رأس المال الخاص لخدمة المناخ

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠١/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٣:٤٣ ص


هافارد هالاند

جاستن ییفو لین

يُعد أحدث التقرير الصادر مؤخراً عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة صارخا للغاية: إذ يتعين اتخاذ الإجراءات المتعلقة بتغير المناخ بسرعة أكبر من السابق. وتشمل هذه الإجراءات مجموعة واسعة من المبادرات، بدءا بتحسين التنظيم إلى الابتكار التكنولوجي المستمر. ولكن بدون وجود كميات هائلة من رأس المال «الصبور» الطويل الأجل ـ الذي يُمكن للمؤسسات الاستثمارية فقط توفيره - سيكون من المستحيل تحويل أنظمة الطاقة بسرعة كافية للتخفيف من خطر الكوارث البيئية والاقتصادية والاجتماعية.

من الناحية التقنية، تمتلك المؤسسات الاستثمارية - مثل صناديق التقاعد وصناديق الثروة السيادية وشركات التأمين - قوة مالية كافية لمعالجة مشكل تغير المناخ. ويسعى بعض هؤلاء المستثمرين بالفعل إلى استثمار أموالهم من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs). في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وحدها، تتحكم المؤسسات الاستثمارية في أصول تبلغ قيمتها حوالي 92 تريليون دولار. وفي الوقت نفسه، لا تمثل المساعدة الإنمائية الرسمية السنوية المقدمة من المؤسسات المالية المتعددة الأطراف والحكومات سوى 0.16٪ من هذا المبلغ - حوالي 145 بليون دولار.

