السلطنة لا تساوم على القضية الفلسطينية.. فلا مجال للمزايدة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٨/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٣:٤٣ ص
السلطنة لا تساوم على القضية الفلسطينية.. فلا مجال للمزايدة

علي بن راشد المطاعني

انشغلت الأوساط العربية والدولية والفضاءات الإلكترونية بزيارة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو للسلطنة وتداولت التفسيرات من منطلقات مختلفة تغذيها العديد من التباينات والرؤى التي تقف مع أو ضد إحلال السلام في الشرق الأوسط وقيام الدولة الفلسطينية وتطرف البعض في تأويلاتهم إلى حدود غير مقبولة وغير مستساغة أدبيا وأخلاقيا وزايد البعض الآخر على مواقف السلطنة الثابتة إزاء القضية الفلسطينية وهذا متوقع في ظل الفوضى الإلكترونية وحالات الشد والجذب وتغذية الذباب الإلكتروني من جهات عدة لها أجندتها.
إلا أنه من الأهمية التأكيد على أن هذه الزيارة جاءت في إطار الجهود الحثيثة التي تبذلها السلطنة لدفع عملية السلام المتعثرة في الشرق الأوسط وإيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية ليس أكثر، فمواقف السلطنة من هذه القضية ثابتة وواضحة وضوح الشمس لا يمكن أن يحجبها التضليل الإلكتروني الذي يشتعل من حسابات سواء كانت وهمية أو موجهة.
ومن حسن الطالع ومنعا للتأويلات فإن هذه الزيارة جاءت بعيد زيارة محمود عباس أبو مازن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية للسلطنة حيث التقى جلالة السلطان المعظم وأطلعه على المستجدات الراهنة على الساحة الفلسطينية والجمود الذي يعتري عملية السلام بعد أن فشلت كل الأطراف الدولية في تحريك هذا الملف.
فالسلطنة يهمها في المقام الأول إيجاد السبل الكفيلة بتحقيق آمال الشعب الفلسطيني عبر تحقيق تطلعاته المشروعة في دولته المستقلة وعاصمتها القدس، كما أن السلطنة تؤمن إيمانا راسخا بأن تحقيق السلام على الأرض لا بد له من عزيمة وإرادة صلبة تعمل من أجل تحقيقه وبدون تفريط أو مساومة على الثوابت الوطنية الفلسطينية والعربية، بل إن الفلسطينيين وصلوا لقناعة تامة بأن جلالته هو القائد الوحيد الذي يملك القدرة والإرادة على تحريك الجمود في العملية السلمية لما له من ثقل دولي وبما تتمتع به السياسية الخارجية العُمانية من صيت دولي مرموق وبما عرفت به من حكمة واتزان في معالجة العديد من القضايا العالقة وبقدر باتت به مسقط هي العاصمة الوحيدة الموثوق بها دوليا.
في ظل كل تلك المعطيات أبدى كل من الرئيس الفلسطيني ورئيس وزراء إسرائيل رغبتهما الالتقاء بجلالة السلطان لإطلاعه على التطورات والاستماع إلى رؤاه في القضية الفلسطينية بهدف استكمال ملف التفاوض ومن النقطة التي توقف عندها ولأنه لا يمكن أن يظل هذا المسار متوقفا إلى الأبد، فكان لا بد من تحريك هذا الجانب إلى ما يحقق طموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ليس أكثر، وهو ما تتطلع إليه السلطنة من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وجاءت هذه الزيارات بتزامن يكشف عما ترغب به السلطنة فلا مزايدات عليه.
إن ما يعزز موقف السلطنة في هذا الشأن هو أنها حاولت في منتصف تسعينيات القرن الفائت التدخل الإيجابي لحل القضية الفلسطينية والتوفيق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خلال زيارة شيمون بيريز لمسقط عام 1996، وسبقتها زيارة إسحاق رابين عام 1994، عندها كان هناك وفيما خلف الحُجب بصيص من أمل لإيجاد تسوية شاملة وعادلة للقضية وقتها فتحت السلطنة مكتبا للتمثيل التجاري بين البلدين، إلا أنها سرعان ما أغلقته بعد الانتفاضة، وهذا ما يؤكد بأن موقف السلطنة من إسرائيل مرتبط ارتباطا وثيقا بما يتم إحرازه من تقدم في ملف القضية وبما يحقق آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني، واليوم ليس هناك مانع من إعادة رسم خريطة سلام جديدة تكفل تحقيق التطلعات الفلسطينية، خاصة بعد الموقف الأمريكي أحادي التصعيدي بنقل السفارة للقدس المحتلة والاعتراف بها كعاصمة أبدية لإسرائيل وإغلاق القنصلية الفلسطينية في واشنطن، هو ما أضفى تعقيدات على القضية لا بد من إيجاد حلول لها أو نقاط تلاق لتحريك مسارها من جديد.
