طوكيو - رويترز
روى الصحفي الياباني جومبي ياسودا ما لاقاه من معاناة على مدار أربعين شهرا قضاها رهينة في أيدي مسلحين سوريين حتى أنه مُنع من الحركة أو إحداث أي ضوضاء حتى أثناء النوم.
وقال ياسودا، الذي وصل إلى منزله في اليابان الخميس الفائت بعد أكثر من ثلاث سنوات وصفها بأنها كانت "جحيما" جسديا ونفسيا، لصحيفة آساهي شيمبون إن خاطفيه اتهموه بالتجسس. ولم يسمح له، طيلة ثمانية شهور ظل خلالها حبيسا داخل مكان ارتفاعه 1.5 متر وعرضه لا يتجاوز المتر، بالاستحمام أو غسل ملابسه أو حتى إحداث أي نوع من الضوضاء أو الحركة.
وأبلغ ياسودا الصحيفة خلال رحلة العودة إلى اليابان "لأنني لا أستطيع غسل شعري، كنت أشعر بالرغبة في حك رأسي ولكن عندما فعلت ذلك أحدثت صوتا. كل شيء كان ممنوعا حتى التنفس وفرقعة المفاصل والتقلب أثناء النوم".
وزاد الأمر سوءا عندما وجه له الاتهام "باستراق السمع" وهو يقضي حاجته.
وفي مرحلة ما، لم يأكل ياسودا طيلة عشرين يوما في محاولة لتجنب أي حركة.
وقال "أصبح جسدي جلدا على عظم وشعرت بالغثيان الشديد. لو أني واصلت هذا لمدة أطول لكنت مت ولكن في النهاية نقلت إلى مكان مختلف".
وأضاف "لم يحضروا لي طعاما وإذا أعطوني طعاما معلبا لا يجلبوا لي فتاحة".
وبعد أسبوع أعيد إلى الحيّز الضيّق الذي قضى فيه أسوأ أيامه ثم نقل إلى زنزانة في سجن عادي على ما يبدو.
وفي اليوم التالي وضع في سيارة توجهت به إلى الحدود التركية.
ولدى وصوله إلى اليابان ابتسم ياسودا النحيل الذي طالت لحيته ابتسامة مصطنعة للصحفيين ولم ينطق ببنت شفة.
وقالت زوجته خلال مؤتمر صحفي إن ياسودا بحاجة للراحة والخضوع لفحوص طبية قبل الإدلاء بأي تصريحات أخرى.
وقال ياسودا لرويترز خلال رحلة داخل الأراضي التركية قبل العودة لوطنه من إسطنبول "أنا سعيد لأن بمقدوري العودة إلى اليابان ولكن في الوقت ذاته لا أعلم ماذا سيحدث من هنا وما يجب علي فعله".
وشكرت الحكومة اليابانية قطر وتركيا لتعاونهما في إطلاق سراح ياسودا ولكنها نفت دفع فدية مقابل ذلك.
وعند عودة جومبي ياسودا (44) عاما الخميس إلى بلده تناول كرات أرز أعدتها والدته، وإن كانت رؤى المستقبل غير واضحة له بعد أكثر من ثلاث سنوات أمضاها محتجزا لدى متشددين في سوريا فيما وصفه بأنه "جحيم" بدني ومعنوي.
ووصل جومبي ياسودا، الذي استقال من عمله بصحيفة يابانية حتى يغطي حرب العراق في 2003، إلى طوكيو قادما من تركيا، ليذكي نقاشا في اليابان بشأن العمل الصحفي في مناطق الحروب والذي يراه البعض مغامرة طائشة ويراه آخرون عملا صحفيا شجاعا.
وأظهرت لقطات تلفزيونية ياسودا وقد بدا عليه الإنهاك وهو يهبط درجا في طريقه إلى سيارة تنتظره بمطار ناريتا أقلته إلى مبنى آخر قريب في المطار.
ورد بابتسامة شاحبة على عبارات الترحيب التي رددها صحفيون ومنها "مرحبا بك في بلادك"، ثم دخل ممرا يقوده إلى المكان الذي تنتظره فيه أسرته.
وفي وقت لاحق انحنت زوجته، وهي مغنية تعرف باسم ميو، واعتذرت أمام مؤتمر صحفي حاشد لم يحضره. وقالت وهي تغالب دموعها "يود الاعتذار عن تسببه في ضجة وقلق للناس. لكنه لحسن الحظ تمكن من العودة سالما لليابان".
وأضافت "هو يشعر بأن عليه مسؤولية شرح أكبر قدر من الأمور لكم"، وطلبت تأجيل هذا لما بعد خضوعه لفحوص طبية.
وقالت إن ياسودا لم يذكر تفاصيل كثيرة عن احتجازه وإنه أبلغ والديه اللذين كانا أيضا في انتظاره كيف كان يخشى ألا يجدهما على قيد الحياة. وأضافت أنه تناول كرات الأرز التي طهتها والدته "بسعادة بالغة".
سافر ياسودا إلى العراق في أواخر العام 2002 مستغلا إجازة مدفوعة الأجر من الصحيفة التي كان يعمل بها، لكنه شعر بالإحباط عندما رفضت الصحيفة إرساله في مهمة هناك وترك العمل العام 2003.
وفي 2004، وخلال زيارة أخرى للعراق، احتجزه متشددون لمدة ثلاثة أيام قرب بغداد.
وفي كتاب نشره في نفس العام، أوضح أن سبب قيامه بالمهمة هو رغبته في إظهار المعاناة التي تسببها الحرب.
وكتب يقول "لم أستطع أن أرى وجوه الناس الذين يعيشون في هذا البلد الذي وصف بأنه جزء من ’محور شر’ في أي معلومات تقدمها وسائل الإعلام اليابانية التي تقتصر تقاريرها على الأمور الدبلوماسية وعمليات التفتيش التي تجريها الأمم المتحدة".
وعاد ياسودا إلى العراق في 2007 ليعمل طاهيا في معسكر تدريب للجيش العراقي، ونشر كتابا في 2010 في اليابان عن العمال في مناطق الحروب.
وكانت آخر مرة سافر فيها إلى المنطقة في 2015. وباستثناء مقاطع مصورة قصيرة نشرها خاطفوه، لا يُعرف الكثير عما حدث له بعد اختفائه. وقُتل يابانيون آخرون بعد احتجازهم هناك.
ففي العام 2015 قطع مقاتلون من تنظيم داعش المراسل الحربي الياباني المخضرم كنجي جوتو وصديق له كان يحاول تحريره هو هارونا يوكاوا. وعلت الأصوات التي انتقدت لقرارهما السفر للعراق.
وفي 2004 احتجز متشددون يابانيا كان قد تخرج من المرحلة الثانوية وكذلك عامل إغاثة ومصورا حرا في العراق، وواجهوا أيضا بعد الإفراج عنهم انتقادات واتهامات بالافتقار للإحساس بالمسؤولية.