نهاية الحزبين في ألمانيا

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٦/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٤:٤١ ص
نهاية الحزبين في ألمانيا

سلاومير سيراكوسكي

لم يعد من الممكن التعامل مع أزمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (SPD) كأزمة حزبية عادية. فقد حصل الحزب على نسبة 9.7٪ فقط من الأصوات في الانتخابات الإقليمية في بافاريا هذا الشهر، وجاء تصنيفه وراء كلٍ من حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي (AfD) وحزب الخضر في استطلاعات الرأي الوطنية. ومع اقتراب موعد الانتخابات الإقليمية الأخرى في هيس، تشير الدراسات الاستقصائية إلى احتمال تراجع تأييد المواطنين للحزب الاشتراكي الديمقراطي، وربما ليس بقدر كبير كما كان عليه الحال في بافاريا.

لقد كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الديمقراطي / الاتحاد المسيحي الاجتماعي بمثابة ركيزتين أساسيتين للسياسة الألمانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولكن مع تراجع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، تنتقل ألمانيا من نظام قائم على حزبين إلى نظام متعدد الأحزاب لا يخضع لهيمنة أي حزب.

يتعرض الإجماع الألماني بعد الحرب للتراجع في مجالات رئيسية - التاريخ (المواقف تجاه الحرب العالمية الثانية)، والجغرافيا السياسية (المواقف تجاه روسيا)، والاقتصاد (المواقف تجاه صناعة السيارات)، والأخلاق (المواقف تجاه اللاجئين) - وهذا ينعكس على انقسام الأحزاب السياسية. لقد رفض الناخبون الألمان «الائتلاف الكبير» (الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي) منذ فترة طويلة. بينما كانت تعمل الأحزاب الصغيرة كفروع تابعة فقط للحزب الاشتراكي الديمقراطي أو الاتحاد المسيحي الديمقراطي أو الاتحاد المسيحي الاجتماعي، تتفوق الأحزاب الصغرى الآن على الأحزاب الرئيسية سابقا. علاوة على ذلك، فقد تحول لون «ميونخ الأحمر» إلى اللون الأخضر. في حين كانت المدن منذ فترة طويلة معاقل للحزب الاشتراكي الديمقراطي، فإنها تتحول الآن إلى حزب الخضر والأحزاب الصغيرة الأخرى. ومما زاد الطين بلّة بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، فإن البروفايل الديموغرافي للناخبين الأساسيين هو بمثابة الحكم بالإعدام. فقط 8 ٪ من الناخبين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي هم دون سن الثلاثين، و 54٪ هم فوق سن الستين. على النقيض من ذلك، فإن 24٪ فقط من حزب الخضر هم فوق الستين. وفي الوقت نفسه، أصبح حزب داي لينك (حزب اليسار) جذابًا بشكل متزايد لكل من اليساريين الجدد الأصغر سنا و كبار السن ما بعد الفترة الشيوعية من ألمانيا الشرقية سابقا.
وإذا كان نظام الحزبين يضمن الاستقرار والقدرة على التنبؤ، فقد يساهم انهياره في التغيير الاجتماعي الجذري. بعبارة أخرى، سيؤدي سقوط المؤسسة إلى صعود المناهضين للمؤسسة، في كثير من الأحيان على شكل شعبوي. منذ العام 2005، شارك الحزب الاشتراكي الديمقراطي كشريك ثانوي في ثلاث حكومات ائتلافية كبرى. ونتيجة لذلك، أصبح مرتبطًا بالوضع الراهن، على الرغم من أنه لم يكن قادراً على التبني المباشر لنجاحات الحكومات السابقة.
وقد حدث نفس الشيء في النمسا، حيث حكم الحزب الاشتراكي الديمقراطي إما بمفرده أو بالاشتراك مع حزب الشعب النمساوي بين عامي 1971 و 1999 (باستثناء 1983-1986). سمحت هذه الفترات الطويلة من حكم الائتلاف الكبير لحزب الحرية النمساوي اليميني الشعبوي بتقديم نفسه كعامل للتغيير.
عندما يتعرض ائتلاف كبير للخطر، يميل أعضاؤه إلى الشعور بالهلع. أما أولئك الذين يخضعون لقوانين الحزب فيفقدون الدعم، كما حدث مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. لذلك، يحاول آخرون التكيف مع اللغة الشعبوية - كما فعل زعيم الاتحاد المسيحي الاجتماعي هورست سيهوفر في الأشهر الأخيرة - في حين لا يزال آخرون يحاولون المشاركة في منصات سياسية جديدة. وقد وعد ألكساندر دوبريندت من حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي «بثورة محافظة»، بينما قام مارتن شولتز، الزعيم السابق للاتحاد المسيحي الاجتماعي، بالترويج للاتحاد الأوروبي.
علاوة على ذلك، عندما تتحرك الأجزاء المكونة للتحالف في اتجاهات مختلفة، كل شيء ينهار بسرعة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي يفقد فيه الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الديمقراطي الدعم، تظل أفكارهما شعبية. تكمن مشكلتهما في غياب المصداقية السياسية، وليس في عدم وجود أفكار. لقد خلق هذا العجز في المصداقية فراغًا تقوم الأطراف الأخرى بملئه. وهكذا، حقق حزب الخضر مكاسب في بافاريا من خلال دعمه سياسة اللاجئين كما فعل الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الديمقراطي في البداية. وعلى نحو مماثل، انتزع حزب البديل من أجل ألمانيا غطاء مناهضة اللاجئين عن الاتحاد المسيحي الاجتماعي. أما وسيهوفر فقد عمل على تقويض حكومة ميركل من الداخل أثناء توليه منصب وزير الداخلية. يتمثل الرابط المشترك بين جميع الأحزاب التي قامت بأداء جيد في الانتخابات البافارية في توفرها على سياسيين منسجمين مع وجهات نظرهم.
لسوء حظ ألمانيا، تعتبر أنظمة الحكم المعتمدة على التعددية الحزبية غير مستقرة وغير قابلة للتنبؤ بشكل عام، وهو ما يفسر سبب اجتهاد كل بلد أوروبي آخر - لاتفيا كمثال حاليا - باستمرار لإنشاء ائتلاف حكومي. في مثل هذه الظروف، ليس من المستغرب ظهور ائتلافات غريبة، بما في ذلك الائتلافات بين أقصى اليسار واليمين المتطرف، كما رأينا في اليونان وإيطاليا وسلوفاكيا.
إن أفضل أمل بالنسبة لألمانيا الآن هو أن يقوم نظام التعددية الحزبية الذي بدأ حديثاً بمنع التقدم الذي أحرزه حزب البديل من أجل ألمانيا، عن طريق إلغاء ندائه المناهض للمؤسسة. سوف يأخذ حزب البديل من أجل ألمانيا مكانه على اليمين المتطرف كحزب ضمن العديد من الأحزاب الأخرى. سيبقى دعمه في نطاق 10-20٪، لكنه لن يذهب أبعد من ذلك. في الواقع، لقد حدث هذا بالفعل في بافاريا، حيث حصل حزب البديل من أجل ألمانيا على 10.2٪ من الأصوات هذا الشهر، بانخفاض عن نسبة 12.4٪ التي حصل عليها في الانتخابات الفيدرالية في العام الفائت.
هناك امتياز محتمل آخر لنظام متعدد الأحزاب، والذي يتمثل في المزيد من المشاركة السياسية. في حالة بافاريا، ارتفعت مشاركة الناخبين إلى 72.4٪ في هذه الدورة الانتخابية، بعد أن كانت تبلغ 63.6٪ قبل خمس سنوات.
قد تتناوب حكومات ائتلافية تضم أحزابًا متعددة على الحكم في ألمانيا. على سبيل المثال، يمكن للمرء أن يتخيل ائتلافا بين الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي والديمقراطيين الأحرار وحزب الخضر - ما يسمى بائتلاف جامايكا. لكن من المرجح أن يؤدي هذا السيناريو إلى شلل سياسي، لأن السياسيين من الأحزاب المتنافسة داخل الائتلاف سيقوضون بعضهم البعض باستمرار بينما يروجون للإرادة الشعبية. علاوة على ذلك، ستكون سلطة المستشارة - وهي قوية جداً في ألمانيا تقليدياً - دائماً أضعف في حكومة متنوعة.
قد يؤدي سقوط الاحتكار الثنائي للحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي إلى تقويض الهيمنة الألمانية في أوروبا، حتى لو لم يستطع أي بلد آخر أخذ مكان ألمانيا في هذا الدور. وفي الوقت نفسه، من شأن إضعاف الحزب الاشتراكي الديمقراطي إضعاف الفريق الاشتراكي في البرلمان الأوروبي، مع احتمال حدوث كسوف مماثل لحكم نظام الحزب الثنائي في الأفق. ومع ذلك، بدون الركيزتين الأساسيتين لحزب الشعب الأوروبي وحزب الاشتراكيين الأوروبيين، لن يتمكن البرلمان من اتخاذ حتى القرارات الثانوية. مهما كان مسار ألمانيا والحزب الاشتراكي الديمقراطي، فاٍن أوروبا ستحذو حذوه.

مؤسس حركة كريتيكا بوليتيتشنا، ومدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو وزميل في أكاديمية روبرت بوش في برلين.