولة فلسطين في العالم.
وقد حققنا بفضل نضالات شعبنا ومساعي القيادة الدؤوبة انجازات مهمة، حصلت فلسطين خلالها على عضوية كاملة في اليونسكو، وعضوية فلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة في العام 2012، واصبح لدينا حقوق الدولة، ووقعنا على الاتفاقات والمعاهدات الدولية، ما يقرب من 500 اتفاقية وبروتوكولاتها، بما في ذلك المرأة والطفل ومناهضة التعذيب، واتفاقيات جنيف، وغيرها، والأهم ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية الذي يتعامل مع الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الإنسان والأرض ومساءلته وتقديمه وتقديم قادته ومستوطنيه للعدالة، حيث قدمت فلسطين ثلاث بلاغات إلى الجنائية الدولية تتضمن ملفات الاستيطان وما ينبثق عن هذه المنظومة حسب ميثاق روما، والعدوان بما في ذلك العدوان الخير على قطاع غة الصيف الماضي، والأسرى. كما قدمنا مذكرات تكميلية حول جريمة إحراق عائلة دوابشة وإرهاب المستوطنين، ومذكرة أخرى حول الإعدامات الميدانية والعقاب الجماعي ضد المدنيين الفلسطينيين، ووضع هذه الجرائم في إطار مسؤولية القيادة السياسية والعسكرية والعمل على محاسبة الهرم السياسي والعسكري الإسرائيلي متمثلاً برئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ووزير حربه موشيه يعلون وأعضاء القيادة الإسرائيلية.
مقترحات لإنعاش اللجنة الرباعية
7. "الرباعية" ورغم أنها تضم أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إلا أن اللاعب الفاعل فيها واشنطن على وجه التحديد، فلماذا لا يتم توسيع هذه اللجنة لضم أطراف أخرى كجامعة الدول العربية، وتركيا، على سبيل المثال؟
لقد أصبح ذلك مطلباً، من المطلوب توسيع الرباعية بإضافة أعضاء مجلس الأمن والجامعة العربية وبعض الأطراف الدولية الفاعلة لتصبح منتدى متعدد الأطراف، فقضية فلسطين قضية أمن وسلم دوليين يجب أن تلعب فيها الأطراف الفاعلة دورا مهماً، وعليها مراقبة العملية السلمية حتى إنهاء الاحتلال. وللأسف لم تنجح الرباعية الدولية في تحريك "العملية السلمية" والدفع بها قدماً، بل تم تهميشها على يد التفرد الأمريكي الذي استحوذ على تركيبة الرباعية ودورها، وصنع القرار فيها، وقد لازم الفشل الرباعية منذ إنشائها، ولذلك تتعالى الأصوات اليوم لإنعاش وإعادة تفعيل اللجنة وإدخال عناصر جديدة عليها من أجل الاطلاع بدورها في إخراج المفاوضات وعملية السلام من مأزقها، وإعادة تصويب مسارها وإنهاء الهيمنة الأمريكية عليها. لذلك نطالب بإجراء تعديل على هيكلية الرباعية وبإضافة أطراف عربية وإقليمية ودولية أخرى عليها، وقد تم اقتراح العديد من الدول ولا يوجد لدينا تحفظ على أي دولة، ونرحب بكل الجهود المبذولة لدفع فرص السلام.
