مستقبل الاقتصاد الأمريكي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٥/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٤:٠٧ ص
مستقبل الاقتصاد الأمريكي

مارتن فيلدشتاين
خلاف العام 2018، كان مؤشر ستاندرد آند بورز 500 شديد التقلب، لكنه عاد إلى نفس المستوى الذي كان عليه عند بداية العام تقريبا. ويعكس غياب الانخفاض الصافي على مدار العام مزيجا يتألف من ارتفاع أرباح الشركات وانحدار بنسبة 12 % في نسبة السعر إلى الأرباح. ويُعَد الانخفاض في نسبة السعر إلى الأرباح مؤشرا للتطور المحتمل لأسعار الأسهم في السنوات القليلة المقبلة.

الآن أصبحت نسبة السعر إلى الأرباح أعلى بنحو 40 % من متوسطها التاريخي. ويعكس ارتفاع هذه النسبة أسعار الفائدة شديدة الانخفاض التي سادت منذ خَفَض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى ما يقرب من الصِفر في العام 2008. ولكن مع ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل فإن أسعار الأسهم ستكون أقل جاذبية في نظر المستثمرين، وستنخفض.

من العلامات الأساسية الدالة على ذلك أن العائد على سندات الخزانة لعشر سنوات تضاعف في العامين الأخيرين. ولكن عند مستوى أعلى قليلا من 3%، يظل فوق معدل التضخم بالكاد، والذي بلغ 2.9 % في المتوسط على مدار الأشهر الإثني عشر الفائتة. وستتسبب ثلاث قوى في دفع أسعار الفائدة طويلة الأجل إلى الاستمرار في الارتفاع.
فأولا، يرفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية قصيرة الأجل ويتوقع أن يزيد من أكثر قليلا من 2 % إلى نحو 3.5 % بحلول نهاية العام 2020.
ثانيا، سيدفع عجز الموازنة الضخم المتوقع أسعار الفائدة طويلة الأجل إلى الارتفاع من أجل حث المستثمرين على استيعاب الزيادة في حجم الدين الحكومي. ووفقا لمكتب الموازنة في الكونجرس فإن حجم الدين المملوك للقطاع العام سيرتفع من نحو 15 تريليون دولار أمريكي الآن إلى ما يقرب من 30 تريليون دولار بحلول نهاية هذا العقد.
ثالثا، سيؤدي معدل الباحثين عن عمل المنخفض والذي يواصل الانخفاض إلى تسارع التضخم. وسيطالب المستثمرون بعوائد أعلى على السندات للتعويض عن الخسارة الناتجة عن ذلك في القوة الشرائية.
لن يكون من المستغرب إذا ارتفع سعر الفائدة على سندات الخزانة لعشر سنوات إلى 5 % أو أكثر خلال السنوات القليلة المقبلة. وفي ظل معدل تضخم قدره 3 % فإن العائد الحقيقي سيعود إلى مستوى تاريخي طبيعي يتجاوز 2 %.
وقد يدفع هذا التطبيع لسعر الفائدة لعشر سنوات نسبة السعر إلى العائد إلى العودة إلى مؤشرها التاريخي. وأي انخفاض بهذا الحجم، من مستواه الحالي الأعلى بنحو 40 % فوق المتوسط التاريخي، من شأنه أن يؤدي إلى تقلص ثروة الأسر بنحو 8 تريليونات دولار. تشير العلاقة التاريخية بين ثروة الأسر والإنفاق الاستهلاكي إلى أن المستوى السنوي لاستهلاك الأسر قد ينخفض بنحو 1.5 % من الناتج المحلي الإجمالي. ومثل هذا الانخفاض في الطلب الأسري، والانخفاض المستحث في الاستثمار التجاري، من شأنه أن يدفع اقتصاد الولايات المتحدة إلى الركود.
كانت أغلب حالات الركود في الولايات المتحدة قصيرة وضحلة نسبيا، مع فترات تقل عن عام واحد بين بداية الهبوط الدوري وتاريخ بدء التعافي. أما الركود الذي بدأ في العام 2007 فكان أطول كثيرا وأشد عمقا بسبب انهيار المؤسسات المالية. وقد عكست فترات التعافي الأسرع والأكثر قوة التي ميزت أغلب فترات الركود السابقة سياسة نقدية عدوانية مضادة للتقلبات الدورية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي خفض سعر الفائدة قصيرة الأجل بشكل حاد للغاية.
ولكن إذا بدأ الركود التالي في العام 2020، فلن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي في وضع يسمح له بخفض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بدرجة كبيرة. والواقع أن الاحتياطي الفيدرالي يتوقع الآن أن يكون سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بحلول نهاية العام 2020 أقل من 3.5 %. في هذه الحالة، لن تكون السياسة النقدية قادرة على مكافحة الانكماش الاقتصادي.
البديل هو الاعتماد على التحفيز المالي، الذي يتحقق عن طريق خفض الضرائب أو زيادة الإنفاق. ولكن في ظل عجز في الميزانية السنوية يبلغ تريليون دولار ودين حكومي يقترب من 100 % من الناتج المحلي الإجمالي، فإن استنان أي حزمة تحفيز سيكون أمرا صعبا على المستوى السياسي.
نتيجة لهذا، من المرجح أن تكون دورة الانكماش الاقتصادي التالية أعمق وأطول مما كانت لتصبح عليه لولا ذلك. وإذا اختارت الحكومة في ذلك الوقت استخدام السياسة المالية، فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في المستقبل ستزداد ارتفاعا إلى ما يتجاوز 100 % من الناتج المحلي الإجمالي، مما يدفع أسعار الفائدة طويلة الأجل إلى المزيد من الارتفاع. وهي ليست توقعات جذابة للمستقبل.

أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، والرئيس الفخري

للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وكان رئيسا لمجلس مستشاري
الرئيس رونالد ريجان للشؤون الاقتصادية في الفترة من 1982 إلى 1984