مفاوضات إلى ما لا نهاية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٢٠ ص
مفاوضات إلى ما لا نهاية

غازي السعدي

كشف د."صائب عريقات"، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عن اتصالات أمنية فلسطينية-إسرائيلية، لا ترقى إلى مستوى المفاوضات المطلوبة، في مسعى لإلزام الحكومة الإسرائيلية باحترام السيطرة الأمنية الفلسطينية على المدن الفلسطينية وضواحيها المصنفة بـ (أ) ، حسب اتفاق "أوسلو"، ووقف اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي وأذرعته الأمنية لها، وهذه الاتصالات مع إسرائيل، جاءت لإلزام إسرائيل باحترام ما عليها من التزامات، وتحريم دخول قواتها إلى مناطق (أ)، وهذا ليس طلباً فلسطينياً، وإنما التزاماً حددته الاتفاقات الموقعة إسرائيل عليها، وتقوم بخرقها، وحسب جريدة "هآرتس 5-3-2016" فإن إسرائيل والفلسطينيين يجريان مفاوضات سرية منذ تاريخ 9/2/2016 لإعادة السيطرة الأمنية الفلسطينية على الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، ويتضمن الاقتراح الإسرائيلي وقف النشاطات العملياتية العسكرية الإسرائيلية، في مناطق (أ)، ما عدا حالات يطلقون عليها بـ "القنبلة الموقوتة"، وخلال هذه المحادثات أو المفاوضات، عرضت إسرائيل على الجانب الفلسطيني أن تكون رام الله وأريحا أول مدينتين يتركهما الجيش الإسرائيلي، وفي حال نجاح التجربة حسب الاقتراح الإسرائيلي، تُستكمل الخطة لتشمل مدناً أخرى في الضفة، فالاقتراح الإسرائيلي واجه مصاعب ومعارضة لكنه ما زال على الطاولة.
المنطقة (أ) - حسب اتفاق "أوسلو"- تضم المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، والقرى المجاورة لها، والتي تشكل حوالي خُمس مساحة الضفة الغربية، حيث تصبح المسؤولية المدنية والأمنية، في هذه المنطقة، تحت السيادة الفلسطينية، لكن منذ اقتحام رئيس الحكومة السابق "أرئيل شارون" عام "2000" للمسجد الأقصى، واندلاع انتفاضة الأقصى، أرسل جيشه عام 2002 لاقتحام المدن الفلسطينية، في عملية أطلق عليها اسم "الجدار الواقي"، حيث رمت إسرائيل اتفاق "أوسلو" وراء ظهرها، وأخذ الجيش بإعادة احتلال الضفة الغربية، وعاد للعمل داخل المدن الفلسطينية دون قيود، ودون تحرك يذكر من قبل السلطة الفلسطينية ضد هذا الخلل.
تحقيق التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية في الوقت الحاضر شبه مستحيلة، طالما أن إسرائيل تتبنى الأيديولوجية الصهيونية المتطرفة، وحلم أرض إسرائيل التوراتية من النهر إلى البحر، حتى أن نائبة وزير الخارجية تسيفي حوتوبيلي، اعترفت أن المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين ليست على أجندة الحكومة الإسرائيلية، وليس لدى الحكومة نية لاستئناف مفاوضاتها مع الفلسطينيين حالياً، والمقصود بحالياً، حتى تستكمل مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية، والسيطرة على جميع أراضي الضفة، فالحكومة الإسرائيلية مستمرة بنهب الأراضي والبناء الاستيطاني، رغم أن ذلك يتنافى مع القانون الدولي، والقرارات الدولية، ورغم الاحتجاجات الفلسطينية واحتجاجات الأمم المتحدة ودول العالم، فإنها تنفذ مخططاتها حيث سبق أن أعلنت الاحتفاظ بأراضي غور الأردن، وهو السلة الغذائية للفلسطينيين، ضاربة عرض الحائط بالعالم واحتجاجاته، عبر تنفيذ مخططاتها جرعة بعد أخرى، فقبل أيام وضعت يدها على أكثر من ثلاثة آلاف دونم من أراضي الأغوار، جنوب مدينة "أريحا"، في الطريق لإنهاء إقامة الدولة الفلسطينية، وتحول دون تواصل التراب الفلسطيني مع منطقة البحر الميت السياحية.
إن الحكومة الإسرائيلية، والسياسيين الإسرائيليين، لا يأخذون التهديدات الفلسطينية المتكررة- بشأن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي-على محمل الجد، ويعتبرون ذلك مجرد تهديدات لا قيمة لها، ويعللون بأن إيقاف التنسيق الأمني، بمثابة انتحار للسلطة الفلسطينية ورئيسها، وفي أعقاب الهبة الشعبية الحالية، وحرب السكاكين، والتي زرعت الرعب بين الإسرائيليين، وأخلّت بالأمن الإسرائيلي، وأضرت بالاقتصاد الإسرائيلي، ففي محاولة إسرائيلية، ومبادرة من قبل جنرالات الجيش وأجهزة الأمن، للالتفاف على الحل النهائي، بحل للتهدئة وتحقيق الأمن لمواطنيها، تحاول التفاوض على ما جرى التفاوض عليه، وتم الاتفاق حوله، ووقعت عليه، ففي المفاوضات الأمنية الحالية لإعادة وضع أريحا ورام الله إلى سيطرة السلطة الفلسطينية الكاملة، وتوقف الجيش الإسرائيلي عن عمليات المداهمة والاقتحام والاعتقالات التي يجريها تحديداً في هاتين المدينتين.