8. يعتقد "معهد دراسات الأمن الوطني الإسرائيلي" أن أي دور روسي في عملية السلام سيكون محدودا وغير مؤثرٍ؛ فهل توافقون على ذلك الطرح لاسيما أن هنالك علاقات تاريخية تجمع منظمة التحرير الفلسطينية مع موسكو؟
على عكس ما تتفتق عنه التحليلات الإسرائيلية، فإننا نؤمن بأن الدور الروسي يشكل رافعة رئيسية لحقوق الانسان الفلسطيني، وتمنع الاحتكار الأمريكي على العملية السياسية، وموقف روسيا واضح في تأييدها ودعمها لحل عادل للقضية الفلسطينية على أساس القانون الدولي، وموقفها الرافض لإجراءات الاحتلال غير الشرعية في القدس وباقي أرض فلسطين. وتتمسك روسيا بمبدأ حل الدولتين بما يستجيب مع مصالح دولة فلسطين، وهناك توافق مع أصدقائنا الروس حول شكل الحراك الذي سيضطلع به الاتحاد الروسي على صعيد القضية الفلسطينية، والدور المحوري والمهم الذي سيتم الافصاح عنه لاحقاً فيما يخص العملية السياسية. كما هو معروف للجميع أيضاً فقد دعت موسكو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام بضمانات ومرجعيات عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وتشكيل كتلة أصدقاء فلسطين حول العالم، وهذا ما نعمل على تحقيقه من أجل دعم فرص السلام.
9. رغم الجمود السياسي الذي يتضح في صورة العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، وتعثر المفاوضات مع الاحتلال، إلا أن التنسيق الأمني لم يتأثر بين الجانبين، ويشير البعض (ديفيد مناحيم رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية) أنه ما زالَ يتم بوتيرته الطبيعية؛ فكيف تفسر ذلك؟
قررت القيادة الفلسطينية عبر توصيات لجنتها السياسية المنبثقة عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، تنفيذاً لقرارات المجلس المركزي الذي انعقد في آذار العام الفائت لتحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع إسرئيل، وقد حددت اللجنة السياسية الآليات ليتم تنفيذها مطلع العام الحالي مع مجموعة أخرى من القرارات التي تطال بنود الاتفاقات الموقعة أيضا.
صياغة المشروع الوطني
10. ثمةَ تباعد واضح بين أغلبية فصائل العمل الوطني الفلسطيني ومسار المفاوضات، وهذا الأمر ليس جديدا، ومع اندلاع انتفاضة القدس، أصبحت الهوة أكثر اتساعاً؛ فما المانع من إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطني عبر حوار داخلي شامل يأخذ على عاتقهِ ترتيب أوراق البيت الفلسطيني وتحديد أولوياته؟
إن الحراك الداخلي الفلسطيني الحاصل منذ أشهر وحالياً للإعداد لعقد جلسة عادية للمجلس الوطني هو تحديداً ما يمكن تسميته إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وهناك إعداد للجنة تحضيرية للمجلس الوطني مكونة من جميع فصائل العمل الوطني، على أن تضم حركني حماس والجهاد الإسلامي بما يضمن المشاركة السياسية الكاملة. وقد تم توجيه دعوات رسمية لهما للمشاركة، وسيحدد المجلس الوطني البرنامج السياسي لدولة فلسطين ولمنظمة التحرير الفلسطينية في المرحلة القادمة، بما فيها تحديد العلاقة مع إسرائيل كما نصت على ذلك قرارات المجلس المركزي، وباعتقادي فالآن هو وقت دولة فلسطين ومؤسساتها الممثلة بالحكومة المؤقتة وبرئيس دولة فلسطين والمجلس الوطني الذي يعتبر برلمان دولة فلسطين. وسيكون العمل على تحضير جلسة المجلس الوطني برأيي نقطة ارتكاز هامة لإنهاء الانقسام، من أجل ضمان وحددتنا الوطنية والحفاظ على المشروع الوطني الفلسطينية ومنظمة التحرير قوية، ذلك من أجل مواجهة التحديات القادمة.
أزمة قطاع غزة
11. نشرت مصادر صحفية عبرية أخباراً مفادها أن تركيا طالبت مقابل تطبيع العلاقات مع الاحتلال أن تشرف إداريا على قطاع غزة وأن يرفع الحصار عنه، وهو ما شدد نتنياهو على رفضهِ؛ فكيف تنظر إلى هذه المسألة؟
هذا أمر غير مقبول سياسياً، فمفتاح الشرعية هي منظمة التحرير ودولة فلسطين برئيسها الشرعي محمود عباس، وأي مدخل لأي قضية اجرائية او إدارية لقطاع غزة الذي يعتبر جزء لا يتجزأ من ارض دولة فلسطين المحتلة، ومن يريد التعامل مع أي قضية تتعلق بقطاع غزة أو الضفة الغربية أو اي منطقة فلسطينية يجب ان يمر عبر القيادة الشرعية الفلسطيية، ولم يتم سؤالنا من الأتراك عن ذلك رسمياً وقد نشر في الاعلام فقط. ولم توفر القيادة الفلسطينية جهداً في رفع الحصار عن غزة من خلال المطالبات والقرارات دولية واللجوء إلى الاصدقاء، لكننا لا نعتقد أن تقوم تركيا بإعلان ذلك.
