الغضب الأخضر

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠١/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٣:٤٢ ص

يوسي شيفي
في شهر أغسطس، عندما اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجميد معايير كفاءة وقود السيارات والشاحنات، استشاط أنصار البيئة ومؤيدوهم غضبا. والآن، احتدمت المناقشة مرة أخرى، في أعقاب تقرير خاص صادر عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ والذي سلط الضوء على الحاجة الملحة إلى اتخاذ تدابير جذرية للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

برغم أن الجهود التي يبذلها دعاة حماية البيئة في مكافحة تغير المناخ جديرة بالثناء، فإن ردود أفعالهم إزاء هذه التطورات لم تكن موجهة على النحو السليم.

ذلك أن استراتيجيات خفض الانبعاثات التي يدعون إليها لن تحرك المؤشر إلا بالكاد، فضلا عن كونها هدّامة في كثير من الحالات؛ فهي تعطي الشركات والحكومات «ورقة تين» تداري بها عوراتها.
ونحن في احتياج إلى استراتيجية واقعية لمعالجة تغير المناخ تحشد الموارد التكنولوجية العالمية دون أن تفرض قيودا تصيب النمو الاقتصادي بالشلل.
كان قسم كبير من ردود الأفعال العنيفة التي أعقبت اقتراح إدارة ترامب بتخفيف معايير الانبعاثات في ما يتصل بالمركبات متركزا حول جانبين من التقرير الذي يتألف من 500 صفحة والذي استند الاقتراح إليه. فأولا، قبلت الإدارة أن هذا التغيير من شأنه أن يزيد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، لكنها زعمت أن الزيادة ستكون ضئيلة للغاية.
وثانيا، تشير تقديرات الإدارة إلى أن درجات الحرارة الكوكبية سترتفع بنحو 3.5 درجة مئوية بحلول عام 2100 إذا لم يتخذ أي إجراء. وقد استفزت هذه الافتراضات انتقادات شرسة؛ فنشرت صحيفة بوسطن جلوب العنوان الرئيسي التالي: «إدارة ترامب راضية بالاسترخاء وهي تشاهد كوكب الأرض يزداد سخونة».
بعد مرور عشرة أيام، أعاد تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ إشعال المناقشة.
فقد زعم التقرير أن الحد من زيادة درجات الحرارة الكوكبية بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة ــ الهدف الذي حدده اتفاق باريس في عام 2015 ــ يتطلب اتخاذ تدابير صارمة مثل وقف استخدام محركات الاحتراق الداخلي ونشر أشكال الطاقة المتجددة لتوليد 75% من احتياجات العالَم من الكهرباء.
وأضاف تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أن هذه التدابير كفيلة بإزالة الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون، لكنها قد لا تكون كافية.
والآن، نتقبل الزيادة بمقدار 1.5 درجة مئوية في درجات الحرارة الكوكبية على أنها حتمية، ومن المرجح أن تصل الزيادة إلى درجتين مئويتين قبل نهاية القرن.
هناك عدد من الأسباب وراء هذه التوقعات المتشائمة. ففي حين يعلن العديد من المستهلكين في الدول المتقدمة دعمهم للاستدامة، فإنهم في عموم الأمر غير راغبين في دفع الثمن أو تحمل أي شكل من أشكال عدم الراحة في سبيل تحقيق هذه الاستدامة.
كما يريد المواطنون في الدول النامية مستويات معيشة أعلى، بصرف النظر عن التأثير على درجات الحرارة الكوكبية. وتستجيب الشركات لهذه الإشارات المختلطة بتدابير رمزية ضعيفة للحد من الانبعاثات بما لا يؤثر على أرباحها. وتتجنب الحكومات والساسة أي سياسات تهدد الوظائف أو فرص توفير الوظائف.
والنتيجة هي تشجيع المستهلكين على المشاركة في الأنشطة «التي تشعرهم بالرضا».
