عمان .. ثراء حضاري وتاريخي عميق

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٥٠ ص
عمان .. ثراء حضاري وتاريخي عميق

ناصر اليحمدي

تمتلك السلطنة إرثا حضاريا وبحريا ضاربا في أعماق التاريخ يبرهن على ذلك الكثير من الاكتشافات الأثرية التي تم الإعلان عنها مؤخرا .. فمنذ أيام تم الكشف عن آثار في ولاية آدم بمحافظة الداخلية يعود عمرها للعصر الحديدي ورغم أن المعدات المستخدمة في هذا العصر كانت مصنوعة من الجلد إلا أن الآثار المكتشفة مصنوعة من البرونز وهو ما أثار إعجاب وتساؤل أعضاء بعثة الآثار التي اكتشفتها .. كما تم إزاحة الستار عن موقع أثري عبارة عن مجمع من أربعة مباني معزولة شيدت على حافة جبل المضمار بولاية آدم والتي تبرهن على وجود تجمعات بشرية متطورة في نظام اجتماعي مترابط تدعمه أساليب إنتاجية متقدمة تماثل الحضارات الأخرى المعروفة كما أعلن ذلك سعادة سالم بن محمد المحروقي وكيل وزارة التراث والثقافة لشئون التراث .. إلى جانب العثور على آثار أخرى في المضيبي وسناو وسمد الشأن وإزكي وبسيا وسلوت ودبا وقلهات وغيرها والتي تدل على أن الحضارة العمانية العريقة لم تكن مجرد تجمعات بدائية ترعى الغنم أو تقتات مما تجود به الصحراء بل هي حضارة متقدمة ذات بناء معرفي متطور استطاعت عن طريق تواصلها مع الحضارات المجاورة أن تكون هويتها وشكلها المتماسك الراقي.
وآخر الاكتشافات التي تم الإعلان عن تفاصيلها والتي نفخر بها جميعا حطام سفن الهند الشرقية البرتغالية التي غرقت في مايو 1503 بالقرب من ساحل جزيرة الحلانيات بمحافظة ظفار والتي كانت جزءا من الأسطول الحربي للرحالة فاسكو دي جاما المتجه إلى الهند واكتشفت بها ما يقارب من 2800 قطعة أثرية شاهدة على البراعة العمانية القديمة في الربط بين الحضارات المختلفة مثل الربط بين أوروبا والهند كما أنها توضح للعالم كيفية إدارة التجارة والحرب في ذلك الوقت والعلاقة بين الشرق والغرب في هذه المرحلة المبكرة من التاريخ وهو ما يدل على أهمية هذه الاكتشافات ومكانة السلطنة العالمية منذ القدم.
إن ما تكشفه الأيام من آثار عظيمة تجسد ما تملكه السلطنة من إرث مادي ومعنوي ثري يبرهن على العمق الحضاري لعمان وتبرز دورها المحوري كملتقى للحضارات عبر الحقب المختلفة .. وجميعنا يأمل أن تستمر مسيرة الاكتشافات تلو الاكتشافات وأن يتم استخراج الكنوز التاريخية التي تكتب اسم السلطنة بأحرف من نور في خريطة الآثار والسياحة العالمية.
لاشك أن المنهج الذي تسير عليه وزارة التراث والثقافة والجهود المضنية التي تبذلها من أجل إظهار الوجه الحضاري المشرق لوطننا الحبيب بمساعدة الجهات الحكومية الأخرى كالبحرية السلطانية العمانية وسلاح الجو السلطاني وشرطة عمان السلطانية ووزارة البيئة والشئون المناخية وغيرها من المؤسسات والمعاهد والأهالي وغيرهم يعبر عن الروح الوطنية الخالصة التي تتمتع بها هذه الجهات .. فقد تعاونت وتكاتفت من أجل إعلاء شأن الوطن وكونت شراكة فاعلة ورسمت ملحمة وطنية رائعة للحفاظ على مفردات تراثنا المختلفة وحمايتها من نوائب الزمن والتنقيب عن كنوزنا العظيمة حتى تخرج للنور .
إن كل عماني ينتظر على أحر من الجمر عرض المقتنيات التي تم العثور عليها حديثا في متاحف السلطنة حتى يتعرف على تراث بلاده الحضاري والتاريخي العميق والذي سيظل شاهدا على عظمة بلادنا ويرد على المشككين الذين يدعون للنظر للأمام وعدم الالتفات للخلف .. فليعلم أمثال هؤلاء أنه من لا ماضي له لا حاضر أو مستقبل له لأن البناء لا يستطيع أن يستقيم ويعلو دون أساسات قوية ومتينة وبالتالي فإن بلادنا لا يمكن أن يعلو شأنها إلا بالاستناد على ماضينا التليد الثري والقوي والذي يظهر الدور المحوري الذي لعبه أجدادنا في الربط بين الحضارات المختلفة .. فلو أدركت الأجيال الحديثة الحالية والقادمة هذا الدور واقتدت به لدفعت بلادها نحو التقدم ولوضعت لها موطئ قدم على الساحة الدولية .. فما تملكه الدول من ماضي عظيم يعزز من قيمتها ويزيد من ثقلها في الحاضر والمستقبل.