12. أغلق معبر رفح في وجه قطاع غزة المحاصر 315 يوما منذ بداية العام 2015 بحسب إحصائية صادرة عن هيئة المعابر والحدود في وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة؛ فإلى أين وصل هذا الملف، لاسيما أن السلطة الفلسطينية تبذلُ جهوداً مكثفةً لحل أزمة المعبر مع مصر؟
شكلت حكومة التوافق لجنة وزارية لمتابعة المبادرة التي تقدمت بها الفصائل الوطنية وهناك تكليف جدي بهذا الخصوص، في حال وافقت حركة حماس على المبادرة سيزور وفد من اللجنة الوزارية قطاع غزة لبحث تفاصيل واليات تنفيذ المبادرة. وقد قام الجانب الفلسطيني بعقد العديد من اللقاءات في القاهرة بين الوفد والجهات الرسمية المصرية، وطُرحت أفكارا حول كيفية إدارة المعبر من الجانب المصري، على أن تقدم السلطة بعض الممارسات الفنية حتى لا تتعامل مصر مع حركة حماس. على هذا الوضع الشاذ أن ينتهي فأزمة المعبر هي احدى نتائج هذا الانقسام البغيض ويجب ان تتخلى حركة حماس عن سيطرتها على قطاع غزة، وأن يعود قطاع غزة إلى الشرعية الفلسطينية وإنهاء الانقسام، هذا هو الحل لتخطي هذه الأزمة.
13. ثمة من يرى أن أزمات قطاع غزة، وما يتعرض له، من شأنه أن يفصلهُ مع الزمن عن الضفة الغربية، وبالتالي احتمالية أن تكون دولة فلسطين بلا غزة؛ فكيف تعاين هذه المسألة؟
لا، لا أرى ذلك على الإطلاق ولا أرى دولة فلسطينية بدون قطاع غزة ولا أرى الضفة الغربية والقدس الشرقية إلا جغرافية واحدة، وواهم من يعتقد انه يستطيع أن يفصل القدس عن قطاع غزة أو القدس عن القطاع وعن الضفة. لأن قطاع غزة والقدس والضفة هي مكونات دولة فلسطين ولا دولة فلسطينية بدون قطاع غزة ولا دولة فلسطينية في قطاع غزة.
عين فلسطينية على سوريا
14. ما هو وضع المخيمات الفلسطينية في سوريا في ظل ما تمر بهِ البلاد من حربٍ طاحنةٍ ؟
وضع المخيمات الفلسطينية في سوريا يصور تماما المأساة السياسية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين، وخلاصة الرواية الفلسطينية التي بات على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته السياسية والقانونية والأخلاقية تجاهها وايجاد حل سياسي نهائي لها. وفي سوريا بالتحديد، بعد اندلاع الأزمة وسيطرة داعش على اليرموك خاصة تفاقمت الأزمة الإنسانية داخل المخيمات، وهي تعاني من دمار شامل في البنية التحتية والمباني، وانقطاع الكهرباء والماء وصعوبة وصول المواد الأساسية، وانقطاع الطرق التي تصل بين المناطق المجاورة، وتعاني المئات من العائلات الفلسطينية التي نزحت عن مخيماتها إلى مناطق أخرى من أزمات اقتصادية متفاقمة وانتشار البطالة بينهم، وعدم وجود مكان يلجؤون إليه. وللأسف فإن اللاجئ الفلسطيني يدفع ثمن لجوئه أكثر من مرة بسبب الاحتلال، مرة في الخروح من دياره قسراً ومرة من مخيم اللجوء، فهي نكبة متواصلة بحق شعبنا بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
وقد واصلت منظمة التحرير كل الجهود الممكنة والاتصالات على أعلى المستويات أجل توفير المواد الأساسية والغذائية وايصالها وتوفير مراكز الإيواء للذين نزحوا إلى خارج المخيم بالتعاون مع الحكومة السورية ووكالة الغوث الدولية و المنظمات الإنسانية الدولية.
