اليورو يحتوي ترامب

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٦/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٤:٣٢ ص
اليورو يحتوي ترامب

يوشين أندريتزكي

يستخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحرب الاقتصادية لملاحقة أهداف سياسته الخارجية. ففي أغسطس، أعلنت إدارته أنها تعتزم مضاعفة التعريفات الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم من تركيا، من أجل الضغط على السلطات التركية لحملها على الإفراج عن قس أمريكي محتجز لمدة عامين بتهمة التجسس. وفي بداية الشهر المقبل، ستقوم الولايات المتحدة أيضا بتصعيد العقوبات التي تفرضها من جانب واحد على إيران.
تدرك إدارة ترامب أن الدور الذي يلعبه الدولار الأمريكي كعملة احتياطية مهيمنة في العالَم يشكل مصدراً رئيسياً للنفوذ الاقتصادي الأمريكي. وعلى هذا فإن التصدي لقوة أمريكا غير المتناسبة التي تتسبب في زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي يتطلب تقليص حصة التجارة الدولية التي تُدار باستخدام الدولار. فهل يتمكن اليورو من العمل كبديل جدير بالثقة يمكن التعويل عليه؟
يُعَد اليورو ثاني عملة رائدة في العالَم، لكنه يظل متأخرا خلف الدولار الأمريكي. ذلك أن ثلثي القروض التي تصدرها البنوك المحلية بالعملات الأجنبية مقومة بالدولار، مقارنة بنحو 20% باليورو. وتنطبق نِسَب مماثلة على الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبي.
الواقع أن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر حريص على تغيير هذا الواقع. في الشهر الفائت، أعلن يونكر أنه من "العبث" أن "تدفع أوروبا 80% من فاتورة استيراد الطاقة ــ ما قيمته 300 بليون يورو سنويا ــ بالدولار الأمريكي"، حتى برغم أن 2% فقط من واردات الاتحاد الأوروبي من الطاقة تأتي من الولايات المتحدة. ثم دعا إلى تحويل اليورو إلى "أداة لأوروبا جديدة أكثر امتلاكاً لسيادتها"، ووعد بطرح "مبادرات لتعزيز الدور الدولي الذي يلعبه اليورو".
ويونكر ليس وحده بين قادة أوروبا في إدراك إلى أي مدى قد تكون العملة الموحدة أداة قوية عندما يتعلق الأمر باستعراض القوة. وقد اقترح وزير الخارجية الألماني هيكو ماس أن ينشئ الاتحاد الأوروبي نظام خاص بها للمدفوعات الدولية.
بيد أن هذه المقترحات، على الرغم من كونها طموحة، ربما تغفل عن المطلوب حقاً لرفع مكانة اليورو. وإذا ازداد دور اليورو في التجارة الدولية، فسوف تزداد كذلك قيمة ما تملكه الشركات الأجنبية من الأصول المقومة باليورو والقيمة الإجمالية للقروض المقومة باليورو. وقد تؤدي زيادة التجارة العالمية باليورو إلى تعرض الأنظمة المصرفية الأجنبية بصورة مكثفة لهذه العملة.
هذا يعني أن البنك المركزي الأوروبي لابد أن يتحرك في حالة حدوث أزمة، مثلما فعل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الماضي. اضطلع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال الأزمة المالية العالمية في العام 2008 بدور مقرض الملاذ الأخير بحكم الأمر الواقع، فوافق على إنشاء خطوط مقايضة غير مضمونة ليس فقط مع البنوك المركزية التي تدير عملات احتياطية مثل البنك المركزي الأوروبي والبنك الوطني السويسري، بل وأيضا مع اقتصادات ناشئة مثل المكسيك والبرازيل. وكان الهدف تثبيت استقرار الاقتصاد العالمي، لكن السيولة ساعدت أيضا في منع الاضطرابات الداخلية الناشئة نتيجة للمبيعات الأجنبية للأصول الدولارية ومنع البنوك الأجنبية من الهرولة لشراء الدولار.
