إسرائيل بلا قيود

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٢٠ ص
إسرائيل بلا قيود

شلومو بن عامي

إن الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية يلحق بمكانتها الدولية ضرراً لا سبيل إلى إصلاحه ــ أو هكذا يزعم الرأي التقليدي. ولكن حقيقية الأمر هي أن إسرائيل تتمتع في الوقت الحالي بدرجة من النفوذ العالمي غير مسبوقة في تاريخها، في ظل عدد لا حصر له من التحديات الدولية الجديدة التي تعطي سياستها الخارجية، التي ظلت لفترة طويلة رهينة قضية وحيدة هي قضية فلسطين، حيزاً أكبر كثيراً للمناورة.
مع إدراكها للمعارضة الشعبية المتصاعدة للدعم المطلق الذي تتمتع به في الغرب، كانت إسرائيل تبحث في أماكن أخرى عن الشراكات الاقتصادية، والسياسية في نهاية المطاف. ففي الفترة من عام 2004 إلى عام 2014، تضاعفت صادرات إسرائيل إلى آسيا إلى ثلاثة أمثالها، فبلغت في العام الماضي 16.7 مليار دولار أميركي ـــ نحو 20% من إجمالي الصادرات.
والآن تتجاوز تجارة إسرائيل مع عمالقة آسيا ـــ الصين والهند واليابان ـــ التي كانت معادية بلا هوادة ذات يوم حجم تجارتها مع حليفتها العالمية الأولى الولايات المتحدة. والواقع أن لا رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، الذي زار إسرائيل بعد بضعة أسابيع من إعادة انتخابه في ديسمبر 2014، ولا قادة الصين، التي أصبحت اليوم ثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل، يكلفون أنفسهم عناء ربط علاقاتهم الاقتصادية مع إسرائيل بنجاح محادثات السلام مع الفلسطينيين.
وأصبح التعاون الدفاعي مع الهند أمراً مألوفا. فقد زار وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون الهند في فبراير من العام الفائت . وبالمثل قام الرئيس الهندي براناب موخرجي بزيارة تاريخية إلى إسرائيل في أكتوبر. وربما كان انتخاب نارندرا مودي الهندوسي القومي رئيساً للوزراء في مايو 2014 سبباً في تسريع وتيرة التعاون بين البلدين. وبالفعل، أصبحت إسرائيل ثاني أكبر مُوَرِّد للتكنولوجيا العسكرية إلى الهند.
وبعيداً عن آسيا، تتملق إسرائيل روسيا، استناداً إلى اعتبارات استراتيجية بحتة. فبعد أن أصبحت روسيا الآن تحدد النبرة الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط من خلال استعراض دبلوماسية القوة على غرار القرن التاسع عشر، سعت إسرائيل إلى التوصل إلى تفاهم مع الكرملين بشأن الخطوط التي لا يجب تجاوزها في سوريا. (وهو التفاهم الذي سهل التوصل إليه بلا أدنى شك حياد إسرائيل بشأن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وتسليح الانفصاليين في أوكرانيا). وفي وقت سابق من هذا الشهر، امتدح سفير إسرائيل إلى موسكو، في كلمة ألقاها أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي ما أسماه "الازدهار غير المسبوق" الذي شهدته العلاقات الثنائية.
وحتى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المحاور الغضوب في الماضي، يسعى الآن إلى المصالحة. والواقع أن تركيا ـــ التي تخوض صراعاً مع روسيا، والتي تباعدت عن مصر وإيران، والتي تلاحق سياسات بشأن سوريا وتنظيم داعش والأكراد تتعارض مع تلك التي ينتهجها حلفاؤها في حلف شمال الأطلسي ـــ وجدت نفسها مؤخراً في عُزلة متزايدة وسط بحر من الفوضى. ولأنه لم يحقق أية فوائد استراتيجية من القضية الفلسطينية، اعترف أردوغان أخيراً في يناير بأن تركيا تحتاج إلى دولة مثل إسرائيل.
