هل نلوم الخبراء الاقتصاديين؟

مؤشر الاثنين ٠٥/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٤:٠٨ ص
هل نلوم الخبراء الاقتصاديين؟

ج. درادفور ديلونج

بما أننا نعيش اليوم ما يشبه تَقَهقرا تاريخيا للغرب، أصبح من المهم أن نتساءل عن دور الخبراء الاقتصاديين في الكوارث التي حدثت في العقد الأخير من الزمن.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى العام 2007، تصرف القادة السياسيون الغربيون على الأقل كما لو أنهم يهتمون بتحقيق التوظيف الكامل، واستقرار الأسعار، والتوزيع العادل للدخل والثورات، ونظام دولي منفتح، ستستفيد من خلاله كل الدول من التجارة والتمويل. صحيح أن التوتر كان يؤثر على هذه الأهداف، إلى درجة أننا، أحيانا، نعطي أولوية لمحفزات النمو قبل المساواة في الدخل، والتفتح قبل مصالح فئة خاصة من العمال والصناعات. ورغم ذلك، فجوهر القرارات السياسية كان تحقيق تلك الأهداف الأربعة.

وعند حلول العام 2008، تغيّر كل شيء. إذ تخلى القادة الغربيون عن هدف التوظيف الكامل، رغم أن الانفتاح المتزايد لم يشكل تهديدا بالتضخم ولم يكن مكسبا أيضا. كما تخلى القادة أيضا، دون تردد، عن هدف إيجاد نظام عالمي في خدمة الجميع. وتمت التضحية بكلا الهدفين من أجل استرجاع ثروات أصحاب الثراء الفاحش، ربما أملا في أن «يستفيد الفقراء» من هذا الثراء يوما ما.
وعلى المستوى الكلي، غالبا ما كانت تعتبر الفترة ما بعد 2008 فشلا في التحليل الاقتصادي والتواصل. إذ فشلنا نحن الخبراء الاقتصاديون في إخبار السياسيين والبيروقراطيين بما كان يجب القيام به؛ لأننا لم ندرس الوضع بشكل كامل ولائق في وقت آنٍ.
ورأى بعض الخبراء الاقتصاديين، مثل كارمن. م. رينهارت، وكنيث روجوف، من جامعة هارفارد مخاطر الأزمة المالية، وبالغوا بشكل كبير فيما يتعلق بمخاطر الإنفاق العام للنهوض بالتشغيل بعد هذه الأزمة. وفهم آخرون، مثلي، أن السياسات النقدية التوسعية لن تكون كافية، ولكن، لأننا درسنا الاختلالات العالمية بشكل خاطئ، أخفقنا في تحديد المصدر الرئيسي للخطر- سوء التنظيم المالي للولايات المتحدة الأمريكية.
ومع ذلك، أدرك آخرون على غرار رئيس الخزانة الفيدرالية الأمريكية، آنذاك، بين بيرنانك، أهمية إبقاء معدلات الفائدة منخفضة، لكنهم أعطوا قيمة مبالغا فيها لفعالية الاستراتيجيات النقدية الإضافية مثل التيسير الكمي. والدرس المستنبط من كل هذا، هو أنه لو أننا نحن الخبراء الاقتصاديون تكلمنا في وقت مبكر، ولو كنا مقنعين أكثر فيما يتعلق بالقضايا التي كنا فيها على صواب، ومنَظَّمين في تلك التي كنا مخطئين فيها، فالوضع سيكون أفضل بكثير.
وبالكاد أشار المؤرخ في جامعة كولومبيا آدم توز إلى هذا الدرس. ففي كتابه الذي يحكي تاريخ الفترة ما بعد العام 2007، عالم مهشم: كيف غيّرت عشر سنوات من الأزمات المالية العالم، يبيّن توز أن التاريخ الاقتصادي للعقد الأخير هو نتاج للتيارات التاريخية العميقة، أكثر مما هو نتاج لأخطاء ارتكبها التكنوقراطيون في دراسة التواصل.