تبنى البنك المركزي الأوروبي نهجاً أكثر تقييداً. ففي أواخر العام 2008، بدأ توفير اليورو للبنوك المركزية في المجر، ولاتفيا، وبولندا، لكنه ألزمها بوضع أوراق مالية بعملة اليورو كضمان. وكان البنك المركزي الأوروبي يريد حماية ميزانيته العمومية من التعرض غير المأمون للفورينت المجري أو الزلوتي البولندي. لكن هذه الدول كانت تحتفظ بكم قليل للغاية من الأوراق المالية المؤهلة للحصول على القدر الكافي من اليورو بموجب الشروط الأولية التي أعلنها البنك المركزي الأوروبي. وقد استغرق الأمر سنة أخرى قبل أن ينشئ البنك المركزي الأوروبي، تحت ضغوط من النمسا ودول أخرى، خطوط مقايضة مناسبة في مقابل الضمانات بالعملات الأجنبية مع البنكين المركزيين المجري والبولندي.
وحتى الآن، لن يوفر البنك المركزي الأوروبي السيولة إلا للدول التي تعتبر مهمة جهازيا لمنطقة اليورو. ويتناقض هذا النهج الكاره للمخاطرة مع النهج الذي يتبناه بنك الاحتياطي الفيدرالي، وبشكل أكثر وضوحا مع نهج بنك الشعب الصيني، الذي أنشأ في السنوات الأخيرة شبكة واسعة من خطوط المقايضة لتشجيع استخدام الرنمينبي في التجارة ــ وبالتالي تعزيز مكانته كعملة دولية.
إذا كان لرؤية يونكر أن تتحقق، فيتحتم على البنك المركزي الأوروبي أن يتخلى عن هذه العقلية الضيقة وأن يتبنى دور مقرض الملاذ الأخير على غرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. ومع ذلك، يظل من غير الواضح ما إذا كان البنك المركزي الأوروبي على استعداد لترك جزء من ميزانيته العمومية عُرضة لمصير دول خارج عضوية منطقة اليورو.
الواقع أن البنك المركزي الأوروبي لديه سبب وجيه يدعوه إلى توخي الحذر: فهو يفتقر إلى نظير سياسي أشبه بوزير الخزانة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة. وفي غياب وزير مالية لمنطقة اليورو يجري التنسيق معه في أوقات الأزمات، فإن أي قرار من قِبَل البنك المركزي الأوروبي لمساعدة دولة ثالثة ــ حتى من دول الاتحاد الأوروبي ــ ربما يُقابَل بمقاومة قوية. وربما يكون عزوف البنك المركزي الأوروبي عن إنشاء خط مقايضة مع المجر مثالاً واضحاً على ذلك: إذ كانت المجر تباعد نفسها عن الاتحاد الأوروبي بالفعل.
في نهاية المطاف، قرر البنك المركزي الأوروبي أن يفعل "كل ما يلزم "لإنقاذ اليورو". ولكن إذا كان القادة الأوروبيون راغبين في دعم رؤية يونكر لتعزيز سيادة الاتحاد الأوروبي من خلال تعزيز الدور الدولي الذي يلعبه اليورو، فلا يجوز لهم أن يعتمدوا على البنك المركزي الأوروبي لتكرار هذا النهج، دون دعم مؤسسي لائق.
بدلا من ذلك، ينبغي لقادة منطقة اليورو أن يكملوا إصلاحات بنية اتحاد العملة وأن يعملوا على توفير النظير السياسي للبنك المركزي الأوروبي الذي من شأنه أن يدعم السياسة النقدية المركزية. وهذه أفضل استجابة أولية لهجمات ترامب الاقتصادية. وأي شيء آخر يعني وضع العربة أمام الحصان ــ مرة أخرى.

الأمين العام الأسبق للمجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين