سياسة التقلبات المالية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٢٩ م
سياسة التقلبات المالية

ألكسندر فريدمان

قبل أربعة وعشرين عاما، وفي خضم حملة انتخابات رئاسية قبيحة في الولايات المتحدة، أوجز مدير حملة بِل كلينتون ببراعة رسالة مرشحه: «إنه الاقتصاد يا غبي». واليوم، فيما يناضل المستثمرون لفهم الأسباب وراء التقلبات الشديدة في الأسواق المالية، يبرز تفسير بليغ بنفس القدر: إنها السياسة الغبية.

لقد انتقلت سياسات البنوك المركزية من دعم الأسواق إلى احتمال التسبب في زعزعة استقرارها. فالآن تلجأ الأسواق إلى الإصلاح البنيوي والسياسة المالية طلباً للمساعدة. وعلى هذا الضوء، ينبغي لنا أن ننظر إلى تحركات الأسعار الحالية من خلال طيف المنظور الجيوسياسي. وهو ليس بالمشهد اللطيف.

ويتجلى هذا على النحو الأكثر وضوحاً على الإطلاق في أسواق النفط، حيث انهارت الأسعار إلى الحد الذي جعل سعر خام برنت وكرود يحومان حول مستوى الثلاثين دولاراً للبرميل. ويستشهد المراقبون بهبوط أسعار النفط، وما يترتب عليه من مخاوف تتعلق بالانكماش، باعتباره عاملاً رئيسياً وراء الاضطرابات في السوق إجمالا. ففي ‏كانون الثاني بلغت علاقة الارتباط بين أسعار النفط الخام ومؤشر ستاندرد آند بورز أعلى مستوياتها منذ العام 1990.
وقد بات من الواضح على نحو متزايد أن ديناميكيات العرض، وليس تراجع الطلب، هي التي تفسر هذا التراجع من 110 دولارات للبرميل منذ صيف العام 2014. وكان التحول إلى التسعير التنافسي الذي ترتب ضمناً على انكسار قوة المملكة العربية السعودية الاحتكارية، جنباً إلى جنب مع رغبة منظمة أوبك في التصدي للتهديد المتمثل في طاقة الزيت الصخري في الولايات المتحدة، سبباً في دفع أول تحرك نحو الهبوط. وعلى نحو مماثل، كان رفع العقوبات المفروضة على إيران مؤخرا، وما ترتب على ذلك من زيادة في المعروض العالمي من النفط، سبباً في انخفاض إضافي في الأسعار بنسبة 9 % في غضون بضعة أيام.
وتتشكل ديناميكيات العرض هذه بفِعل السياسة. وتعمل عناوين الصحف الرئيسية اليومية حول تدابير التنسيق المحتملة من قِبَل البلدان الرئيسية المنتجة للنفط على تغذية تقلب أسعار النفط وتحديد الرغبة في خوض المجازفة في مختلف الأسواق المالية. ومع هذا، كانت السياسات مختلطة وملتبسة إلى الحد الذي جعل التنسيق يبدو أمراً غير وارد في أفضل تقدير؛ فقد وصف وزير النفط الإيراني مؤخراً احتمال تجميد إنتاج الأوبك باعتباره «مزحة». كما تعمل الانتخابات البرلمانية في إيران على تضخيم حالة عدم اليقين والشكوك.
وبعيداً عن النفط، يتمثل التفسير الشعبي الآخر لاضطرابات السوق اليوم في التباطؤ الاقتصادي في الصين، والذي استشهد العديد من المستثمرين به باعتباره سبباً لتراجع أسعار الأسهم هذا العام. بيد أن هذا التباطؤ، الذي يعكس انتقال الصين من نموذج النمو القائم على الاستثمار إلى نموذج آخر قائم على الاستهلاك، كان متوقعاً على نطاق واسع، وكان النمو بنسبة 6.8 % في العام 2015 في حدود التوقعات.
تكمن المشكلة الحقيقية في الأخطاء السياسية التي جلبها القادة السياسيون في الصين على أنفسهم. فكان التدخل غير الحكيم في أسواق الأسهم في يوليو 2015، والذي أعقبه تعديل سعر الصرف من دون تفسيره بشكل جيد للناس في أغسطس، سبباً في دفع المستثمرين إلى التشكيك في مدى كفاءة صناع السياسات.
ومنذ بداية العام، تنامت هذه المخاوف. ولا تزال سياسة العملة مرتبكة، في حين عملت ضوابط سوق الأسهم التي تم فرضها حديثا (ثم سرعان ما ألغيت) على تسريع هبوط الأسواق، في ظل محاولة المستثمرين بيع الأسهم قبل أن تختفي السيولة. وعلاوة على ذلك، من غير الممكن أن تظل المشتريات من قِبَل المؤسسات المالية المملوكة للدولة، جنباً إلى جنب مع الحظر المفروض على البيع من قِبَل المؤسسات الكبرى الحاملة للأسهم، من السمات الدائمة إذا كان للسوق أن تصبح حرة حقا. ولن تفضي التغيرات المتوقعة للقيادات -تشهد الأشهر الثمانية عشرة المقبلة تغيير ستة أو سبعة من أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي- إلا إلى تفاقم حالة عدم اليقين.
وتحرك السياسة غير المستقرة على نحو متزايد النتائج في أسواق ناشئة أخرى أيضا. ففي البرازيل، تناضل الحكومة في محاولة لموازنة أجندتها الشعبوية مع انخفاض أسعار السلع الأساسية، والنمو المتضائل، والتضخم المستمر. وعلاوة على ذلك، كانت فضيحة الفساد سبباً في إصابة عملية الإصلاح بالشلل. ولا عجب أن سوق الأوراق المالية في البرازيل انخفضت بنسبة 28 % منذ مايو الفائت.
وفي روسيا أيضا، كانت السياسة سبباً في تفاقم صدمة أسعار النفط السلبية. فقد ساهمت العقوبات الغربية في تعزيز مسار النمو المتباطئ بالفعل، وهي تهدد قدرة روسيا على جمع رأسمال الدين في الأسواق العالمية. كما انخفضت قيمة الروبل بنحو 130 % منذ بداية العام 2014، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015 بنسبة 3.7 %.
وفي أوروبا، بدأت تتراجع فعالية السياسات النقدية التي ينتهجها صندوق النقد الدولي بعد أن أصبح المشهد السياسي متزايد الهشاشة. ففي المملكة المتحدة، تُظهِر استطلاعات الرأي أن نتائج استفتاء الثالث والعشرين من يونيو على الاستمرار في عضوية الاتحاد الأوروبي سوف تكون شديدة التقارب وهو ما يشكل تهديداً واضحاً لاستقرار السوق، والذي ينعكس في بيع الجنيه الاسترليني الفوري على نطاق واسع.

الرئيس التنفيذي لمجموعة

إدارة الأصول GAM Holding