على سبيل المثال، تشكل ممارسات مثل فصل النفايات واستخدام الأكياس القماشية أثناء التسوق تغيرات سلوكية بلا معنى إلى حد كبير. على سبيل المثال، تمثل القمامة المنزلية 3% فقط من النفايات الصلبة المنتجة في الولايات المتحدة.
وتتبع الشركات الخط الذي يرسمه المستهلكون. ومن الأمثلة على ذلك الحظر (غير الفعّال) المفروض على الشفاطات البلاستيكية التي تقدمها شركة ماكدونالدز، والتي تستمر في تقديم لحوم الأبقار، التي تُعَد مساهما رئيسيا في الانحباس الحراري العالمي، نظرا لغاز الميثان الذي تنتجه الماشية. (الميثان أقوى بنحو 28 مرة من ثاني أكسيد الكربون كغاز مسبب للانحباس الحراري الكوكبي).
أخيرا، تشكل الحكومات جزءا من المشكلة، وليس الحل. فقد انسحبت حكومة الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، وأضعفت الحكومة الأسترالية التزامها به. كما كانت الحكومة الألمانية ضالعة في فضيحة الانبعاثات التي عصفت بصناعة السيارات في البلاد، ولم تنخفض مستويات الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي في ألمانيا خلال العقد الفائت. الواقع أن ألمانيا من غير المرجح أن تحقق أهداف الانبعاثات لعام 2020 أو عام 2030، على الرغم من حرصها على دفع دول أخرى إلى تبني أهداف الانبعاثات.
الواقع أن أي تقييم واضح ثاقب البصيرة للحالة الراهنة من شأنه أن يكشف أن العالَم خسر المعركة المباشرة بالفعل، وهو ما يعيدنا إلى سياسة إدارة ترامب المثيرة للجدال في التعامل مع قضية الانبعاثات. إذ يوضح التقرير الذي يحدد السياسة أن «الإمبراطور عار بالفعل». ومن الواضح أن مبادرات الاستدامة الصغيرة المتراكمة غير كافية، الأمر الذي يجعلها بلا طائل، وسببا لإحباط النمو الاقتصادي وخلق الوظائف بلا داع، هذا فضلا عن تمكينها للدول المتقدمة من الإصرار على تنازلات اقتصادية من قِبَل البلدان النامية لا يحق لها أن تطالب بها. وعندما ننظر إليه عبر هذه العدسة، فسوف يتبين لنا أن تقرير كفاءة الوقود الصادر عن الإدارة ليس مجنونا بقدر ما يبدو.
في اعتقادي أن العالَم ليس أمامه سوى سبيلين لتجنب ما يشير إليه أغلب العلماء على أنه انحباس حراري كوكبي كارثي.
فأولا، يمكننا أن نوقف النمو الاقتصادي، لأن فكرة «النمو الأخضر» مغالطة روج لها أنصار حماية البيئة الذين يبدو أنهم أقنعوا أنفسهم بصحة هذه الفِكرة لمجرد رغبتهم الشديدة في تنفيذها. والواقع أن مثل هذا التحرك المتطرف يستلزم أن يعيد العالَم إعادة اختراع الطريقة التي يقاس بها النشاط الاقتصادي. وسوف ينطوي هذا على سياسات ملتبسة ومريبة أخلاقيا، مثل تنظيم أعداد السكان قسريا.
ثانيا، من الممكن أن يطلق العالَم الثري «مشروع مانهاتن» لتطوير وتوسيع نطاق التكنولوجيات الكفيلة بتخليص الكوكب من تراكم الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي. وقد تشمل هذه التكنولوجيات عمليات عزل الكربون والهندسة الجيولوجية، فضلا عن إبداعات مثل اللحوم المصنعة نباتيا، وبدائل الخرسانة للبناء، وتوليد الطاقة بالاندماج النووي.
يوفر النهج الثاني حلا واقعيا لأزمة الانحباس الحراري الكوكبي يتجنب المزالق الأخلاقية التي قد يقودنا إليها الأول (والتي تشمل ترك المليارات من البشر عالقين في فخ الفقر). ولن يتسنى لنا مكافحة الانحباس الحراري الكوكبي إلا إذا أحسنا استغلال أعظم مواردنا الطبيعية: الإبداع البشري.

أستاذ النظم الهندسية في مركز النقل والخدمات اللوجستية التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وهو مؤلف كتاب «موازنة الممارسات الخضراء: متى نتبنى الاستدامة في الأعمال (ومتى لا ينبغي لنا أن نتبناها)».