وخلال السنوات ما قبل الأزمة، بشكل خاص، أدى رفع القوانين على التعاملات المالية، والتخفيضات الضريبية لصالح الأغنياء إلى الرفع من عجز الحكومة وديونها أكثر، وفي نفس الوقت، الزيادة من اللامساواة إلى أبعد مدى. والأسوأ من هذا، قررت إدارة جورج دبليو بوش أن تشن حربا ضد العراق، ودرست هذه الحرب بشكل خاطئ مسبقا، مما أدى إلى ضياع مصداقية أمريكا في قيادة حلف الشمال الأطلسي خلال سنوات الأزمة.
وخلال هذه الفترة أيضا بدأ الحزب الجمهوري يعاني من انهيار عصبي. وكما لو أن افتقاد بوش للمؤهلات، وتحريض رئيس الوزراء السابق ديك تشيني على الحرب لم يكن أمرا سيئا بما يكفي، زاد الحزب من سياسته التهكمية.
وبعد الانهيار الذي حدث العام 2008 وبعد ما يسمى بالكساد الكبير، أدت سنوات من النمو الفاتر إلى التحضير لهيجان سياسي في 2016. وبينما دعم الجمهوريون نجم تلفزيون الواقع الفظ والعنصري، كان عدد كبير من الديمقراطيين منبهرين بسيناتور اشتراكي لم يحقق أي إنجاز تشريعي. وكتب توز أن «هذه النتيجة قد تبدو كارتونية شيئا ما»، كما لو أن الحياة كانت تقلد فن مسلسل «Veep» (فيب) الذي يذاع على قناة إتش بي أو.
وبالطبع، ينبغي علينا الإشارة إلى شخصية رئيسية. ففي الفترة ما بين الأزمة المالية لعام 2008 والأزمة السياسية لعام 2016 تولى باراك أوباما الرئاسة. وفي العام 2004، حيث ما زال نجما صاعدا في مجلس الشيوخ، حذر أوباما من أن الفشل في «بناء أمريكا أرجوانية» تدعم الطبقة العاملة والمتوسطة، سيؤدي إلى عداء للمهاجرين وإلى انهيار سياسي.
ومع ذلك، بعد الانهيار، لم تكن إدارة أوباما متحمسة لاتباع الحلول التي اقترحها الرئيس السابق فرانكلين روزفلت لمعالجة مشاكل بهذا الحجم، إذ قال روزفلت العام 1932، وفي أوج الكساد العظيم: «من المنطقي اختبار استراتيجية ما، وإن فشلت، يجب تقبل الأمر بصراحة. لكن الأهم من كل هذا، هو اختبار شيء ما».
وفشل أوباما في التدخل بشكل عنيف، رغم إدراكه بضرورة ذلك مسبقا، دليل على ما قاله توز. ولم يتمكن الخبراء الاقتصاديون المحترفون من إقناع أصحاب السلطة بما يجب فعله؛ لأن من كانوا أصحاب السلطة، كانوا يعملون في ظروف عرفت انهيارا سياسيا، وفقدت فيها أمريكا مصداقيتها. وبينما كانت عملية صنع القرارات معرضة للتأثير المؤذي لصعود البلوتوقراطية، كان الخبراء الاقتصاديون الذين كانوا يدعون إلى «اختبار جريء ومداوم»، يسبحون ضد التيار- رغم أن نظريات اقتصادية مبنية على ركيزة متينة، بررت هذا النوع من التدخل بالتحديد.
ومع ذلك، فأنا لا أظن أن ما قاله توز مقنع كما يظن. إذ نستطيع نحن الاقتصاديون بنظرياتنا، إحداث تغيير كبير. وباستثناء اليونان، لم تعرف الاقتصادات المتقدمة إلا رجوع الكساد العظيم، الذي كان ممكنا جدا في أوج الأزمة. ولو تصرفنا بذكاء أكثر، وتكلمنا بوضوح أكثر، وكنا أقل انقساما وأقل تأثرا بالمعلومات المغلوطة، لصنعنا فرقا أكبر. لكن هذا لا يعني أننا لم نصنع فرقا قط.

السكرتير المساعد لنائب الخزانة الفيدرالية الأمريكية سابقا، أستاذ لعلوم الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.