15. هل تمكنت منظمة التحرير الفلسطينية من تحييد المخيمات في سوريا؟ وما التحديات التي تواجه الوجود الفلسطيني هناك؟
اتخذ اللاجئون الفلسطينيون موقف منظمة التحرير الثابت في تحييد المخيمات وعدم زجهم في أتون المعارك والصراعات الداخلية باعتبارهم ضيوفاً مؤقتين على الدولة السورية حتى عودتهم إلى وطنهم، وكان لزاماً عليهم وعلينا عدم التدخل في الشأن السوري، وفعلت المنظمة ما بوسعها من اتصالات واستخدمت جميع علاقاتها من أجل تحييد المخيمات، ولكن يبقى الوضع برمته بما فيه المخيمات الفلسطينية رهناً بحل المشكلة السورية ككل، واستقرار الوضع السوري على حل دائم.
16. يرى مراقبون ومحللون أن تصفية الوجود الفلسطيني في سوريا ومن قبل ذلك في العراق، ما هو إلا تصفية لقضية اللاجئين الفلسطينيين في الشتات؛ فهل تتفق مع هذا الرأي؟ وهل ثمة خطر يتهدد قضية اللاجئين؟.
نعم صحيح، حيث يدفع أبناء شعبنا ثمن اللجوء المتكرر في المنافي ومخيمات اللجوء، ولا تزال إسرائيل وحلفاؤها تلاحق الوجود الفلسطيني في كل مكان في العالم، ولا سيما في المخيمات لتمرير مخطط تفريغها وإلغاء الشاهد على الحق الفلسطيني في العودة واسقاط هذا الحق، وهذا ما جرى في قطاع غزة المحتل، وفي مناطق مختلفة في فلسطين والشواهد الحية كثيرة على محنة اللاجئين الفلسطينيين، فالخطر يتهدد القضية الفلسطينية ككل بما في ذلك اللاجئين طالما بقي الاحتلال. لكن في نهاية المطاف، حق العودة هو حق مقدس لا يسقط بالتقادم، تكفله الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة والقرار 194 الذي يقضي بعودة اللاجئين إلى ديارهم الذين شردوا منها قسراً عام 1948.
17. بعثت الرئاسة الفلسطينية عبر منظمة التحرير رزمة مقترحات وأفكار تهدف إلى "وضع حد للحرب الأهلية في سوريا في غضون 18 شهرا"، وفق ما أكده عضو اللجنة التنفيذية د. أحمد مجدلاني الذي زار دمشق وموسكو؛ فما هي تفاصيل المبادرة الفلسطينية التي تزامن الإعلان عنها مع قرار مجلس الأمن 2254 الخاص بسوريا؟
منذ بداية الأزمة السورية دفعت فلسطين بجهود جدية من أجل المساهمة في إيجاد حل سياسي وتثبيت الحوار وإعلاء شأن القانون الدولي، وكانت الجهود الفلسطينية عبر التدخل مباشرة لدى جميع الأطراف السورية ذات العلاقة والأطراف الإقليمية والدولية خاصة وأن فلسطين من مؤيدي فكرة الحل السياسي السلمي، حفاظاً على وحدة سوريا وسيادتها وسلامتها الإقليمية، وكذلك لسحب الذرائع من إسرائيل والولايات المتحدة والتهرب من العملية السياسية في الشرق الأوسط بحجة إعطاء الأولوية لمكافحة ما يسمى الإرهاب ووضع القضية الفلسطينية على الهامش، وقد وضعت الأفكار والاقتراحات، كان آخرها اقتراحاً يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتشكيل لجنة تصيغ دستوراً جديداً للبلاد ومن ثم أجراء استفتاء عليه، وإجراء انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية في سوريا.