ومن المثير للاهتمام أن هذا التصريح جاء بعد عودة أردوغان من الزيارة التي قام بها إلى المملكة العربية السعودية، وهي لاعبة إقليمية رئيسية أخرى تحافظ على صلات أمنية سرية مع إسرائيل على أساس منطق مماثل. ففي نظر المملكة العربية السعودية، يشكل إفلات إيران من العزلة الدولية، والخسائر في حروب الوكالة في سوريا واليمن، وشبح الهجوم من قِبَل داعش والسياسات الإقليمية غير الملتزمة التي تنتهجها الولايات المتحدة، أولويات أعلى كثيراً من الفلسطينيين. وتتعاون دول خليجية سُنّية أخرى ومِصر أيضاً مع إسرائيل لاحتواء الإرهاب المتأسلم وصعود إيران على المستوى الإقليمي.
وحتى الدول الأوروبية وجدت أسباباً جديدة للتعامل مع إسرائيل. فقد أصبح رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس، الذي كان معادياً بشدة لإسرائيل عندما كان في المعارضة، حليفاً وثيقاً لها اليوم، بعد أن زار البلاد مرتين في غضون ثلاثة أشهر في عام 2015. وفي مقابل الغاز والدفاع والتكنولوجيا والاستخبارات العسكرية، تَعرِض اليونان الآن مجالها الجوي لتدريب القوات الجوية الإسرائيلية. وعلاوة على ذلك، تتعاون اليونان وإسرائيل مع قبرص في إنشاء ثِقَل جيوستراتيجي موازن لتركيا.
الواقع أن مصلحة اليونان في بناء علاقاتها مع إسرائيل قوية إلى الحد الذي جعل وزير الخارجية نيكوس كوتزياس يعلن أن البلاد لن تحترم أحدث التوجيهات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي التي تنظم وضع العلامات على السلع التي تنتجها المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. ولا عجب أن يشكو نبيل شَعَث، وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق لصحيفة هآرتس الإسرائيلية في يناير/ "خيانة اليونان للفلسطينيين".
ولكن اليونان ليست وحدها في معارضة توجيهات الاتحاد الأوروبي بشأن وضع العلامات الجديدة: فقد رفضتها المجر أيضاً. والواقع أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو يدفع بإسرائيل نحو ديمقراطية غير ليبرالية، يعتمد على حكومات أوروبا الشرقية المتزايدة البُعد عن الليبرالية لمساعدته في حماية إسرائيل من مبادرات الاتحاد الأوروبي المناوئة.
من الواضح أن إسرائيل تواجه عدداً كبيراً من فرص السياسة الخارجية الجديدة، والتي تقدم لها فوائد محتملة بعيدة المدى. ولكن أصدقاء إسرائيل الجدد من غير الممكن أن يحلوا ببساطة محل حلفائها الغربيين. فمع عمالقة آسيا تفتقر إسرائيل إلى النظرة العالمية المشتركة التي تشكل ضرورة أساسية لأي تحالف استراتيجي حقيقي.
أما عن القضية الفلسطينية، فمن المؤكد أن حلفاء إسرائيل الجدد لن يساعدوا في تحريك الحل. بل على العكس من ذلك، يعكس الحلفاء الجدد أجندة سياسية عالمية متغيرة أنزلت القضية إلى مرتبة متدنية من الأهمية، ومن المرجح أن يفضي هذا إلى إضعاف الحافز لدى إسرائيل لإعادة النظر في قمعها لفلسطين. ونتيجة لهذا، أصبح احتمال حل الدولتين أشد بُعداً اليوم من أي وقت مضى منذ بدء عملية السلام قبل خمسة وعشرين عاما.
وهذا ليس سبباً يدعو إسرائيل إلى الفرح والابتهاج. فرغم كل شيء، كان قمع فلسطين وسوف يظل يخلف تأثيرات فتاكة تؤدي إلى تآكل المجتمع الإسرائيلي. وبقدر ما تسمح فرص السياسة الخارجية الجديدة لإسرائيل باستمرار هذا القمع، فإن العواقب ستكون وخيمة على فلسطين وإسرائيل.

وزير خارجية إسرائيل الأسبق، ونائب رئيس مركز توليدو الدولي للسلام حاليا