عيادات الوزراء

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١١/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٣:٥٨ ص
عيادات الوزراء

علي بن راشد المطاعني

من الظواهر الجديدة التي برزت لسطح الأحداث واقترنت (ببعض) أعضاء مجلس الشورى الموقرين هي اصطحاب بعض المواطنين معهم أثناء مقابلتهم للوزراء لعرض مشكلاتهم وقضاياهم وإيضاح معاناتهم على اختلاف أنواعها، وبنحو يمكننا معه تشبيه هذه الظاهرة بالعيادات عندما يصطحب ولي الأمر ابنه الصغير أو أبناءه للطبيب المعالج ليقدم المزيد من الشرح عن حالة المريض صغير السن الذي ربما لا تسعفه الكلمات ليوضح حالته بالضبط، وبحكم أن ولي الأمر هو الأقرب للابن فإنه في مقدوره زيادة جرعات التوضيح وبما يملك من مفردات لغوية تكون أوضح من مفردات الابن الصغير، صحيح أن الطبيب يسأل المريض بداية عن حالته باعتباره هو صاحب الألم، إلا أن وجود ولي الأمر الكبير مهم بالطبع وذلك لـ(المزيد) من التوضيح كما أشرنا.

ذاتها الصورة وبكل تفاصيلها الدراماتيكية انتقلت من عيادات الأطباء إلى مكاتب الوزراء، فالوزير يمثل الطبيب، وعضو مجلس الشورى يمثل ولي الأمر أو هو بمثابة هارون بالنسبة لنبي الله موسى عليهما السلام، والمواطن يمثل الابن الصغير صاحب الوجعة ضعيف التعبير.

لكن المفارقة هنا هي أن الابن الصغير والمفترض فيه أنه ضعيف التعبير هو في الواقع ليس كذلك، بل على العكس تماماً هو إنسان راشد وعاقل وفصيح وبليغ وقادر على التعبير ولوحده عن كل ما يعانيه من آلام وأوجاع، والأدهى والأمرّ أن هذا الصغير -افتراضاً وجدلاً- هو الذي أتى بعضو مجلس الشورى للمجلس فهو الناخب والعضو هو المنتخب، وإذا كان الناخب فصيحاً وبليغاً فما جدوى أن يتقدمه عضو المجلس للوزير ليشرح له أمراً أو قضية، في حين إن صاحبها قادر على الإفصاح عنها أفضل من العضو بكل تأكيد. يحدث ما يحدث في ظل وجود حقيقة قائلة بأن مكاتب الوزراء مفتوحة أساساً للجميع، كما توجد دوائر للمراجعين مخصصة للاستماع إليهم والسماح لهم بمقابلة الوزراء متى ما دعت الحاجة لذلك.
فهل يا ترى برزت هذه الظاهرة اللاحضارية من أبواب انتخابية صرفة كرغبة العضو في أن يؤكد لناخبيه أنه حاضر ومستميت في الدفاع عن قضاياهم، وعبر ذلك تصل قناعة لدى المواطن بأن هذا العضو جدير بالعودة مرة أخرى لمجلس الشورى وفي الانتخابات القادمة للمجلس باعتباره قد أثبت كفاءته ميدانياً وعملياً؟.. ربما يكون هذا هو الدافع لبروز هذه الظاهرة، وبغض النظر عن المسببات إلا إنها تبقى ظاهرة غير مقبولة.
بالطبع نقدر عالياً بأن الأعضاء يعملون قدر طاقتهم لإيجاد الحلول لقضايا المواطنين عبر العديد من الطرق والوسائل كالرسائل والمخاطبات وعرضها في لقاءاتهم مع الوزراء والمسؤولين، ولكن ليس بهذه الصورة التي تلغي دور المواطن في دولة تفتح أبوابها للجميع في أن يأخذ كل ذي حق حقه وبنفسه كاملا غير منقوص، بل تتيح للجميع الشكوى على الوزارات في المحاكم.
بالطبع نتفهم بعض نوايا بعض الأعضاء النبيلة في مساعدة المواطنين وعضدهم بكل الطرق، ولكن تخونهم الأساليب السليمة التي يقدموا فيها المساعدة بطرق حضارية لائقة تحترم عقلية الإنسان وتأخذ بالتدرج في العمل الإداري ولا تؤسس لظاهرة غير حميدة أن تتبلور في المجتمع. نأمل أن لا نشاهد مثل هذه الممارسات فالمواطنين ليسوا مرضى لكي نصطحبهم كالأطفال ونقدمهم بهذا النحو الذي لا يليق بهم واحداً تلو الآخر في مشاهد محزنة، فعلى الأقل من حق هذا المواطن الكريم أن نحترم عقله، وأن نحترم كينونته، وأن نوقن بأنه واعٍ تماماً بحقوقه وواجباته، وبالتالي نبعده تماماً من أي مواضع فيها انتقاص من شخصه ومن هيبته وعزته.. والله من وراء القصد.