لقد شارك في هذه المفاوضات الأمنية منسق أعمال الحكومة في الضفة الغربية، وممثلون عن الجيش وعن أجهزة الأمن الإسرائيلية (الشاباك)، ومن الجانب الفلسطيني وزير الشؤون المدنية "حسين الشيخ"، ورئيس المخابرات "ماجد فرج"، ورئيس جهاز الأمن الوقائي "زياد هب الريح"، وهذه المفاوضات جرت بموافقة رئيس الحكومة الإسرائيلية، ووزير الجيش ورئيس الأركان، وبالتأكيد بموافقة رئيس السلطة الفلسطينية، وكان الهدف من المبادرة الإسرائيلية وطروحاتها، للحيلولة دون تدهور الوضع الأمني الإسرائيلي أكثر، كذلك لعدم تدهور الوضع مع السلطة الفلسطينية، ولعدم قيامها بوقف التنسيق الأمني –والأهم وقف الزخم الأوروبي المعارض للإجراءات الإسرائيلية ضدها- إلا أن المفاوضين الفلسطينيين رفضوا الاقتراحات الإسرائيلية، وطالبوا أن يشمل الاتفاق وقف الاعتقالات والاقتحامات والإجراءات التي يقوم بها الجيش، في كافة أنحاء الضفة الغربية، وليس فقط في رام الله وأريحا، فاستمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل، من دون أفق سياسي، ودون مردود عملي، مع استمرار البناء ونهب الأراضي، سيضر بالسلطة الفلسطينية وقياداتها، وتصبح متهمة من قبل المواطنين الفلسطينيين، وخاصة من قبل الأجيال الشابة، بالتعاون مع الاحتلال، تماماً بنفس الصورة التي كان اللبنانيون ينظرون فيها إلى جيش جنوب لبنان العميل.
إن هذه المفاوضات- التي وصفت بالسرية، حتى أن "نتنياهو" ولأسبابه نفاها- كانت مفاوضات أمنية، فإسرائيل تخشى من انهيار التنسيق الأمني، وهذا ما ألمح إليه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وكان هدف المفاوضات العودة إلى الوضع الذي كان قائماً حتى ما قبل اندلاع الانتفاضة الثانية عام "2000"، مع أن الوزير المتطرف –وما أكثر المتطرفين في إسرائيل- "زئيف إلكين" من حزب الليكود، نفي وجود مفاوضات كهذه، معرباً عن اعتراضه الشديد لإعادة تسليم مدن في الضفة للسلطة الفلسطينية إلى الوضع الذي كان قائماً حتى عام (2000).
كما أن الوزير "نفتالي بينت"-رئيس حزب البيت اليهودي- أعلن أنه سيقاتل بكل قوة، لوقف نقل أي من المدن الفلسطينية لسيطرة السلطة ، فمعظم الوزراء والقادة السياسيين يرفضون إعادة مدن إلى السلطة الفلسطينية، ويرفضون أكثر العودة إلى مفاوضات سياسية مع السلطة الفلسطينية، ولوجود هذه المعارضة بين أقطاب الحكومة الإسرائيلية، ولتخفيف حدتها، فقد أكد رئيس أركان الجيش الجنرال "غادي ايزنكوت"، أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أنه لا يوجد في هذه المفاوضات مبادرات سياسية، بل أنها كانت أمنية، هدفها التهدئة، فقيادات سياسية إسرائيلية، تحذر من إعادة تسليم السلطة الفلسطينية المسؤولية الأمنية على المدن الفلسطينية، في المقابل فإن السلطة الفلسطينية ترفض الاقتراحات الإسرائيلية.
وخلاصة ما عرضناه في هذا المقال، وإلى أين اختزل المشروع الفلسطيني، فإسرائيل ليست فقط لا تحترم قرارات الشرعية الدولية، بل أنها لا تحترم أيضاً الاتفاقات التي وقعت عليها، من اتفاق "أوسلو" الذي يعارضه شرائح واسعة من الفلسطينيين، ولنستعير ما جاء في افتتاحية صحيفة "نيويورك تايمز 14-3-2016"، المقال الذي كان شديد اللهجة تحت عنوان الفرصة الضائعة لـ "نتنياهو"، فإنه يطالب الرئيس "أوباما" برفع المساعدات المالية لإسرائيل إلى أربعة مليارات دولار سنوياً، تحت ذريعة أمن إسرائيل، فإن الأمن الإسرائيلي لا يتحقق -حسب الصحيفة- إلا من خلال اتفاقية سلام مع الفلسطينيين، وحدها القادرة على تحقيق أمن إسرائيل، لكن إسرائيل تريد الأرض والتوسع بدلاً من السلام.

مدير مركز دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية