التحرك العماني المشكور

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠١/نوفمبر/٢٠١٨ ١٢:٥٠ م
التحرك العماني المشكور

تصريح الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبد الله بشأن إسرائيل وزيارة رئيس وزرائها للسلطنة تلقاه الواقعيون بشكل مختلف عن الذين يفكرون بعواطفهم ووقفوا منه موقفا سالباً، فالناظرون إلى الأمور بواقعية يوافقون الوزير على أن الزمن تجاوز مسألة الاعتراف بإسرائيل وأنها اليوم جزء من المنطقة، أي شئنا أم أبينا، وأن ما تقوم به سلطنة عمان ليس وساطة بين فلسطين وإسرائيل وإنما هو إسهام بغية تسهيل الأمور يتمثل في توفير الظروف المناسبة للقاء الطرفين وأن هذا لا يقتصر على هذه المشكلة التي فاق عمرها السبعين سنة.

استقبال رئيس وزراء إسرائيل في عمان اعتبره البعض تطبيعا لكنه ليس كذلك، واعتبره بعض آخر دعوة للتطبيع لكنه أيضا ليس كذلك. هذا ما يقوله كل من ينظر إلى الأمور بواقعية. والواقعية أيضا تدفع إلى القول بأن المنطق يفرض القيام بعمل ما يعين الفلسطينيين والإسرائيليين على حل المشكلة ووضع نقطة في نهاية السطر، إذ من غير المعقول أن تستمر هذه المشكلة إلى قيام الساعة خصوصاً وأن الجانب الأكثر تضرراً هو الجانب الفلسطيني والعربي.

الحقيقة التي يجب ألا نتهرب منها ونواجهها هي أن إسرائيل اليوم واقع وأنها قوية وأن استمرار الصراع ليس في صالح الفلسطينيين والعرب. والحقيقة التي يجب أن نواجهها أيضاً هي أن الوقت حان كي نتوقف عن التعامل مع هذه القضية بشكل خاص بعواطفنا. هذا الكلام لا يعجب من لا يزال أسير عواطفه ودون القدرة على التعامل مع الواقع، لكن هذا يكلف الفلسطينيين الكثير ويكلف العرب الكثير ويتسبب في مزيد من الخسائر ومزيد من التأخر عن ركب الحضارة.
لا أحد يختلف على أن الجرح كبير وأن الفلسطينيين تكبدوا الكثير من الخسائر البشرية والمادية، لكن ليس من واقعي يمكنه القول بأن الاستمرار في المواجهة مع إسرائيل وعدم حل المشكلة الفلسطينية هو الخيار الصحيح أو الأنسب، فالواقع أمره مختلف، والواقع يقول بأن المتضرر الأكبر من عدم حل المشكلة الفلسطينية اليوم هم الفلسطينيون، ويقول أيضا بأن كل الدول العربية التي ظلت تساعد الفلسطينيين تعبت وجلها اليوم مشغول بمشكلاته وقضاياه.

الفارق بين سلطنة عمان ودول أخرى هو أن السلطنة اختارت التفكير بواقعية والتعامل مع الواقع، فتجاوزت العاطفة وقبلت أن تحتمل كل ما قد يأتيها من غير الواقعيين وقررت أن تعمل على تهيئة الأجواء المفضية إلى توفير الأرضية التي يمكن للطرفين أن يقفا عليها ويبدآ في حل مشكلتهما التي لا بد من أن تنتهي لأنها عائق كبير في تطور المنطقة وارتقاء ساكنيها. هذه الخطوة لا علاقة لها بالتطبيع، فهي مجرد خطوة قد تسفر عن لقاء جاد يجمع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لأنها «خطوة تسهيلات»، والتسهيلات لا تعني أيضا القيام بوساطة بين الطرفين وإنما الإسهام في تهيئة الظروف التي قد تفضي إلى لقاء ربما أسفر عن تقريب وجهات النظر والاتفاق على صيغة معينة لإنهاء المشكلة.

ما أقدمت عليه سلطنة عمان لا يضر بالقضية الفلسطينية بل على العكس ينفعها، فطالما أن أسباب اللقاء بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي غير متوفرة حاليا لأسباب يعرفها الجميع، وطالما أن الرغبة في اللقاء متوفرة لديهما، وطالما أن النية صافية ويمكن بهكذا خطوة إحياء الأمل في إيجاد مخرج مناسب، فلماذا لا نسهم في تهيئة الظروف ونساعد على تحقق اللقاء؟
كل ما قيل من كلام في الأيام الفائتة بعيداً عن غاية السلطنة من تهيئة الظروف المناسبة للقاء الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، والأمر بعيد عن التفكير السالب المسيطر على البعض، فليست عمان التي يمكن أن تعمل على ما يضر بالقضية الفلسطينية، وليست عمان التي يمكن أن تشارك في صفقة المراد منها إنهاء القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني.
سلطنة عمان واضحة في هذا الأمر وفي كل أمر، والقصة كلها تكمن في الواقعية التي تؤمن بها وتتخذها منهجاً وسبيلاً، ولأن الواقع يقول بأن إسرائيل اليوم دولة لها شأن ومتقدمة وهي جزء من المنطقة، ولأن الواقع يقول بأن الزمن تجاوز مسألة الاعتراف بإسرائيل، ويقول بأن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تنتهي ويتوفر لها الحل إلا من خلال جلوس الطرفين إلى طاولة حوار، لذا استجابت عمان لرغبة الطرفين وعملت على تهيئة الظروف المناسبة التي قد تسفر عن حصول ذلك اللقاء والبدء بشكل عملي في الانتهاء من هذه المشكلة التي لا بد أن تنتهي ليتمكن الفلسطينيون والعرب والإسرائيليون من العيش في سلام. لا يهم سلطنة عمان ما قد يقوله المثاليون وأهل العواطف، وهي لا تلتفت إلى كل ما من شأنه أن يعيق تحركها الخير، فالأهم من كل هذا هو أن تتمكن من تهيئة الظروف وتعمل على تسهيل حصول اللقاء بين الطرفين، تماماً مثلما حدث مع إيران ودول خمسة زائدا واحد، حيث عملت السلطنة على تسهيل لقاء الطرفين وعلى تهيئة الظروف المناسبة والتي أسفرت عن أمور إيجابية كثيرة، ومثلما حدث ويحدث باستمرار مع المتورطين في الحرب اليمنية حيث تعمل السلطنة على تسهيل حل العديد من المشكلات التي من شأنها أن تسهم في اقتراب اليوم الأخير من الحرب في اليمن.
النظر إلى الأمور بواقعية يدفع إلى اتخاذ القرارات الشجاعة التي مثالها هذا التحرك العماني المشكور.

كاتب بحريني