* * *
أهل القدس بلا سكن
القدس العربية لا تجد سكنى لأهلها .. فالمخططات الصهيونية الخبيثة تسعى حثيثا لتفريغ المدينة المقدسة من أهلها واستبدالهم بالمستوطنين اليهود .. ورغم أن السكن حق المواطن الفلسطيني في القدس إلا أنه عندما يبحث عنه لا يجده في ظل توسيع دولة الاحتلال لهيمنتها على كامل الأراضي حتى تؤول جميعها بشقيها الشرقي والغربي لسيطرتها وهذا يتضح تماما من التغيير الديموغرافي والجغرافي الذي حدث للقدس في السنوات الأخيرة والذي يهدف لطرد الفلسطينيين وتثبيت أقدام الصهاينة وإقرار أمر واقع وهو أن المدينة بكاملها أصبحت العاصمة الأبدية للدولة العبرية بدون أي شريك.
إن إسرائيل تقوم بمصادرة الأراضي الفلسطينية وتبني عليها مستوطنات لليهود أو تخصصها ممتلكات عامة كالحدائق والشوارع .. كما أنها تسلب الفلسطينيين بيوتهم ومساكنهم سواء التي هجرها أهلها أو التي لازالوا يعيشون فيها لدرجة أن الفلسطيني عندما يبحث عن سكن لا يجد ناهيك عن القوانين والإجراءات المعقدة التي وضعتها سلطة الاحتلال للحول دون تمكين أي فلسطيني من الحصول على قطعة أرض أو شقة سكنية حيث لا يتم منحه ترخيص بناء بحجة أنه لا توجد مخططات للأحياء الفلسطينية .. وقد أقرت الحكومة نفسها بذلك عندما كشفت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية عن إحصائية لعدد الشقق السكنية الفلسطينية فسجلت أنها تشكل 20% فقط من مجمل الشقق السكنية في القدس رغم أن السكان الفلسطينيين يشكلون 37% من إجمالي سكان المدينة المباركة أي يحتاجون ما يعادل 40 ألف وحدة سكنية للقضاء على ضائقتهم السكانية .. لذلك لجأ عدد كبير منهم للعيش في مباني غير مرخصة ليقعوا تحت تهديد هدمها في أية لحظة وفقدان هويتهم المقدسية وطردهم خارج حدود مدينتهم.
إن الدولة العبرية منذ أن وطأت أقدامها الأراضي المحتلة وهي ترسم الخطط الخبيثة الواحدة تلو الأخرى الرامية للسيطرة على كامل الأرض فتارة تقوم بترغيب أهل الأرض وتارة أخرى بترهيبهم وهو الحال السائد إلى أن اكتشفت طريقة ملتوية لتحقيق مآربها ببناء المستوطنات الجائرة بحجة تسكين المواطنين الإسرائيليين وذلك على أراض فلسطينية خالصة تنتزعها بالقوة من أصحابها الذين يستصرخون ويستنجدون بالمجتمع الدولي الذي يصم أذنيه ويعمي عينيه عن انتهاكات بني صهيون مادامت في حمى أقوى دولة في العالم – الولايات المتحدة الأمريكية – التي تنصرها ظالمة أو مظلومة باستخدام الفيتو لوقف مناقشة أي قرار قد يدين ربيبتها المدللة.
للأسف إسرائيل في طريقها لفرض سيطرتها على الضفة الغربية بكاملها بما فيها مدينة القدس وليس الكتل الاستيطانية فقط فقد استولت على بعض الأحياء العربية بالكامل كما أطلقت يد المستوطنين على الفلسطينيين كي يرهبوهم ويهاجموهم ويضربوهم في محاولة منهم لتطفيشهم من ممتلكاتهم إلى جانب الحواجز التي تفصل الفلسطينيين عن أهلهم ومدارسهم وعملهم .. بالإضافة إلى فرض القوانين الظالمة التي تلغي أي حق عربي للممتلكات لدرجة أنه لم يسمح بإقامة حي واحد عربي خلال الـ45 سنة الفائتة واتباع سياسة حرق الزرع وتجريف التربة ونزع الأراضي غصبا وقهرا وسياسة التهويد التي تسير على قدم وساق لكل ما هو عربي إسلامي وغيرها من المخططات التي تثبت سعيها الدؤوب لتفريغ الأراضي الفلسطينية من أهلها والسيطرة عليها بالكامل وعندما ينتفض الفلسطينيون للدفاع عن أرضهم تقابلهم قوات الاحتلال بالاعتقال والقتل والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي وغيرها من أساليب القهر القذرة.
لاشك أن وجود الفلسطيني داخل أرضه يؤرق إسرائيل لذا فإنها تحاول بكافة السبل انتزاعه منها لكن يبدو أنها لا تتعظ من التاريخ .. لأنه مهما كانت المغريات أو الأساليب القمعية فإن الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه وحلمه في دولة مستقلة ذات هوية فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية فهي أرضه التي لم ولن يعرف غيرها وسيعمل على تحريرها بكل ما أوتي من عرق ودم .. وعليها أن تتعايش مع هذه الحقيقة في سلام حتى يعم الأمن المنطقة.

* * *
آخر كلام
قال شاعرنا العربي :
لا تمشِ فوق الأرض إلا تواضعا فكم تحتها قومٌ هم منك أرفـعُ
فإن كنت في عزٍ وحرزٍ ومنعـةٍ فكم مات من قومٍ هم منك أمنعُ