وتأتي خطوة السلطنة كذلك في ظل العزوف أو الزهد العربي وانشغالاته بقضاياه الداخلية والصراعات البينية بين الدول العربية، بل إن الاهتمام القومي بالقضية لا يمكن النظر إليه الآن بأنه أولوية في العديد من عواصم العرب للأسف مما يضعف القضية الفلسطينية وهو ما أدركته السلطنة، فخطوة السلطنة في هذا الإطار تأتي لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وإعادة الزخم وقوة الدفع المفتقدة، وجميعنا يعلم بأن القضية قد غدت بالفعل ثانوية وهامشية في العديد من العواصم العالمية، وبالفعل فإن الاتحاد الأوروبي لم يعد يضع لها أي اعتبار يذكر، أما روسيا وأمريكا فإنهما قد انغمستا في الصراع الدائر بسوريا كما نرى ونسمع على مدار الساعة، فبعد أن رغب كل من الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي لقاء جلالته ارتأت السلطنة أن تحرك الجمود الذي يعتري المفاوضات وتستمع للأطراف لعل وعسى أن تحدث انفراجه.
وما من شك بأن مسقط وإذا ما قررت التحرك في هذا المسار فإنها ووفق المعطيات والثوابت تنطلق من نقاط متقدمة وتفاهمات إيجابية قررت من بعدها أن تكمل الطريق في هذا المسار المرتبط كليا بالأمن والسلم العالميين.
فالشعب الفلسطيني الآن يعاني الأمرّين، الحصار الإسرائيلي يخنق غزة كما نعلم، والعالم جميعه ليس بوسعه تقديم أي جهد يذكر، وبالتالي ليس هناك من أحد يملك القدرة على تحريك هذا الملف قيد أنملة غير السلطنة باعتبارها وسيطا مقبولا من قبل الطرفين.
وبالتالي فإن المزايدات على المواقف العُمانية والاتهامات الخالية من أي جوهر أو مغزى لن تزيد الموقف العُماني إلا رسوخا ويقينا وثباتا، فما كانت السلطنة في يوم من الأيام لها غرض أو هوى في كل مساهماتها السابقة الرامية لاستتباب الأمن والسلم العالميين عبر وساطاتها الناجحة في الكثير من الصراعات وهذا بات معروفا بطبيعة الحال.
مواقف السلطنة كانت دائما وأبدا راسخة كالجبال وعبر التاريخ القريب لا البعيد يتضح لنا بعد نظر القيادة العُمانية ونعرف جميعا كيف أن العرب قاطعوا مصر عام 1979 بعيد كامب ديفيد، وبقيت السلطنة في منأى من هذا الإجماع العربي الخاطئ، وجميعنا يعلم مواقف السلطنة الثابتة إزاء الحرب العراقية الإيرانية، وكيف أثبتت الأيام أنها كانت على حق فيما ذهبت إليه، وأخيرا موقفها إزاء الحرب في اليمن، كلها وجميعها مواقف قادرة على الرد بقوة على كل طنين الذباب الإلكتروني وهو يحدث كل هذا الضجيج.
فالسلطنة لا ترتبط بعلاقات ثنائية مع إسرائيل وتوازن ما بين ضرورة وحتمية إيجاد حل سلمي عادل للقضية الفلسطينية يتطلب فتح أبواب الاتصال بين الجانبين وذلك في إطار الأولوية التي توليها السلطنة لإيجاد حل عادل وشامل لقضية العرب المحورية، وفي إطار ذلك فإن كل الاتصالات واللقاءات التي تجريها مع كافة الأطراف ذات العلاقة إنما تنطلق من خلال هذه القناعات الراسخة والعادلة، وباعتبار أن القضية الفلسطينية لا تقبل أي مساومات في الثوابت الوطنية والتاريخية للقضية.
على ذلك ها هي السلطنة توظف ثقلها الإقليمي والدولي وتسخر كل جهودها لإيجاد حلول عملية وواقعية تتحقق من خلالها كل الآمال والتطلعات التي تهفو لها نفوس أبناء الشعب الفلسطيني داخل حدود الدولة وفي الشتات أيضا.
على ذلك لا يتعيّن على البعض الخلط ما بين زيارة نتنياهو لمسقط باعتبارها تطبيعا على حساب قضية الأمة، وما بين الهدف الأساس والمعلن والذي تم إيضاحه بجلاء من أن الزيارة لتعزيز مسار السلام في الشرق الأوسط ودفع الجهود نحو تحقيق حل دائم للقضية الفلسطينية خاصة وأنها جاءت بعيد زيارة محمود عباس ولاستجلاء النقاط التي أوضحها لجلالته ولا بد من أن الوقوف على وجهات النظر الإسرائيلية في كل ما أُثير هو تمهيد للوصول للنقاط المشتركة والمتفق عليها في بلورة الأفكار التي تدفع بالعملية السلمية بالشرق الأوسط للأمام.
فالبيان الذي أصدرته السلطنة كان واضحا إزاء توضيح أبعاد ومرامي الزيارة وبقدر لا يقبل أي محاولات للتأويل والتفسير بعيدا عن السياق الذي تم إيضاحه بجلاء للجميع.
بالطبع هذه الجهود مرهونة بتجاوب الأطراف المعنية وتقديم التنازلات والتطلع للمستقبل للشعب الفلسطيني في خضم التطورات والمتغيّرات التي يشهدها العالم.
السلطنة سوف تستمر في بذل جهودها مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية ذات العلاقة لإيجاد الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية وبما يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني في العيش داخل حدود دولة حرة ومستقلة وذات سيادة ككل شعوب كوكب الأرض، وهذا حق أصيل لهذا الشعب الصابر. وهذا بيت القصيد العماني لزيارة كل من فخامة الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي ولا أكثر من القضية الفلسطينية التي نتفق جميعا أنها في مأزق لا بد أن يُحل عاجلا أم آجلا.