التدخل المرفوض

مقالات رأي و تحليلات السبت ٢٧/أكتوبر/٢٠١٨ ١٦:٣٦ م
التدخل المرفوض

التدخل الخارجي في شؤون دول الخليج العربي لن يتوقف ولن تنقص فاعليه الحيلة، والأكيد أنهم لن يتركوا أي فرصة للتدخل في شئون هذه الدول إلا ويستغلونها أيما استغلال، فبعض الفرص قد لا تتكرر لهذا يحرصون على ألا تفلت منهم، ولذلك فإن الكثيرين يطلون برؤوسهم فور بروز أي فرصة وفور أن يشموا رائحة أي خلاف وإن كان محدودا بين بعض دوله. هنا يتبين خطورة استمرار الخلاف الذي حصل قبل أكثر من عام بين بعض دول مجلس التعاون والذي للأسف لا يزال مستمرا بل ومؤهلا للتطور السالب والتعقد، ويتبين استمرار قصص حدثت أخيرا كقصة الكاتب الصحفي السعودي المعروف جمال خاشقجي الذي أعلن عن وفاته في قنصلية بلاده في اسطنبول وحظي ما حصل له اهتماما عالمي قل نظيره، فهذه وتلك وغيرهما تدخل في باب الفرص التي لا يمكن للساعين إلى التدخل في شئون هذه الدول تفويتها خصوصا وأنها من القصص التي يمكن البناء عليها والتكسب من خلالها في زمن يعد الإعلام أبرز أسلحته.

يحدث التدخل الأجنبي منذ اللحظة الأولى لأي انقسام، فعدم الانقسام يشكل حائط صد، هذا الحائط يتأثر ويبدأ في التصدع مع أول خلاف، وهو ينهار إن استمر الخلاف وزادت الثغرات التي يمكن النفاذ منها. هذا يعني أن دول مجلس التعاون مؤهلة كلها اليوم للتدخل الأجنبي، فالحائط الذي يجري الحديث عنه يحتوي الآن على تصدعات عديدة وقد لا يطول الوقت حتى ينهار. وهذا يعني أيضا أننا أهل الخليج العربي أمام معضلة كبيرة وأن المستقبل بالنسبة لنا ضبابي خصوصا إن استمرت الخلافات فيما بين دولنا واستمر توفر الفرص للأجنبي كي يتدخل.

الأجنبي الذي يسعى إلى التدخل في شؤوننا لا يلام، فهو يبحث عن مصلحته ويعد ذلك من حقه، اللوم يقع علينا نحن الذين وفرنا له الفرصة التي تسهل له التدخل في شئوننا فنكون كمن أعانه على ذلك وسهل له المهمة، فلولا الثغرات التي توفرت في جدارنا بسبب خلافاتنا التي لا تنتهي لما حاول التدخل في شئوننا ولبحث له عن فرص أخرى في أمكنة أخرى، ولولا استمرار الخلافات بيننا لما أصر على التدخل في شئوننا.
من هنا ينبري السؤال الكبير وهو هل يمكننا تجاوز ما حدث ويحدث بيننا والاستفادة منه في حماية وحدتنا الخليجية وتلاحم شعوبنا؟ هل يمكن أن تتوفر لنا الإرادة الصلبة التي يمكن بها قيادة سفينة التعاون بكفاءة واقتدار ونتجاوز بذلك التحديات كافة؟ هل يمكننا فعل ذلك ومن ثم منع أي تدخل في شؤوننا؟ هل يمكننا أن نعود كما كنا أسرة واحدة؟
نظريا نعم، وعمليا أيضا نعم ولكن بشروطها، ومن شروطها وضع نقطة في نهاية السطر والاتفاق على منع الاستمرار في الخلافات والعمل على حل كل مشكلة طرأت أو كانت واستمرت، فلا مشكلة من دون حل، ولا حل لمشكلة من دون العزم على حلها ووضع تلك النقطة في نهاية السطر. وعمليا أيضا لم يعد الوقت في صالح دولنا الخليجية، فكلما استمر الخلاف فيما بيننا تعقد وصار صعبا إيجاد نهاية له، وكلما استمر كلما توفرت الفرص التي يبحث عنها الأجنبي كي يتدخل في شئوننا.
من تابع الحرب الإعلامية في قصة خاشقجي يتأكد بأنها نتاج الخلاف الخليجي الخليجي، إذ لولاه لما اشتعلت هذه الحرب ولما حصل الأجنبي على مزيد من الفرص كي يتدخل في شئوننا، ومن تابع تلك الحرب يتبين له خطورة الوضع الذي صارت فيه دولنا الخليجية والغموض الذي يكتنف مستقبلها ومستقبل أبنائها.
يصعب القول بأن التحرك لحل الخلاف الخليجي الخليجي الذي قامت به دولة الكويت وسلطنة عمان لم يسفر عن نتائج إيجابية، يصعب ذلك حتى مع استمرار الخلاف بين الدول المتورطة فيه، حيث الأكيد أن هذا التحرك الخير أسفر أو سيسفر قريبا عن مفيد، فلا الكويت ولا عمان تقبل أن يضيع جهدها سدى، لهذا فإن عليهما أيضا القيام بمحاولة حل الخلاف الجديد الذي من الطبيعي أن ينشأ نتيجة الحرب الإعلامية التي سادت أخيرا واتخذت من قصة المرحوم خاشقجي سببا، حيث السكوت عن الذي يجري حاليا من شأنه أن يعمق الخلافات الخليجية الخليجية ويوفر المزيد من الفرص للأجنبي كي يتدخل في شؤون دول الخليج العربي كافة.
يقول العرب رب ضارة نافعة، ولعل ما حدث أخيرا يكون سببا في انتباه دول مجلس التعاون لما آلت إليه أحوالها وتبين أن هذه الأحوال ستزداد سوءا إن استمرت الخلافات فيما بينها. ربما انبرى من بين أهل الخليج العربي ثلة تؤمن بأهمية الحفاظ على جدار الصد فعمدت إلى استغلال ما هو حاصل اليوم بسبب ما حدث للصحفي السعودي جمال خاشقجي واستفادت من التوجهات الخيرة لدولة الكويت وأميرها ولسلطنة عمان وسلطانها، حفظهما الله ورعاهما، وقادت تحركا يسفر عن اتفاق ولو مبدئي على حل كل الخلافات فيما بين دول مجلس التعاون وتوفير الأسباب التي بها يصعب على الأجنبي التدخل في شئوننا الداخلية وتدمير حياتنا ومستقبل أبنائنا.
الأجنبي لا يتدخل في شؤوننا إن تمكنا من منعه، ومنعه يكون بحل خلافاتنا وسد كل الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها، والأكيد أن فرص حل الخلافات فيما بيننا متوفرة دائما، تماما كما النوايا الحسنة.

كاتب بحريني