المخترعون العرب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٧/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٢:٣٢ ص
المخترعون العرب

فريد أحمد حسن
فيما يخص الاختراعات فإن الفارق بيننا وبين الغرب ليس فقط في أنه يشجع أبناءه على الدخول في هذا المعترك ويحتضنهم ويتبنى ما يتوصلون إليه من مخترعات ويرفع من شأنهم ويشهرهم ولكنه أيضا في أننا ندهش ونستغرب لو سمعنا بأن اختراعا مهما يستفيد منه العالم أجمع هو من نتاج أحد أبنائنا العرب، ففي ذاكرتنا ما يمنع من قبول مثل هذا الأمر ويجعلنا نشكك في صحة كل معلومة من هذا القبيل.
هنا مثال. ترى من منا يعرف أن المهندس الذي اخترع الجهاز الذي يعتمد عليه اليوم مذيعو النشرات الإخبارية ومقدمو البرامج التلفزيونية في كل العالم في قراءتهم للنشرة ولكل معلومة يقدمونها للمشاهد عربي؟ ومن منا يعرف من أي بلاد عربية هو؟ ومن منا يعرف أن المهندس الذي اخترع ما يمنع من تضرر عيون مشاهدي التلفزيون الذين يمكثون بالساعات أمام الشاشة عربي؟
قلة من العرب يعرفون أن مخترع هذا وذاك هو المهندس اليمني محمد العفيفي، وقلة من العرب يعرفون أن لهذا المهندس نحو ثلاثين اختراعا. تماما مثلما قلة منهم يعرفون أن بين العرب مخترعون كثر بإمكانهم أن يرتقوا بالعالم لو أنهم حصلوا على مثل الفرص التي يحصل عليها المبدعون في الغرب.
كان المهندس العفيفي يتفقد الأجهزة التي استغنى عنها تلفزيون اليمن بعد أن تحول إلى البث بالألوان ووضعت في مخزن عرضة للتلف فأخذ قطعا منها وبدأ في تجربة أمر ظل يشاغب عقله وتوصل بعون الله سبحانه وتعالى إلى فكرة قراءة النشرة من شاشة توضع أمام المذيع بدلا من الورق. مفاجأة الاختراع كانت أن رفض كل المذيعين بالتلفزيون اليمني المغامرة وقراءة النشرة من الشاشة باستثناء واحد صار حديث اليمن كلها حيث ظن المشاهدون أنه حفظ النشرة عن ظهر قلب.
انتشرت الفكرة وتمكن مخترع هذا الجهاز من تطويره، وهكذا صار واحدا من الأجهزة التي لا يمكن لأي تلفزيون في العالم أن يستغني عنها. أما اختراعه الآخر فكانت شرارته تعرض بعض الأطفال اليابانيين للعمى بسبب مكوثهم الطويل أمام شاشة التلفزيون حيث تمكن هذا المهندس العربي من اختراع شاشة خاصة تحمي النظر، وانتشر اختراعه في العالم كله أيضا.
لو أن هذا الاختراع كان في الغرب وكان المخترع غربيا لجعلوا منه أيقونة كما كما كان أديسون الذي لم يجد اليمنيون بدا من ربط اسمه بالمخترع اليمني حيث عرف العفيفي بعد ذلك بأديسون اليمن.
كثيرون هم أصحاب العقول غير العادية في اليمن، ومثلهم كثيرون أيضا في دول الخليج العربي وفي البلاد العربية كافة، لكنهم لا يحصلون على الاهتمام الذي ينبغي أن يحصلوا عليه ولا الفرص التي ينبغي أن يحصلوا عليها.
في السياق نفسه يمكن التأكيد على أن الكثيرين من العرب لا يعرفون أن مخترع الواي فاي (شبكة البيانات اللاسلكية) هو المصري المقيم في كندا د.حاتم زغلول، ولا يعرفون كذلك أن واحدا من الذين طوروا نظام الجيل الرابع (4G) هو المصري د.أحمد شكري. والأسماء الأخرى كثيرة.
الحقيقة التي يجب أن نؤكد عليها هنا هي أن إسهام العقل العربي في تطور العالم وتقدمه لا يقل عن إسهام العقل الغربي، إنما الفارق هو أن الغربي يحصل على الفرص والظروف التي تسهل له إخراج ما يعتور عقله من أفكار وتصورات بينما العربي حظه من ذلك قليل إلا لو ساعدته الظروف ووصل إلى الغرب كما هو حال الكثيرين من المخترعين والمبدعين العراقيين والسوريين واللبنانيين وغيرهم من أبناء البلاد العربية الذين صرنا نقول ببساطة إنهم لو لم يحصلوا على تلك الفرصة لظلت أفكارهم حبيسة رؤوسهم وبيوتهم.
قبل أيام خرج رئيس وزراء إسرائيل ليقول أمام العالم وبصوت عال بأن "إسرائيل تقود العالم" ووفر ما يكفي من أمثلة وأدلة على هذا الادعاء، ولأن العالم كله يعرف مقدار اهتمام إسرائيل بالعلم ويعرف حجم ما تخصصه من ميزانيات لمراكز البحوث العلمية والجامعات لذا لم يشكك أحد في كلامه ولم يرد عليه أحد، فما قاله يؤكده الواقع وهو حقيقة.
هذا الحال يدفع إلى التساؤل بصوت عال أيضا عن الأسباب التي تجعل البلاد العربية في ذيل قائمة المخترعين والمبدعين رغم توافر أعداد كبيرة من أصحاب العقول النابهة والعباقرة، والتساؤل أيضا عن الكيفية التي يمكن للبلاد العربية أن تتجاوز بها مرحلة عدم الاهتمام بأصحاب العقول إلى مرحلة الاهتمام بهم وتبني أفكارهم وإبداعاتهم ومخترعاتهم.
كثيرون طرحوا هذه التساؤلات وغيرها، وكثيرون دعوا أصحاب القرار في البلاد العربية إلى إعطاء أصحاب العقول والمبدعين والمتميزين العرب ما يحتاجونه من فرص ليقدموا للعالم ما يسهمون به في الارتقاء بأسماء أوطانهم ويدونون أسماءهم وأسماءها في سجل الحضارة التي كان العرب قادتها لقرون عديدة.
المهندس العفيفي ليس المخترع الوحيد في اليمن، والدكتوران المصريان أحمد شكري وحاتم زغلول ليسا المصريين الوحيدين اللذين يمتلكان عقولا، وسين وصاد وعين من المخترعين والمبدعين في دول الخليج العربي وباقي البلاد العربية ليسوا الوحيدين الذين يمتلكون قدرات غير عادية تؤهلهم لتقديم ما يسهم في الارتقاء بالبشر، فهناك الكثيرون من المعروفين ومن غير المعروفين الذين يمكن أن يجعلوا من كل مسئول عربي يقف أمام العالم ويقول بصوت عال إن هذا هو إسهام أبنائنا وإسهام بلداننا العربية... وأننا نستحق أن نقود العالم.

كاتب بحريني