ومع ذلك، كمؤسسات تجارية، يتمثل الهدف الأساسي للمؤسسات الاستثمارية في زيادة العوائد المالية. وحتى مع قيام البعض منها باستثناء الشركات التي تعتمد على الكربون، فإنها تعتبر عمومًا أن الاستثمار في مشاريع البنية التحتية للطاقة النظيفة الجديدة أمر محفوف بالمخاطر، لاسيما في الأسواق الناشئة.
لتمويل أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك البنية الأساسية للطاقة النظيفة، تعهدت مؤسسات التمويل متعددة الأطراف بتعبئة رأس المال من قبل مستثمري القطاع الخاص، وذلك من خلال ما يسمى بالتمويل المختلط، حيث تستخدم مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف وغيرها من مؤسسات التمويل العامة رؤوس أموالها الخاصة لجذب الموارد المالية الخاصة. ومع ذلك، غابت المؤسسات الاستثمارية عن المبادرات المتعددة الأطراف للتمويل المختلط، والتي فشلت بدورها في تحقيق مقياس يتطابق مع مشكلة تغير المناخ.
إذن، ما هو المطلوب لتعبئة رأس المال اللازم من المؤسسات الاستثمارية ؟ اقترح باحثون من جامعات ستانفورد وماستريخت في مقال أخير التركيز على ثلاثة اتجاهات جديدة في القطاع المالي العالمي.
أولاً، يقلل عدد متزايد من المؤسسات الاستثمارية من اعتمادها على الوسطاء الماليين. تقوم المؤسسات الاستثمارية عادة بالاستعانة بمصادر خارجية في شركات إدارة الاستثمار، والتي عادة ما يتم تقييم أدائها كل ربع سنة. ومع ذلك، فإن الأفق الاستثماري للبنية التحتية، بما في ذلك البنية التحتية للطاقة النظيفة، غالباً ما يتجاوز 20 عاماً.
من حيث مبادرات التمويل المختلط، يشكل الوسطاء الماليون التقليديون، مع تركيزهم على النتائج القصيرة الأجل، عائقا للمؤسسات الاستثمارية ومؤسسات التمويل المتعددة الأطراف. وبالتالي، فإن القضاء على مثل هؤلاء الوسطاء يمكن أن يوفر فرصًا جديدة للتعاون المباشر بين المؤسسات الاستثمارية ومؤسسات التمويل المتعددة الأطراف، حيث أنها تمكن المؤسسات الاستثمارية من التركيز أكثر على الاستثمار في الأصول طويلة الأجل.
ثانياً، تقوم العديد من المؤسسات الاستثمارية بإنشاء منصات للتعاون، مما يسمح لها بتقاسم تكاليف إيجاد مشاريع، وتقييمها، والمراحل الأخرى من عملية الاستثمار. وتمثل هذه المنصات كمية كبيرة جدا من رأس المال على المدى الطويل. ولكن مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف، مع بعض الاستثناءات، ليست من المشاركين.
ثالثاً، ظهرت أنواع جديدة من المستثمرين الاستراتيجيين المحليين التي يمكن أن تكون فعالة للغاية في حشد رأس المال الخاص، بما في ذلك من الهياكل المؤسسية. على مدى العقد الفائت، أنشأت 20 دولة على الأقل صناديق استثمار إستراتيجية مدعومة من الدولة للاستثمار في مشاريع البنية التحتية مع شركاء من القطاع الخاص. وقامت دول أخرى بإنشاء بنوك خضراء، التي يعكس تركيزها المحلي حقيقة أن 90 % من الاستثمارات الخاصة في مجال تمويل المناخ تتم داخل البلد الأصلي لرأس المال.
إن الصناديق الاستثمارية الإستراتيجية التي نجحت في تعبئة رأس المال الخاص يتم تنظيمها إلى حد كبير كمؤسسات استثمار خاصة. وهي تؤكد على استقلالية ونزاهة عملية صنع القرار بشأن الاستثمارات؛ وتشمل مجالس الإدارة واللجان التابعة لها نسبة عالية من المديرين المستقلين المختارين لخبراتهم المالية والتجارية. وتنتمي بعض هذه الصناديق، على سبيل المثال، الصندوق الوطني للاستثمار والبنية الأساسية في الهند، في الأساس إلى المستثمرين من القطاع الخاص والمؤسسات الاستثمارية، والحكومات بقدر أقل.
هذه الصناديق الإستراتيجية، التي يديرها خبراء ماليون من القطاع الخاص، تستثمر بشكل أساسي في الأسهم، وتلعب دورا فعالا في هيكلة وتنظيم صفقات جديدة. وبفضل ارتباطها بالسلطات المحلية ومجتمع الأعمال، توجد هذه الصناديق في وضع قوي للتخفيف من المخاطر المحلية.
وعلى النقيض من ذلك، تُركز مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف على تمثيل البلدان في مجالس إدارتها، مما يجعل هذه المجالس ذات خبرة مالية أقل في القطاعات ذات الصلة. على مستوى الإدارة والموظفين، غالباً ما يكون لفروع مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف في القطاع الخاص خبرة في مجموعة واسعة من المجالات. وعلى الرغم من ذلك، فإن مجالس مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف - بخلاف المؤسسات الخاصة - بشكل عام، لا توافق على سياسة استثمارية مشتركة أو تُفوض قرارات تهم مشاريع بنية أساسية محددة إلى لجنة استثمار مستقلة؛ بدلا من ذلك، فهي تتخذ القرارات بشأن تخصيص رأس المال.
ونظرا إلى الهياكل البيروقراطية لمؤسسة التمويل المتعددة الأطراف وإجراءاتها المعقدة، تميل المؤسسات المالية المتعددة الأطراف إلى التشكيك في هذه الإجراءات. غالباً ما تجد المؤسسات الاستثمارية أن مشاريع مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف صغيرة للغاية، أو محفوفة بالمخاطر، أو غير مربحة بما فيه الكفاية. وهي قلقة من أنه في حالة وجود مشاكل، فإن بيروقراطية مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف، لن تسمح لها بمعالجتها بسرعة.
على الرغم من أن مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف قد وسعت عروضها للتخفيف من المخاطر بالنسبة للمستثمرين، إلا أنها تساهم في الغالب في ارتفاع نسبة الديون. على وجه الخصوص، فإنها تستثمر القليل جدا في أسهم البنية الأساسية. هذه مسألة مهمة للغاية، لأن المستثمرين في الأسهم غالباً ما يلعبون دوراً فعالاً في هيكلة وتنظيم مشاريع البنية التحتية الجديدة، في حين أن المؤسسات التي تقدم القروض وتساعد على تقليل المخاطر عادة ما تدخل المشاريع فقط بعد أن يتم توثيقها والتأكد من أنها «قابلة للتمويل».
ومن أجل تحقيق هدفها المتمثل في تعبئة رأس المال الخاص، يجب أن تشارك مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف في البرامج التعاونية للمؤسسات المستثمرة، ومعالجة مخاوف هؤلاء المستثمرين. وهذا يعني مساعدتهم على تقييم وتخفيف المخاطر في المناطق والقطاعات الجديدة التي تحتاج إلى البنية الأساسية الخضراء، بالتعاون مع صناديق الاستثمار الإستراتيجية المحلية والمصارف الخضراء.
من خلال تطوير القدرة على تقييم وقبول المخاطر على أساس تجاري، يمكن لمؤسسات التمويل المتعددة الأطراف التي تتجنب المخاطر أن تتفاعل بشكل أكثر إنتاجية مع المؤسسات الاستثمارية. ومن خلال خلق إمكانية الاستثمار في الأسهم في البنية التحتية للطاقة النظيفة، يمكن لمؤسسات التمويل المتعددة الأطراف أن تزيد قدرتها على التفاعل مع المؤسسات الاستثمارية في مراحل مختلفة من دورة الاستثمار في البنية الأساسية.
بعبارة أخرى، من أجل تعبئة رأس المال المؤسسي بفاعلية، سيتعين على مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف أن تبدأ العمل كمنظمات استثمار خاصة، حتى عندما تفي بمهمة محددة سياسيا. هذه مهمة صعبة للغاية. وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، قد تتطلب التعبئة الفعالة لرأس المال الخاص تغييرًا ثقافيًا داخل مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف. ولكن إذا أردنا الحد من تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فقد يكون هذا هو السبيل الوحيد لدى مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف لتعبئة رأس مال المؤسسات الاستثمارية على جميع المستويات.

هافارد هالاند:هو باحث زائر في مركز ستانفورد

للمشاريع العالمية في جامعة ستانفورد
جاستن ییفو لین: كبیر الاقتصادیین السابق في البنك الدولي،