*-*
صائب عريقات.. مفاوض متمرس في مواجهة الاحتلال
يؤمن الدكتور صائب عريقات أن "الأفكار لا تقتل بالرصاص"، كما قال في أحد محاضراته؛ لذا لا يوفِّرُ جهداً في استنباط الأفكار لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي سلميًّا في المحافلِ الإقليمية والدولية، فتجدهُ في المفاوضات المباشرة وغير المباشرةِ مفاوضاً متمرساً، ومحترفاً، يجيدُ قواعدَ التفاوض مع عدوهِ.
طريق شاق في التدويل
بسبب تعنتِ "إسرائيل"، واستمرار سياساتها الاحتلالية والاستيطانية، ذهب الفريق الفلسطيني المفاوض، الذي يرأسهُ عريقات، إلى اختيار طريق آخر شاق غير المفاوضات، يتمثل في إعلان دولة فلسطين، والسعي للاعتراف بها، وهو ما تحقق، وكان آخرها من الفاتيكان، ليكون عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين 130 دولة في العالم.
وبفعل هذا التوجه، والذي يطلق عليه كبير المفاوضين الفلسطينيين "تدويل القضية الفلسطينية"، حصلت فلسطين على عضوية كاملة في اليونسكو، وعضوية فلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة في العام 2012، وأصبح لها حقوق الدولة، ووقعت دولة فلسطين على الاتفاقات والمعاهدات الدولية، أي ما يقرب من 500 اتفاقية وبروتوكولاتها، بما في ذلك المرأة والطفل ومناهضة التعذيب، واتفاقيات جنيف، وغيرها، والأهم ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية الذي يتعامل مع الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الإنسان والأرض ومساءلته وتقديمه وتقديم قادته ومستوطنيه للعدالة.
النشأة والتعليم
وُلد صائب محمد صالح عريقات في 28 أبريل 1955 في بلدة أبو ديس بالقدس الشرقية وهو السادس من بين سبعة إخوة وأخوات، متزوج وأب لبنتين توأم (سلام ودلال) وولدين (علي ومحمد)، وهو حتى الآن يقيم مع أسرته في مدينة أريحا بالضفة الغربية التي تلقى فيها تعليمه الابتدائي.
سافر وهو في سن السابعة عشرة إلى سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، ودرس في جامعتها الحكومية عام 1977 ليحصل منها على درجة البكالوريوس ثم الماجستير في العلوم السياسية بعد ذلك بعامين. وبعد نيله درجة الدكتوراه في دراسات السلام من جامعة برادفورد البريطانية عمل بعدها محاضرا بجامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس والتي تعتبر كبرى الجامعات الفلسطينية.
المكانة السياسية
عريقات أول وزير للحكم المحلي في أول حكومة تشكلها السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وكان عريقات نائباً لرئيس الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد عام 1991 وما تلاه من مباحثات في واشنطن خلال عامي 1992 و1993، وعُيِّن رئيساً للوفد الفلسطيني المفاوض عام 1994.
وفي 1995 أضحى كبير المفاوضين الفلسطينيين، وانتخب للمجلس التشريعي الفلسطيني ممثلاً عن أريحا عام 1996. كان أحد الموالين المقربين من ياسر عرفات إبان اجتماعات كامب ديفيد عام 2000 والمفاوضات التي أعقبتها في طابا عام 2001. واحتفظ بمقعده في المجلس التشريعي بالانتخابات البرلمانية في 2006 التي كسبتها حركة حماس، ولم تستطع الحركة منافسته في أريحا. وفي عام 2009 انتخب عضواً باللجنة المركزية في حركة فتح، وهي أعلى هيئة قيادية في الحركة، ثم اختير بالتوافق في نهاية 2009 عضواً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.